الخميس، 15 ديسمبر 2011

مذكرات مسلم ( الجزء الثاني ) ثم اهتديت بهداية الله

 الجزء الثاني : ثم اهتديت بهداية الله
إن أولى ما أبدأ به أن أذكر نعمة الله علي في أن هداني إليه  بعد أن  عشت شرودا عن الله عزوجل حتى نهاية المرحلة الثانوية تقريبا وكانت أشد فترات هذا الشرود في المرحلة الثانوية وكانت بداياته في المرحلة المتوسطة  وقد كدت أن أنجرف إلى موبقات وكبائر ولكن الله سلم وحفظني منها بعد أن كنت مندفعا بظلمي وجهلي إليها إندفاعا .
وأذكر أن بداية تغير المسار هو رسوبي في الصف الثالث الثانوي  وإعادتي للسنة فوجدت نفسي لأول مرة في حياتي وسط أناس لا أعرفهم حيث كنت الوحيد فيهم الذي يعيد السنة وذهب كل رفاقي إلى الجامعة  وتأقلمت بعد فترة مع الدفعة الجديدة ولكن الأثر في نفسي كان قويا وبدأت أصحو وأفيق من سكر الضلال والشرود عن الله عزوجل 
وأذكر أنني بدأت في الاقلاع عن المعاصي شيئا فشيئا وبدأت أحاول الالتزام بالصلاة وكنت مفرطا فيها تفريطا شديدا مع أن والدي رحمة الله عليه كان شديدا علينا في مسألة الصلاة ويأمرنا بها بشدة ويحرص ماوسعته الحيلة أن نصلي ولكنني كنت بظلمي وجهلي أتهرب من ذلك .
وبدأت أخطو في طريق الهداية أولى الخطوات ونفسي تنازعني للعودة وكنت مثل السنبلة التي تتقاذفها الريح  ولكن رحمة الله واسعة فثبتُ بتثبيتِ الله لي  ولا حول ولا قوة إلا بالله 
وفي نهاية تلك السنة كان العام الدراسي ينتهي قبل رمضان بأيام قلائل  وتعلن نتائج الشهادة الثانوية قبل دخول رمضان  وكنت شبه مهيأ لتحول كبير في حياتي وأترقب أن يعلن اسمي من الناجحين  ودخل شهر رمضان يوم الخميس ويوم الجمعة صدرت الصحف وفيها اسمي ضمن الناجحين وسطرت في مذكراتي ذلك اليوم أن يوم الجمعة 2/9/1401هـ أسعد يوم في حياتي لأنه وافق دخول شهر رمضان ونبأ نجاحي وكنت متخوفا من الرسوب فأكرمني الله عزوجل بالنجاح  فكانت فرحتي عارمة
ومع دخول شهر رمضان شهر الانتصارات في الاسلام والذي تصفد فيه مردة الشياطين أذن الله لكوامن الخير في نفسي أن تظهر وأن تشرق شمس الهداية بقوة ويزول ليل الضلال
 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين مردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت ابواب الجنة فلم يغلق منها باب ومناد ينادي : يا باغي الخير أقبل وياباغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة )
  فعزمت على فراق أبدي مع الشرود عن الله  وبدأت بعمود الاسلام الصلاة فقررت التمسك والالتزام بها ومنذ ذلك اليوم لم أترك صلاتي أبدا وحافظت عليها حتى كتابتي لهذه الأسطر وأسأل الله أن يختم لي بخير .
وكنت أتأمل مسيرة حياتي فكنت أرى عظيم فضل الله علي ورحمته الواسعة التي شملتني فانشلتني من الضلال وكنت أرى مصداق قوله عزوجل  {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} فهم يكونون في ظلمات والله يخرجهم منها الواحدة تلو الأخرى وهكذا  ......أسأل الله أن يتم علي نعمته وفضله إنه واسع عليم
وقد واجهت بعد سنوات بعد أن ترسخت قدمي في طريق الهداية مشكلة مع قضاء  الصلوات التي تركتها لسنوات ولم أعرف لها عددا لكثرتها  وهالني الأمر وأصبح كابوسا ثقيلا على كاهلي وأرقني أيما أرق  خاصة وأنا أجهل تفاصيل هذا العبء الثقيل  وأطلعت على أقوال العلماء  في هذا الباب  والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم وبعد بحث واطلاع انشرح صدري وارتاح قلبي لقول من قال أنه لايلزمه القضاء بعد التوبة وتابعت مشوار الهداية مرتاح النفس بإذن الله تعالى .
وحاول الشيطان أن يعيدني إلى طريق الشرود والضلال مرة بعد أخرى ولكن رحمة الله عزوجل ثبتتني على الطريق فلم انتكس مع أن بعض المغريات كانت تلوح لي ، وبعض الماضي السيء  كان يلاحقني ويعذبني ولكن حب الله في قلبي كان أقوى من كل شيء  فأفرغ الرحمن علي صبراً  فصبرت وظلت البوصلة في اتجاه الإيمان بالله ورسوله رغم الخدوش والانتكاسات والعقبات والمغريات حتى بلغ الكتاب أجله فانقضت إلى غير رجعة بإذن الله تعالى وبقيت حلاوة الإيمان في القلب بمحض فضل الله ورحمته لا بسبب مني ولا حولٍ ولا قوة .
وهاهنا نصيحة أقدمها لكل من عاش مثل ظروفي : إنك إذا سلكت سبيل الله عزوجل فإن الشيطان سيحاول بكل الوسائل أن يصدك عن سبيل الله  ويأتيك غالبا من المعاصي والشهوات التي كنت واقعا فيها فالذي يحدث للغالب من المهتدين أنه بعد فترة من الالتزام قد تطول وقد تقصر يصيبه نوع من الفتور  - وهذا من طبائع النفس البشرية مهما علا شأنها – فتهتاج نفسه لممارسة المعاصي التي كان يمارسها  فيمنعه إيمانه  ويحدث بينه وبين ظروفه المحيطة به ما يشبه المعركة حيث تحاول الظروف والشيطان من ورائها أن تعود به إلى سبيل الغواية ويمنعه إيمانه من ذلك  ولكن نظرا لحداثة عهده بالهداية فإنه في الغالب سيعود إلى المعاصي التي ألفها بشكل أو بآخر قليلا أو كثيرا  مثل التدخين ( أو غيره من المعاصي ) فقد يمتنع عنه لسنوات أو أقل ثم في لحظة ضعف شديد يدخن سيجارة ثم يقلع لسنوات أو أقل ثم يعود وهكذا إما  بشكل قليل أو كبير وهاهنا يتصيد الشيطان الكثيرين فيعيدهم لطريق الغواية مرة أخرى  والحل الأمثل والذي جربته وجربه الكثيرون غيري وينصح به العلماء والمشايخ  أن لاتترك باب الله عزوجل مهما أذنبت ومهما وقعت وارتكست وانتكست ، وقل يارب لن أترك طريقك مهما وقعتُ وزلت قدمي ، يارب ضعفت نفسي وأقحمني ظلمني وجهلي في المعاصي ولكن لن أترك الوقوف على بابك وسأظل أطلب منك العفو والصفح والغفران .
ويشهد لهذا المعنى حديث صحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ « أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِى أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَىْ رَبِّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ »
يظن البعض أنه إذا ارتكب بعض المعاصي قليلا منها أو كثير  أن ذلك نهاية الأمر وأنه عاد إلى طريق الضلال وذلك ليس صحيحا  ويشهد له قصة ذلك الصحابي الذي كان مولعا بشرب الخمر ولم يزل يؤتى به للرسول صلى الله عليه وسلم المرة بعد المرة والرسول صلى الله عليه وسلم يقيم عليه الحد ثم يتركه وهكذا  ، حتى قال أحد الصحابة : لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به ، فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأخبره أنه يحب الله ورسوله  وهذا  هوحال التائبين الصادقين  يحبون الله ورسوله ولكن نفوسهم تضعف فيقعون في الذنوب والخطايا ولكن حب الله ورسوله في قلوبهم يجعلهم لا يتركون الانطراح أمام باب الله عزوجل يطلبون منه العفو والصفح والغفران

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ جَلَدَهُ فِى الشَّرَابِ فَأُتِىَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ تَلْعَنْهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ».

وأعلم أن الله عزوجل يسلط على عباده التائبين مثل هذه البلايا ليمتحن قلوبهم للتقوى ويرى صدقهم في التوجه إليه والوقوف على بابه وإصرارهم على ذلك مهما أثخنتهم جراح الذنوب والمعاصي  حتى إذا بلغ الكتاب أجله  صرف الله عن الصادقين ذلك البلاء مثلما صرف عن يوسف كيد النساء فلم يعدن يتعرضن له بالغواية والإغراء
ومما يسترعي الانتباه أن هذا الوضع الذي أحكيه لكم كان يحدث في المدينة المنورة  في مأرز الإيمان  حيث المفترض أن يخفت صوت الشيطان ويعلو صوت الإيمان ولكن للأسف مجتمع المدينة المنورة يشهد في عمومه شرودا عن منهج الله الحقيقي في الحياة  ولازال كذلك حتى كتابة هذه السطور بل ربما زاد شرودا  في بعض الجوانب  ولعل ما تقرؤنه في الحلقات القادمة  يوضح لكم المراد أكثر فأكثر .
والخير موجود في مجتمع المدينة المنورة ومظاهر الخير موجودة ولكن أعمال الإيمان في أساسها تقوم على أعمال القلب  وتكملها الأعمال الظاهرة  أما إن وجدت الأعمال الظاهرة  وغاب عمل القلب  فلن تجدي مظاهر الخير شيئا مهما بلغت .
ولست أزعم أنني اطلعت على أعمال قلوب العباد فذلك لله وحده ، ولكن هناك دلائل واشارات تظهر على العمل تدل على مقصود صاحبه والعلم عند الله تعالى .

نهاية الجزء الثاني

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية