مذكرات مسلم الجزء الثالث ( المواهب الأدبية )
الحلقة الثالثة : المواهب الأدبية
رزقني الله عزوجل منذ صغري بميول أدبية فكنت أحفظ القصائد الأدبية المقررة في المنهج الابتدائي بسرعة كما أنني كنت جيدا في الاملاء والخط والتعبير وأذكر أنني كنت أشارك مع فريق صفي لأتولى إجابة أسئلة الاملاء والتعبير ، كما أنني كنت أحب القراءة ومما شجعني على ذلك القصص المصورة مثل سوبرمان والوطواط وميكي والمغامرون الخمسة والشياطين ال13 وقمة الهرم بالنسبة لي مجلات تان تان الشهيرة و أذكر أنني كنت أتردد على مكتبة ضياء وأنا في تلك السن أترقب بلهفة وصول العدد الجديد من القصص أو المجلات التي أتابعها
وأذكر أنه في تلك الأيام انتشرت عادة ( تبادل القصص ) حيث أقوم بإعطاء مالدي من قصص قرأتها إلى صديق لي ليعطيني بدوره قصصا لم أقرأها وبعد الفراغ من قراءتها أعيدها له وأسترد قصصي ثم أبحث عن آخر وهكذا ، ومبعث تلك العادة كان الفقر بالدرجة الأولى فلم يكن من المتيسر لكل أحد شراء مايشاء من القصص كما أن الأعداد التي تأتي في المكتبات محدودة وتوجد رغبة لدى الجميع للثقافة والاطلاع ومتعة القراءة الشيقة في تلك القصص
وأذكر أن ما أجلبه من قصص يتوالي على قراءته جميع إخواني من بنين وبنات الأكبر مني والأصغر وكانوا قرابة الثمانية وكم نشأت معارك وخصومات بسبب حجز الدور في القراءة أو التلكؤ في القراءة بينما من عليه الدور لأخذ القصص يقبع بجانب من يقرأ بل ربما ضايقه ليعجل بالقراءة وينتهي .
كما كانت تنشأ خصومات عندما تتمزق بعض الصفحات خاصة إذا كانت معارة على نظام التبادل فيحتج صاحبها عند استعادتها على التمزيق الذي أصابها وربما أدى ذلك إلى القطيعة بين الإثنين بسبب ماحدث أو يقوم بتعويض ثمنها في حالة الفقد والضياع أو بما يرضي صاحبها وربما لجأ البعض إلى محاولة الغش والسرقة فيأخذ مجموعة وعند إعادتها ينقص واحدة وعند سؤاله يزعم أنه لم يأخذ غير هذا ....وهكذا قصص وخصومات عجيبة مبعثها حب الجميع للقراءة والاطلاع .
وقد كانت تلك القصص المصورة مبعث شوق بالغ فهي تقريبا التسلية الوحيدة المكتوبة الموجودة في متناول اليد ولم يوجد وسائل منافسة لها حتى الجرائد لم يكن لها ذلك الانتشار الكبير في ذلك الوقت .
وظل حب القراءة والاطلاع ملازما لي حتى يومي هذا وقد قرأت شيئا كثيرا لا يعلمه إلا الله في كل ماهو مكتوب
والعجيب أنني بقدر ما كنت بارعا في التعبير الكتابي فإن التعبير الشفوي يأتي في مرتبة أقل بل وتخونني العبارات في مواقف متعددة فأجد نفسي عاجزا عن التعبير بلساني ثم أصبح التعبير بالكتابة عندي متنفسا أفرغ فيه طاقاتي ومشاعري وآلامي وآمالي وأذكر أنني بدأت في تدوين مايشبه الذكريات والخواطر في أواخر المرحلة المتوسطة وبداية المرحلة الثانوية ثم أخذت المسألة منحى أكبر فالتزمت كتابة المذكرات بشكل يومي تقريبا منذ ذلك الحين وحتى يومي هذا فأصبح لدي مجموعة من الدفاتر سجلت فيها ذكريات أكثر من ثلاثين عاما من سنوات عمري منذ المرحلة الثانوية وحتى يومي هذا وأنا على مشارف الخمسين من عمري .
وكانت كتابة المذكرات تتطور وتنضج تبعا للتطور والنضوج الفكري الذي كنت أمر به فعندما أعود الآن إلى ماكتبته أناملي قبل ثلاثين عاما أرى فرقا هائلا في المستوى وكيف كنت أسجل في تلك الفترات بعض الأمور السخيفة المضحكة ؟ ولكنها كانت العالم الذي أعيشه ولا أكاد أشعر بغيره ثم كيف تطورت الأمور والأحداث والخبرات فأصبحت أسجل مايستحق التسجيل ولله الحمد والفضل والمنة .
وقد كان لهذه المذكرات فائدة عظيمة إذ كانت بمثابة السجل الفعلي لتاريخ حياتي فأرجع إليها بين آونة وأخرى وأرى أين كنت وأين أصبحت ؟ وماهي مشاعري وأحاسيسي في مراحل ومواقف مختلفة من تاريخ حياتي ؟ وأحيانا أتذكر أحداثا وأمورا قد نسيتها تماما ولولا رجوعي لدفاتري القديمة ومطالعتها لما تذكرتها ، كما أنني كنت أجد صدق توقعاتي أو عكسها في بعض الأمور والأحداث التي كنت أسجل توقعاتي بشأنها ، ومن الفوائد أيضا ضبط التاريخ فقد مرت علي أحداث لم أعد أعلم في أي عام من أعوام عمري أو في أي مرحلة منه قد حدثت فأعود للمذكرات لأجد ضبط التاريخ وضبط الترتيب تبعا لذلك .
وأعظم فائدة جنيتها من تلك المذكرات أنني كنت أرى فيها سجل مكتوبا لرحمة الله عزوجل بي وفضله وكرمه ونعمه التي لاتعد ولا تحصى التي غمرني بها فضلا منه وكرما لا أستحقها بسبب، وأسأل الله أن يرزقني شكرها .
كما أنني أنصح العقلاء من المسلمين أن يصنعوا مثلي ويدونوا مذكراتهم بشكل دوري وسيعودون من ذلك بفائدة عظيمة على مر الأيام بإذن الله المولى الكريم .نهاية الجزء الثالث
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية