مذكرات مسلم _الجزء السابع ( أنا والدش _الطبق الفضائي)
الحلقة السابعة : أنا والدش ( الطبق الفضائي )
كان لي منذ صغري ولع بعالم الاعلام من تصوير وتلفزيون وكاميرات ولي مع الأطباق الفضائية حكاية مثيرة أحكيها منذ البداية
بعد حرب الكويت حدث تطور كبير في عالم الاتصالات وبدأنا نسمع في مجتمع المدينة المنورة عن الأطباق الفضائية وأنها عالم مفتوح من القنوات المنوعة وليس عليها أي رقابة وتقدم العديد من البرامج المختلفة .
ومثل هذه الأخبار والشائعات والمبالغات أحدث ردات فعل مختلفة في أوساط المجتمع تمثلت في تيارين أساسيين التيار الأول وهو الذي تعودناه دائما مع كل جديد المنع والتحذير والتهويل من الأطباق الفضائية وتحريم اقتنائها ومشاهدتها وأنها مفسدة عظيمة وكبيرة وباب واسع للفساد إلى آخر ما قيل وانتشر وشكل هلعا كبيرا عند التيار المتدين ومنهم أنا ، والتيار الثاني وهو عامة المجتمع المتلهفة لكل جديد وغريب والتي لاتبالي إلا بالمتع واللذات وتسترخص في سبيل ذلك الأوقات والمجهودات والأموال وأعرف شخصا دفع ( أربعين ألف ريال ) ذلك الوقت للحصول على الطبق الفضائي والريسيفر الذي لايتعدى سعره الحقيقي الآن مئتين أو ثلاثمائة ريال وأصبح هناك مايشبه السعار عند هذه الفئة وعموم المجتمع للحصول على الأطباق وأخذت تنتشر انتشار النار في الهشيم وبدأ الحديث عن مجموعات من القنوات العربية كال ( أ ر ت ) وقناة ( م ب س ) والتي تطرح إعلاما منفتحا لا يخضع للقوانين التقليدية للاعلام الرسمي وقد كان تبرم الناس من الاعلام الرسمي وقوانينه وبرامجه الجامدة عاملا مهما في اندفاع الناس نحو القنوات الفضائية .
وبدأت ظاهرة مد الأسلاك بمعنى أن من لديه طبق فضائي يمكنه مد توصيلة لجيرانه ليتمكنوا من مشاهدة القنوات معه وبدأت أسطح المنازل تمتليء بالأطباق والأسلاك الممتدة في كل الاتجاهات .
وأذكر أنني لفترة وجيزة قاطعت بعض أقاربي لأنهم أدخلوا الدش ( الطبق الفضائي ) إلى منازلهم ولكنني لم أستطع مقاطعة بيت العائلة الرئيسي بعد أن ركبوا فيه الطبق الفضائي فكنت إذا حضرت أجلس على مضض ...هذا في البداية حتى انكسر الحاجز ... ثم بدأنا بمشاهدة الأخبار وكانت متميزة ... ثم بدأنا بمشاهدة بعض التلفزيونات العربية ...هذا كله في الوقت الذي أزور فيه بيت العائلة فقط ... ثم شيئا فشيئا وجدت أن الأمر ليس فيه ذلك التهويل الشديد وأن الأخطار الموجودة محدودة ومحصورة في بعض القنوات وأذكر وقتها أنها كانت القناة الفرنسية وقناة ( ل ب س ) اللبنانية فقد كانت تأتـي فيهما بعض البرامج واللقطات الفاضحة والمخلة بالحياء والإباحية لذلك كان المحافظون من الناس يحذفونها أو يضعونها في آخر الصف بحيث يصعب الوصول إليها إلا لمن يعرف استخدام جهاز الريسيفر أما باقي القنوات فكانت برامجها عادية ومفيدة وشكلت انفتاحا وتنوعا اعلاميا لامثيل له
ومع مرور الوقت بدأت تدور في ذهني تساؤلات حول صواب الموقف الذي اتخذته تجاه الطبق الفضائي فقد أحسست أنني اندفعت إلى تيار التحريم والمنع دون اقتناع وإنما انسياقا مع التيار العام وزاد من حراجة موقفي أنني صرحت بمواقفي المانعة والمضادة لاقتناء الأطباق الفضائية داخل بيت العائلة وكما ذكرت سابقا أنني قاطعت بعض أقاربي لفترة وجيزة لنفس السبب .
وأصبحت ُأكثر من زيارة بيت العائلة لمشاهدة القنوات وطالت فترات مكوثي هناك ...وفي نهاية الأمر وجدت أنني تسرعت في مواقفي من الطبق الفضائي وأن المسألة لم تكن بالخطورة والتهويل الذي ذكر مع أن الخطر موجود في هذه القنوات ولكن يمكن الاحتراز منه ووضع التدابير لمنعه ، أما الفوائد فكبيرة جدا وأكثر من أن تعد لمن يبحث عنها ويتحراها ، والفساد أيضا موجود وواسع ووكبير في القنوات لمن يبحث عنه فهي سلاح ذو حدين وهي رهن بالاستخدام ، ومن يومها قررت ألا ألدغ من الجحر مرة أخرى ولن أنساق إلى موقف دون نظر وبحث واقتناع وقد كلفني ذلك متاعب ومصاعب ولكنني كنت مرتاحا وصادقا مع نفسي والحمد لله أولا وآخرا.
وبعد اقتناعي بخطأ موقفي قررت أن أخذ توصيلة من جاري ووجدت صعوبة شديدة في أن أخاطب جاري بالطلب وأنا الذي كنت أقرعه بالكلام وأنكر عليه تركيب الدش ولكن بشكل غير مباشر وهذا ماشجعني على مخاطبته فرحب بالأمر ولم يعتب علي ودخلت إلى عالم الأطباق الفضائية استكشفه وأعرف مكنوناته
ثم كانت العقبة التالية كيف أقنع زوجتي بالأمر وقد كنا نتشارك نفس الموقف بل كان موقفها تجاه الدش أشد مني ، ولم أجد طريقة لإقناعها فأدخلت الجهاز إلى غرفتي وخبأته بطريقة فنية خلف جهاز التلفاز والفيديو ولم يلحظ أحد أي اختلاف .
ووجدت في القنوات عالما رحبا وفسيحا من الفوائد لمن يبحث عن الفوائد كما وجدت فيه من الترفيه والتسلية عالما كبيرا .
ثم بعد فترة بدأت أصرح بخطأ موقفي السابق ولكن لم أنصح أحدا باقتناء الدش وإنما تبيان أنه يمكن الاستفادة منه مع اتخاذ السبل لعدم الوقوع في أخطاره ، ثم بعد فترة اقتنعت زوجتي بالأمر خاصة مع بروز قنوات فضائية متميزة مثل اقرأ والمجد والرسالة وغيرها وركبت طبقا فضائيا آخر للعائلة وشعرت بتغير كبير في الانفتاح الفكري عند عائلتي .
ومن الأمور العجيبة أن أبنائي كانوا يشاهدون بعض القنوات الفضائية الخاصة بالأطفال وكانوا يستمتعون بذلك وتشبع نهم طفولتهم ولم أر فيها من الضرر الكبير عليهم بينما لا حظت عند اثنين من أقاربي من بيئتين مختلفتين وكانا من المتشددين في مسألة التلفاز وليس لديهم تلفاز في منازلهم لاحظت أننا عندما نجتمع في المناسبات يتلاقى الأطفال ويلعبون ويمرحون ماعدا أبناء هذين الشخصين فإنهم يتحلقون حول القنوات الفضائية الخاصة بالأطفال منذ دخولهم وحتى انصرافهم ولا يفعلون شيئا آخر مما يدل على أن هناك خللا ما في تربيتهم وأنهم يعانون نقصا ما .
وأظن أن كثيرا من المتدينين واقعون في نفس الحال الذي وقعت فيه ولكنهم لا يملكون الجرأة والشجاعة لمواجهة أنفسهم وواقعهم وأخطائهم .
وقد أحدثت متابعة القنوات الفضائية نقلة فكرية هائلة عندي حيث أغرمت بمتابعة البرامج الهادفة وخاصة السياسية منها والوثائقية والمقابلات المتنوعة مع رموز التيارات المختلفة مع متابعة بعض الفنون من المسرحيات الجيدة والدراما الهادفة مثل مسلسل مرايا السوري وأشباهه ، وأعود فأكرر أن هذا الجهاز سلاح ذو حدين فقد وجدت من الناس من لا يستخدمه إلا للتوافه ومتابعة المسلسلات والأفلام والأغاني ، لذا ينبغي الموازنة جيدا في استخدامه حتى يستفاد منه .