الخميس، 20 سبتمبر 2012

 إيذاء الجيران في المدينة المنورة
                                               منقول
ورد الأمر في الاسلام بالاحسان إلى الجار وفي الحديث الصحيح المشهور الذي يعرفه الجميع ( مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) وقال : " من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر فليحسن إلى جاره) ، خرَّجه مسلم  ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إيذاء الجار  فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ قاَلَ ." لا يَدْخلُ الجًنَّةَ مَنْ لا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ " وفى الحديث الاخر : (والله لا يؤمن - ثلاثأَ - من لا يأمن جاره بوائقه)  أى : من لا يؤمن شره ولا مضرته ، ومن كان بهذه الصفة من سوء الاعتقاد للمؤمن ، فكيف بالجار وتربصه به الدوائر وتسبيبه له المضار ، فهو من العاصين المتوعدين بدخول النار.
فمعاملة الجار مقياس حقيقي ودقيق للايمان  ولو تأملنا هذا المقياس في مجتمع المدينة المنورة لو جدنا انتهاكات خطيرة له تعكس خواء الإيمان الحقيقي ، لأننا نجد شريحة ليست بالقليلة ممن يأتون هذه الكبيرة يذهبون للصلاة في المساجد ولا يبالون بأذية جيرانهم في ذهابهم أو إيابهم بل إن بعضهم يتربص بجيرانه لإيذائهم أثناء ذهابهم للمسجد أو عودتهم  أو ينرك أبناءه يفعلون ذلك  إلى غير من ألوان الإيذاء بالغيبة والنميمة  والنيل من الإعراض  وإلقاء الأوساخ أمام بيوتهم  أو مضايقتهم بإيقاف سيارته أمام أبوابهم  أو برفع الصوت أو بإطلاق منبه السيارة وقت الراحة ...وألوان أخرى من الإيذاء والضرر  يعجز المرء عن حصرها وجمعها وكل ذلك للأسف في المدينة المنورة التي من المفترض أن يتحلى أهلها وساكنوها بآداب الاسلام
 وقد يزعم البعض بأن هذه مبالغة  وأنا أقول أتمنى أن يكون ذلك مبالغة ولكن أخرج إلى الواقع واسأل الناس  بانصاف وتأكد جيدا مما يقولون  وستعلم الحقيقة عندئذ ؟
ويتحمل الآباء والمربون والعلماء وأولو الأمر  وزر هذا الاجرام في حقوق الجار  لتهاونهم في تبيان الأمر للناس وحملهم عليه وتحذيرهم منه
ومن العجيب أن البعض يصبح كالمنافقين في حقوق الجار بمعنى أنه إذا تعرض لإيذاء أخذ يلعلع ويطالب بحق الجار ، أما إن كان هو الذي يؤذي الجيران أو أبناؤه فإنه يفلسف الموضوع ويتنصل منه  وربما كذب ، فقد شاع  قول ( عيالنا متربين ) عند من شكى إليه الجيران من أذية أبنائه وهو يعلم أنهم  يؤذون جيرانهم .
إن إيذاء الجيران  في عنوانه الأكبر يندرج تحت التكذيب بآيات الله ورسوله  والصد عن سبيل الله ، فعندما يأمر الله ورسوله بأمر ولا ينفذ حتى ولو كان صاحبه مؤمن به بالقول فهذا تكذيب عملي  بأمر الله ورسوله  وصد عن سبيل الله لأن الناس عندما يرون أهل المدينة يؤذون جيرانهم فذلك مما يجعلهم ينفرون من الاسلام أو يأخذون نظرة سلبية عنه  وأختم بقوله صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره )

 تأملات في الأيام الأخيرة لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه
                                         ( منقول )
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا ونبينا محمد وعلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعلى كافة الصحابة والقرابة والتابعين بإحسان إلى يوم الدين
تمر بي في الحياة ابتلاءات ومحن ومصاعب تجعل القلب والنفس والبدن في تقلب متسارع ومتواصل من مشاعر شتى مؤلمة ومحزنة وعاصفة ومزلزلة ، وأعلم أن كل ذلك بلاء من الله سبحانه وتعالى ، ولكن كما قالوا ليس الخبر كالمعاينة وليس من رأى كمن سمع  وليس من يعلم عن الابتلاء كمن يعيش البلاء واقعا .
وأحمد الله أنه لم يبتليني بشيء شديد  وإنما على قدر ضعفي ، وصرت أتأمل في أحوال المبتلين حاليا وسابقا فأجد نوعا من السلوى والتأسي ، وأقول قد مر هؤلاء بمثل حالي وعانوا من الشدائد والزلازل مثلي فأجد نوعا من الراحة والدافع نحو الصبر والتصبر  وأتأمل قول الله عزوجل {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}
فأقول هذا بلاغ من الله بأن البلاء بالبأساء والضراء والزلزلة واقع لا محالة  فيا نفس اصبري واحتسبي .
ويبلغ بي الألم في ساعات الضعف فأعيش حالا  أفكر فيه بتمني الموت فلم يعد لي في الحياة إلا المرارات أتجرعها ، ومع تقدم السن يصبح وقع شدائد الحياة وقساوتها على النفس شديدا قويا مزلزلا ، وأخذت أقرأ وأبحث عن تمني الموت وحكمه فوجدت كلاما طيبا وأمثلة على أناس صالحين تمنوا الموت ودعوا به فاستجاب الله دعاءهم وقبضهم إليهم .
وكان من هؤلاء سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه  وأحببت أن استعرض هذه السطور عن الأيام الأخيرة له  لأنني أشعر أنني أمر بشيء بسيط ( لايقارن ) مما مر به رضي الله عنه  فرضي الله عنك يا أبا الحسن وأعلى في الجنة منزلتك وجمعنا بك في دار كرامته ومستقر رحمته .
يقول الدكتور علي الصلابي في كتابه سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (لم يستسلم أمير المؤمنين على -رضي الله عنه- لهذه المصائب، وهذا التقاعس والتخاذل، فقد بذل جهده في انتهاض همة جيشه بكل ما أوتي من علم وحجة وفصاحة وبيان، فخطبه الحماسية المشهورة -التي اشتهرت عنه، تعتبر من عيون التراث- لم يقلها من فراغ أو خيال، بل من مرٍ تجرعه وواقعٍ أليم عاصره، فمن خطبه التي قالها لما أغير على أطرافه قال(((: أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجُنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء، وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالأسداد ، وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النَّصف. ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسرا وإعلانا, وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم، حتى شنت عليك الغارات، وملكت عليكم الأوطان، ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة  فينتزع حجْلها وقُلبها وقلائدها ورغاثها ، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع ، والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين ، ما نال رجل منهم كلم ولا أريق له دم، فلو أن امرأً مسلمًا مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان عندي جديرا، فيا عجبا والله يميت القلب ويجلب الهم ، من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، فقبحا لكم وترحا ، حيث صرتم غرضا يرمى، يغار عليكم ولا تغيرون، وتُغزون ولا تَغزون, ويعصى الله وترضون فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا يسبخ عنا البرد، كل هذا فرارا من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فإذا أنتم والله من السيف أفر يا أشباه الرجال ولا رجال ، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، معرفة والله جرت ندما، وأعقبت سدما، قاتلكم الله، لقد ملأتم قلبي قيحا، وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهام أنفاسا ، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب.. لله أبوهم، وهل أحد منهم أشد لها مراسا مني، وأقدم فيها مقاما؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنذا قد ذرفت على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع.)))
إن هذه الخطبة كتلة نارية يصبها أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- قذائف ساخنة فوق رءوس أولئك القوم، الذين حرموه من قطف ثمار جهاده، وتحقيق النصر الذي كان يسعى له، وقد صاغها بأسلوب أدبي رائع، يهز بعباراتها المشاعر، ويحرك بألفاظها مكامن النفوس، بعيدا عن الغموض والإبهام، كما أنها خالية من السجع والصناعة اللفظية
ولما لم يتمكن علي -رضي الله عنه- من تجهيز الجيش بما يصبوا ويريد، ورأى خذلانهم كره الحياة وتمنى الموت، وكان يتوجه إلى الله بالدعاء ويطلب منه عز وجل أن يعجل منيته، فمما روى عنه أنه خطب يوما فقال: اللهم إني قد سئمتهم وسئموني، ومللتهم وملوني، فأرحني منهم وأرحهم مني، فما يمنع أشقاكم أن يخضبها بدم، ووضع يده على لحيته، وقد ألح علي -رضي الله عنه- في الدعاء في أيامه الأخيرة

 فعن جندب قال: ازدحموا على علي -رضي الله عنه- حتى وطئوا على رجله فقال: إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، فأرحني منهم وأرحهم مني ، وفي رواية أخرى عن أبي صالح قال: شهدت عليا وضع المصحف على رأسه حتى تقعقع الورق فقال: اللهم إني سألتهم ما فيه فمنعوني، اللهم إني قد مللتهم وملوني،وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير أخلاقي، فأبدلهم بي شرا مني، وأبدلني بهم خيرا منهم، ومث قلوبهم ميثة الملح في الماء ، وفي رواية فلم يلبث إلا ثلاثا أو نحو ذلك، حتى قتل رحمه الله.) انتهى
ولما قرأت هذه القصة والأحداث للأيام الأخيرة لأبي الحسن رضي الله عنه قلت في نفسي  إن أحداث الحياة قد تصل بالمؤمن إلى تمني الموت  فيانفس هذا صحابي جليل من العشرة المبشرين بالجنة وله سابقة ومنزلة عظيمة في الاسلام  ومع ذلك بلغ به الحال أن كره حياته وسأل الله أن يعجل منيته  ، فاصبري يانفس واقتدي فلست وحدك التي تمرين بالشدائد فهؤلاء عظماء الاسلام  قد مروا بها  وما تعانينه شيء هين بما لاقوه رضي الله عنهم .
يانفس ليس لك عمل صالح قدمتيه فتتمني الموت لتلاقيه  يانفس ليس لي إلا حسن ظني بالله وعظيم رجائي في رحمته إن لاقيته  فصبرا جميلا وانتظري حتى يحكم الله بنهاية الأجل في الوقت الذي اختاره سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين .
وهأنذا أختار الصبر لأمر الله ولحكم الله ( واتبع مايوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ) .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين