الحلقة السادسة : المدينة والآثار حكاية دامية
المدينة المنورة عاصمة الاسلام الأولى وفيها من المشاهد والآثار ماليس في غيرها وأهم عنصر في آثار المدينة الأثر النفسي الذي يكتنف الزائر بأن هذه الأماكن قد عاش فيها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وشهدت نزول الآيات والأحداث العظيمة التي يقرأ المسلمون تفاصيلها في كتب السيرة فإذا اقترن بهذه الأجواء النفسية القوية الآثار الفعلية لتلك الأماكن أحدث ذلك أثرا إيجابيا عند من تنفعه الذكرى أو كان له قلب أوألقى السمع وهو شهيد
وقد وجد في فترات الضعف التي عاشها المسلمون أناس بالغوا في هذه الآثار وغلوا فيها وتجاوزوا الحدود الشرعية بشأنها وهذا أمر لايقبله المؤمن الحريص على دينه وعلى حمايته من الشوائب ، ولكن الذي حدث أنه بسبب جهل مضاد في الجهة الأخرى تسلط على الآثار في مكة والمدينة مغالين يريدون أن يزيلوا كل الآثار لو استطاعوا إزالتها بل بلغ الجهل والتعصب منهم أن أرادوا هدم حجرات الرسول صلى الله عليه وسلم التي التف حولها مسجده صلى الله عليه وسلم بحجة أنه لا يجوز بناء المساجد على القبور وأن هذا بدعة ، وما علم هؤلاء الجهلة أن المسجد لم يبن على القبر ولم يكن القبر داخل المسجد بل التف المسجد حول القبر لضرورات التوسعة كما وضح ذلك أهل العلم .
وقد تسلل إلى صفوف هؤلاء الجهلة المتعصبين وأصحاب النفوذ الحاقدين على آثار المدينة بعض النفعيين الباحثين عن المكاسب المالية وكانت بعض هذه الآثار في مناطق ممتازة والأراض التي تقع عليها يمكن أن تكون فنادق أو معارض تجارية مربحة فكان من مصلحة هؤلاء النفخ في نار الحارقين للآثار ليتمكنوا من الاستيلاء على الأراض وإقامة مشاريعهم النفعية وعلى سبيل المثال مسجد ثنية الوداع في أول طريق سلطانة تمت إزالته لأنه كان يقف في واجهة عمارة ضخمة لوزير الأوقاف في حينها وبعد إزالته أصبحت عمارة الوزير لها واجهة مباشرة على الشارع وارتفعت مكانتها وأسعارها ولتذهب الآثار إلى الجحيم ؟؟
كما أن المدينة القديمة أزيلت بكاملها ولم يبق منها شيء ألبتة وهذا من أقبح الأفعال التي ارتكبت في حق الآثار التي كان يمكن أن تعامل بأفضل من ذلك .
وأغلب هؤلاء الجهلة المتعصبين من خارج المدينة ممن نزح إليها من القبائل التي حول المدينة أو من مناطق أخرى غير الحجاز وليس لهم أي ارتباط بالمدينة ( بل يشعر المرء أن بعضهم له حقد خاص وقلب أسود على المدينة وأهلها وآثارها ) والعجب منهم أنه يجعلون حجتهم الأساسية أن بعض المسلمين الجهلة يتخذون هذه الآثار وسيلة للشرك لذلك لابد من إزالة الآثار حماية للعقيدة ( كلمة حق أريد بها باطل ) .
إن بعض المسلمين يمارس أفعالا شركية حول الكعبة وحول مسجد رسول الله صلى الله عليه فلماذا لانهدم الكعبة ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حماية للعقيدة .
إن هؤلاء الجهلة لن يقلعوا عن جهلهم إلا بتعليمهم وتثقيفهم وإرشادهم أما هدم الآثار فهو جناية كبيرة يتحمل أوزارها في الدنيا والآخرة من أمر بها وأعانهم عليها صغيرا كان أو كبيرا وسيحاكم هؤلاء يوما ما على جرائمهم بحق الآثار عند من لاتخفى عليه خافية .
وفي الوقت الذي يزعم فيه هؤلاء أنهم حريصون على حماية العقيدة فيهدمون آثار مكة والمدينة نجدهم يصمون أبصارهم وأسماعهم عن الجهود الكبيرة والأموال الضخمة التي تنفق على الآثار غير الاسلامية في باقي مناطق المملكة حيث يجري بناء قرى تاريخية بأكملها تحكي التاريخ القريب لبعض المدن والقبائل والشخصيات ولا يجد فيها هؤلاء الجهلة ذريعة شرك أو تقديس في غير محلها أما آثار مكة والمدينة فيجب أن تزال ؟؟
وحاول المخلصون من أهل المدينة المنورة والشرفاء أن يقفوا في وجه هذه الحملة الحاقدة وقد أفلحوا في بعض الجوانب ولكن الكيد والمكرالأسود أكبر منهم ، وسيسجل التاريخ اسم كل من شارك في هذه الجريمة مهما صغر أو كبر مركزه أو مكانته وستلعنهم الأجيال بعد ذلك وتكون سبة في تاريخهم بالاضافة إلى ما ينتظرهم في يوم لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
وقد ذهبت بنفسي إلى جبل أحد وصعدت إلى الغار الذي التجأ له الرسول صلى الله عليه وسلم يوم غزوة أحد فوجدته مليئا بروث الأغنام حيث جعله الساكنون قرب جبل أحد حظيرة وزريبة لأغنامهم ، والعجب أن البلدية تمنع تربية المواشي في الأحياء السكنية وتقوم بمصادرتها ومعاقبة أصحابها ولكنها لا تحرك ساكنا أمام هذه الجرائم التاريخية .
ولازالت فصول هذه المأساة تتوالى وتتكرر ويستخدم فيها نفوذ الشخصيات الدينية لتمريرها بالقوة فكم من مواضع ثابتة صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أهملت أو أزيلت ظلما وعدوانا ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية