الجمعة، 30 أغسطس 2024

مقالات من 2012 م أداء الموظف السعودي مأساة - مقال جديد لـ: د. جاسر عبدالله الحربش

 

أداء الموظف السعودي مأساة - مقال جديد لـ: د. جاسر عبدالله الحربش
------------------
عندما تكون الخطوات الاجرائيه مختصره والتعليمات شفافه وواضحه والرقابه نزيهه وفعّاله، تسير عجله التنميه لصالح المواطن والدوله، وتنتفي الحاجه الي الرشوه والوساطه وينتهي تبديد الوقت والثروه. لكن هذه المواصفات الجيده غير متوفره في جهازنا الاداري والوظيفي، والموضوع يحتاج الي امثله.
 
من الممكن ان ينتظر المسافر عبر المنافذ البريه (منفذ البطحاء نموذجاً) اربع عشرة ساعة للعبور الي دولة الامارات، وعندهم هناك يعبر خلال ثلاثين دقيقه. فرق الانتظار تضخم عندنا الي ثمانيه وعشرين ضعفاً. 
 
اذا اضفنا الفوضي الشامله وتجهُّم موظف الحدود ودرجات الحرارة القاتله والمتاجره بعطش وجوع المسنين والاطفال يتحوّل الموضوع الي جحيم. السبب يكمن في تدني الكفاءه علي مستوي التنظيم والتجهيزات ونوعيه الموظفين. 
 
بمجرّد الوصول الي منفذ الدوله المجاوره ينتهي الجحيم ويحل محله الشعور بالغبن الوطني والحنق علي الاداء السعودي.
 
في المطارات السعوديه ينقبض قلب المسافر كل مره يمسك فيها الطابور للحصول علي بطاقه المغادره.
 
من خلال المعاناه الطويله تجمّعت لدي المسافر عبر مطاراتنا عدّه اسباب لانقباض القلب. 
 
هناك يبدا البحث عن الطابور الصحيح بتكرار السؤال لاحتمال الضياع بين الطوابير المتداخله. وهناك يدب الخوف من مزاجيه موظف الكاونتر الذي لا يتحمّل المجادله ويستطيع الغاء الحجز او تعطيله وتفويت الرحله، وهناك القلق من فقدان العفش وتشتُّته بين مطارات العالم.
 
 اخيراً هناك الخوف الاكبر من الغاء او تاجيل الرحلة في اللحظه الاخيرة بدون الحاجه الي ذكر الاسباب. 
 
كل هذه المخاوف تتبدّد بمجرّد الوصول الي مطارات العالم الخارجي، وتحل محلها مراره المقارنه بسهوله ومرونه الاجراءات في مطارات العالم الاخري.
 
في الدوائر الحكوميه السعوديه بما يشبه الاجماع لا يتوقع المراجع ترحيباً ولا بشاشه استقبال، ولذلك يتقدم نحو الموظف متمتماً بالقول الماثور: اللهم اني لا اسالك ردّ القضاء ولكن اسالك اللطف فيه. 
 
الموظف السعودي يريد ان يشعر المراجع بانه مشغول جداً، وانّ المراجع وصل في الوقت الخطا وعليه ان ينتظر طويلاً او يعود في يوم آخر
 
 او انّ المعامله ليست من اختصاصه وعليه ان يبحث عن الموظف فلان في اخر السيب
 
 او انّ عليه ان يستمع ولا يجادل لكي لا يجازف بفقدان معاملته وتجديد كامل الاوراق مره ثانيه. 
 
في الحالات الاستثنائيه التي يتكرم فيها الموظف باستقبال الاوراق يصبح من المتوقع جداً ان يلقي نظره عجلي ثم يرمي الملف نحو صاحبه لانّ الاوراق غير مكتملة او تنقصها بعض التواقيع.
 
موظف الاستقبال والتسجيل في المستشفيات والمرافق الصحيه السعوديه، لا يتعامل مع الناس علي انهم مرضي يحتاجون الي اللمسه الانسانيه وتخفيف معاناه الانتظار الطويل للوصول الي الطبيب. 
 
حينما يري المريض ومرافقوه تصرُّف موظف الاستقبال والتسجيل في التقديم والتاخير والاستغراق في المكالمات التلفونيه الخاصه والانتقال من الضحكات والابتسامات هنا الي العبوس والاستهزاء هناك، عندئذ تتحوّل توقُّعات الاستشفاء وتخفيف الالام الي مضاعفات اضافيه، قد تكون اشد وطأة علي صحة المراجع من معاناته الاصليه.
 
اختصاراً للكلام، نقِّل فؤادك حيث شئت من الدوائر والمؤسسات الحكومية، ولن تجد الاّ فيما ندر سوي نفس العينات من الاداء الوظيفي الفوضوي.
 
لكن ويا سبحان الله، هذا الوجه المحبط المسوف للموظف الحكومي، يتحوّل الي ترحيب وبشاشه وفنجان شاي وخدمه سريعه في القطاع الخاص. 
 
في البنوك والمستشفيات الخاصه والشركات المساهمة ومراكز التسوُّق الكبري ووكالات السيارات.. 
 
هناك يخدم الزبائن احياناً موظفون سعوديون، لكن بمواصفات نوعيه تختلف عن زملائهم في القطاع الحكومي.

التدين الشكلي.

 

التدين الشكلي. 
 
جمعني وإياه لقاء وهو الخبير في القضايا والمحاكم وأحوال الناس وإصلاح ذات البين وطاف بي في رحلة عامرة كاملة الدسم عبر عدد من الأحداث والمسائل والقصص وكان يتسأل ويتعجب ويقول
فلان ملتزم ولكنه يضرب زوجته بلا رحمه وقضيتها لدينا بالمحكمة ثم عرج وقائل فلان المتدين يحرم أهل بيته من المصروف والنفقة وهم في حال لا يصدقه أحد وهم صابرون محتسبون لا يريدون أن يشكوه إلى بلاط القضاء !! 
ثم سلهم بعينه إلى السماء وقال لقد اتصلت بي مساء أمس امرأة مسنة تبكي وتشكي من عدم رؤيتها أحفادها من سنوات بسبب أن أمهم التي تدرس البنات الشريعة وأمور الدين وفضائل صلة الرحم قد منعتهم من ذلك !!
 
لم يتوقف هذا الحديث ذو الشجون على هذا العتبة بل كان حديثاً متصاعداً في ما يندى له الجبين من المظالم والمغارم و السلوكيات والتصرفات التي لا أشك أنه لا يقدم عليها من يعلم أنه سيقف أمام ملك الملوك ذات يوم حيث كل نفس بما كسبت رهينة.
 
هذا الرصد الطويل للمسلكيات التي يقوم بها من يوصفون مجازاً بالمتدينين يحتاج إلى أفق أوسع للنظر وإعطاء الأحكام وتفسير السلوك وقراءة الحالات وتوصيف الممارسات .
 
أدركت في قرارة نفسي أن فكرة التدين مشوشة في أذهان العامة حيث يغلب عليها الحكم المظهري على الناس فقط وهو في تقديري حكم متعجل يحتاج إلى تفكر وتبصر .
 
وتعود الإشكالية في نظري للصورة الذهنية المفتقدة للدقة لوصف المتدين وصفاته حيث مازالت تسيطر على الناس فكرة التدين الشكلي وأنه هو المعيار الوحيد للحكم على الانسان بفضائل التدين وحمائد السلوك الراقي والرشيد للإنسان المسلم القريب من الله عز في علاه .
 
ظلت فكرة التدين الشكلي حاضرة في عقول الناس وهي معيار الحكم في العمل والتجارة والزواج والتقديم في الصلاة وربما قيادة الناس وتوجيههم في نوائب الحياة وعوارض الزمن و هذا طبيعي في مجتمعات إسلامية الهوية والمرجعية ولكن الذي لا أراه طبيعياً ان يكون الحكم متعجلاً على الآخرين بهذا الطريقة التي تتناقض مع الأناة المحمودة شرعاً .
 
وهذه الأحكام لها آثارها المستقبلية في تناقض الجوهر الداخلي مع السمت الخارجي وهنا يكون الانفصام واضح بين جوهر الشريعة ومقاصدها العظيمة وبين سلوك الإنسان الطبيعي الذي يجب أن تتطابق جوارحه مع ما يستقر في جنانه وروحه من قيم ومعتقدات وأفكار حاكمة .
 
وعليه فصورة التدين السامية تم اختراقها من خلال بعض ضعاف النفوس الذي لا يبحثون إلا عن الانتفاع أو القبول الاجتماعي أو تسير الاعمال أو مجارات السائد العام للمجتمع وعليه أصبح قناع التدين مشكلة كبرى يعاني منها المجتمع الذي عرف بأنه مجتمع يغلب عليه الطيبة والسماحة وحسن الظن وهي سمات ايجابية لو جمعت مع العمق في التفكير والحكمة في التحرير والتقرير .
 
ويبرز لنا في هذا السياق العام النص الشهير لحديث رسول صلى الله عليه وسلم " إن الله لا ينظر إلى صوركم و أموالكم ولكن ينظر قلوبكم وأعمالكم " رواه مسلم
 
وهذا طرح يجب أن يكون موجهاً للمسلمين ومرشد لهم في هذا الأمر الحساس والدقيق من حياتهم التي جاء الإسلام ليكون منهج حياة ونظام عمل وخارطة طريق وإطاراً عاماً لمعيشة البشر بتفاصيلها وكلياتها .
 
وهذا النص تحديداً يؤكد بما لا يدع مجال للشك أن الفكرة المركزية للتدين هي التدين العميق الراسخ في ضمائر الناس وعقولهم والملهم لسلوكياتهم وأفعالهم الحاكم لضمائرهم والمعزز لأعمالهم ومبادراتهم الايجابية والمجدية المرتقي بمعيشتهم المهذب لنزواتهم وأهوائهم والمصلح لأنفسهم .
 
تدين يرتقي بالإنسان ومن حوله، ويقربهم إلى الله زلفى وليست عباءة ترتدى متى شاء الإنسان وتخلع متى شاء بكل أسف حيث يتحول التدين الشكلي إلى عادة أكثر منها أيمان واقتناع واختيار .
 
وهذه هي الصورة الحقيقية التي يجب في نظري أن نرسمها للمتدين الحق فهو مظهر وجوهر قول وعمل ولا يتم الأول إلا ببقاء الثاني واستقراره ورسوخه في جنبات النفس ودهاليز الضمير .
 
وهنا يطرق المخيلة سؤال عابر للقارات وهو عن
أسباب انتشار التدين الشكلي على حساب التدين الجوهري ؟؟
 
 
فهل لأن الأول أسهل من الثاني وأهون على النفس أم لأن فكرة التدين الحقيقي لم تصل إلى عقول الناس وقلوبهم وضمائرهم بشكل صحيح ومناسب وملائم للنفس البشرية التي تحب التدرج في الصلاح والإصلاح؟؟؟؟؟
 
و هل نحن نخير في دين الله أم نجبر وهل هي ضريبة المجتمعات التقليدية أو أنه ضيق أفق الحرية الشخصية لعب دور في تنميط الناس وجعلهم نسخاً من بعضهم البعض رغم أن اختلاف التنوع يعد من ضرورات الحياة وفيه يكون التكامل البشري ؟؟؟.
 
وبعد أن نعود للشارع الاسلامي وماذا يريد من الإنسان فتقف أمامنا على سبيل المثال لا الحصر فكرة التقوى والتي وضعها الدين معياراً مهماً للصلاح والتدين وهي فكرة يخالط فيها الباطن الظاهر ولكن الثاني يغلب على الأول وهو أساس له ومنطلق لأعماله ومخرجاته .
 
وهنا أعتقد أن إصلاح المجتمعات وإطلاق فاعليتها وقدراتها يتطلب عملاً أعمق في حقل القناعات والمعتقدات أكثر من الوعظ فقط والذي له أثر كبير ولكنه قصير الأجل شأنه شأن أي خطاب عاطفي وهنا تبرز قيمة التوازن بين خطاب العقل والعاطفة في ميادين الدعوة إلى الله وهي التي ولا شك تصنع النموذج الإسلامي الحضاري للإنسان القوي في فكرة والمطمئن في روحه والمتصالح مع نفسه والمتسق مع حياته والمتعايش مع المتغيرات من حوله .
 
إن فكرة التدين فكرة عظيمة في المحتوى والمعاني ولكنها ظلمت عندما تعاطينا معها بسطحية وظلمت مرة أخرى عندما حُولت إلى أشكال وملابس وازياء مفرغة من أي مضمون سامي .
 
وهي لعمري أنها فكرة عظيمة ملهمة نستطيع من خلالها أن نبهر العالم بأخلاقنا ورقينا ونجاحنا في أعمالنا ومشاريع حياتنا وصدق جنانا وتطابق دواخلنا من ظاهرنا الذي هو عنواننا الذي يقرأه الناس من أول وهلة .
 
إن المشروع النهضوي والحضاري الإسلامي معلق بجيل يتعاطى مع الدين على أنه وقود الحياة ودستور للعمل ونظام بشري ملهم و حاكم أكثر من كونه طقوس يومية يتعامل البعض معها على أنها عبئ أكثر من كونها جرعات يومية لبناء الانسان المسلم النموذجي الذي اراده الله ونفخ فيه من روحه واعطاه فرصة العيش والحياة على هذا الكوكب .
 
هل نفكر قليلاً أن التدين الحقيقي يجعلنا أقل ظلماً وأكثر عدلاً أكثر سماحة وأقل غلاً , أكثر حباً وأقل حقداً , أكثر وسطية وأقل تشدداً أكثر إيماننا وأقل ارتباكا تدين يٌعمل العقل ويتأمل النص 
 
 تدين يوازن بين الروح والعقل والجسد , تدين يعمر الدنيا ويستثمر عيشها ويجعل من رحلة الحياة وقود الفوز لرحلة السرمد في الآخرة .
 
هل نجعل من التدين جوهره ومظهرة باعثاً للأمل فينا والتوازن والسعادة والتألق
 
هل نجعل من التدين الحقيقي باعثاً للصدق والجد والمثابرة والكفاح .
 
في أيامنا هذه بالذات نحن نحتاج إلى أن نفكر كثيراً في سؤال كبير علينا أن نسأله أنفسنا وهو
 
ما هو الإنسان الذي أراده الله أن يكون خليفته في الأرض وهل انت ذلك الإنسان الذي أراده الله ؟؟

الثلاثاء، 27 أغسطس 2024

لماذا تفشل مدارسنا في تعليم الأخلاق ؟! محمد بتاع البلادي

 

محمد بتاع البلادي
الثلاثاء 25/08/2015
لماذا تفشل مدارسنا في تعليم الأخلاق ؟!
 
•أحسنت وزارة التعليم صنعاً عندما تخلصت من مصطلح (التربية) المرادف (للتعليم) في اسمها ، فقد كان كابوساً وهمّاً ثقيلاً أرهقها حمله .. فالبرغم من أنها لم تكن المسئولة الوحيدة عن هذا الفشل ، إلا أنه كان الباب الذي تأتيها منه رياح النقد الاجتماعي اللاذع المغلف بمنطق : هذه تربيتكم .. وهذه بضاعتكم ونتاج أعمالكم !.
 
• لماذا يفشل تعليم الأخلاق في البلاد العربية ؟! ولماذا تتميز الشخصية العربية - حتى لا أقول المسلمة - بهذا الانفصام الكبير بين السلوكيات والعبادات ، رغم تلقيها لكمّ هائل من المواعظ والخطب والدروس في المدارس والمجالس والشوارع وحتى ملاعب الكرة ؟ ..
 لماذا لا يمارس العربي رُبع ما أُلقي في روعه من دروس وفضائل ، وعُشر ما ( يهايط ) به من مثاليات في تويتر؟!.
 
• أسئلة حتى وإن اختلفت في صياغتها واتجاهاتها إلا أنها تتفق بالتأكيد في الإجابة .. التنظير .. 
 
فكل ما نعلّمه لأبنائنا في المدارس والبيوت والمساجد لا يتجاوز مرحلة ( التنظير اللفظي الهش ) الذي يتلاشى مع أول اصطدام بواقعنا المتخم بالغش والكذب والزيف والنفاق ! .. 
 
كيف يمكن أن تترسخ القيم في أعماق طفل ينشأ وسط مجتمع لا يتعامل إلا بمبدأ (المغالبة) و ( إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب) ؟! وكيف يمكن له أن يُصدّق كلام (داعية) يدعوه للزهد والتواضع ثم يراه ( يتميلح ) في تويتر بـ (بنتلي) آخر موديل !! .. 
 
وكيف يمكن للمُثل العليا أن تصمد في نفسه وهو يسمع عن قصص ثراء ونجاحات الفاسدين ؟!.. أتفق مع من يقولون أن مناهجنا لا تحوي ما يدعو للتطرف أو للسرقة والرشوة والفساد ،لكن من يضمن لنا أن من يعلمهم ليس متطرفاً ولا فاسداً؟! 
 
• الناس لايتعلمون بآذانهم بل بعيونهم .. لهذا لا ينشأ الطلاب اليابانيون على صخب المواعظ الجرداء بل على القدوة الملتزمة ، فالتعاون والنظافة وروح القيادة جزء من الدروس اليومية التي تثبت في وجدان الأطفال من خلال تطبيق المعلمين والمجتمع بما فيهم الآباء في البيوت لها . 
 
يروي أحد الأصدقاء المبتعثين في إحدى الدول ( الكافرة ) أن معلمة ابنه (الكافرة أيضاً) طلبت منه الحضور للمدرسة لأنها لاحظت سلوكاً (أنانياً) لدى ابنه ، وعند حضوره طلبت منه صراحة أن يكون قدوة لابنه وأن يبحث في العائلة عمن يدفعه لهذا السلوك ثم اتفقت معه على شراء (هدايا) لمدة أسبوع على أن يقوم الطفل بتوزيعها على أصدقائه في الفصل .
 
 
• هل تذكرون النكتة القديمة التي تقول إن أحد الآباء وبعد أن ألقى على ابنه درساً مطولاً في أهمية الصدق وعدم الكذب فوجئ بأحدهم يطرق الباب فطلب من ابنه أن يقول للضيف أنه غير موجود ؟ 
 
..أعيدوا التفكير فيها فهي الإجابة الأصدق على السؤال عنوان المقال.

الأحد، 25 أغسطس 2024

من تجارب داعية محمد الغزالي_ _من معالم في كفاحنا الإسلامي _

 

من تجارب داعية
من عشر سنين أثبت هذه الكلمات ويبدو أنه لا يزال
فيها ما يغري بمطالعتها
1_ذكاء في الضلال وغباء في الهدى: أكره الرجل يكون قويا في عصيانه، فإذا اهتدى كان ضعيفا في تقواه. وأكره الرجل يفهم دقائق الأمور، ويحسن مواجهة الحقائق، ولا يستطيع أحد أن يضحك منه إبان انطلاقه مع شهواته، واسترساله في مطاوعة أهوائه.
فإذا تاب وأناب استغلق تفكيره واضطرب تصرفه. فلو كان تاجرا لم يحسن الربح فى تجارة الآخرة، كما كان يحسن فى تجارة الدنيا، ولو كان رئيسا لم يستطع ضبط شئونه، كما كان يديرها ـ من قبل بكل دقة. ومن المضحكات، أني أعرف رجلا كان في جاهليته بارزا مرهوبا، فلما طلق حياة الشقاوة آثر أن تكون طاعته لربه على نحو لا غناء فيه، فهو يصلى الصبح في الحسين، والظهر في السيدة، والعصر في الإمام إلخ. ثم هو يندفع في هذه العبادة بحماسة تجعل قلبه يتعلق بما أدخله العرف الخاطئ على الدين من قشور ومظاهر "فكأنما انتقل من ضلال إلى خبال؟
هذا إخلاص قتل الجهل قوته، وبدد فائدته. والإيمان يحتاج إلى العلم والذكاء، كما يحتاج إلى طيبة القلب. ويحتاج إلى المهارة والحنكة، كما يحتاج إلى مرونة النفس. ولأمر ما، دعا النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم أن يعز الإسلام بأحد العمرين.
٢ـ كلمة الإيمان: قد يشترك بعض الناس في وصف واحد، ولكن اختلاف أنصبتهم منه لا يجعل الحكم لهم كما لا يجعل الحكم عليهم، سواء في الخير أو في الشر! فإذا كانت ٥٠ % هي النسبة الفاصلة بين النجاح والرسوب، فليس معنى هذا أن رسوب الذي نال ا% كرسوب الذي نال ٤٩% أو أن نجاح الذي نال النهاية الصغرى كنجاح الذى نال أعلى الدرجات، وإن اشتركا جميعا في وصف النجاح والرسوب. وقد يشترك بعض الناس في النطق بكلمة واحدة، ومع ذلك لا يعني أحدهم من المعاني ما يعنيه الآخر، ولا يقصد أبدا إلى ما يقصد إليه الأخر من أهداف.
وخير مثل لذلك ما ذكره أحد الأدباء من أن (الحمَال) في محطات السكك الحديدية يقول (الدنيا كلها متاعب) وهو قول يكاد يتحد في لفظه مع قول أبي العلاء المعرى : تعب كلها الحياة فما أعـ جب إلا من راغب في ازدياد .
فأبو العلاء لا يشكو من حمل ثقيل ناء به كتفه، ولكنه يقرر فلسفة التشاؤم ويستعرض أمورا لا عداد لها. قبل أن يرسل حكمه على هذه الدنيا.
وكثير من المسلمين يشترك في النطق بكلمة التوحيد، فيهم المستغرق، وفيهم الذاهل، وفيهم المتفانى، وفيهم العاصى... وفيهم من يقولونها عندما يشهقون فيعطسون فيتشهدون. فإذا أردت توزيع الأحكام على هذه الحالات فإياك أن تخلط. لا تعط مرتبة الامتياز لكل ناجح، فإنها للأوائل فقط. ولا تعط صفة التفكير الفلسفي لحمالي المحطات فإنها لأصحابها من طبقة أبي العلاء.
وإذا سمعت أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : من قال "لا إله إلا الله دخل الجنة" فاعلم أن البشرى ليست لكل قائل. فما أكثر الذين يهبطون في فهمها إلى درجة حمالي المحطات في فهمهم لمتاعب الحياة، وما أكثر الذين ينجحون فيها بالنهاية الصغرى، بعد مختلف الشفاعات والاستثناءات.
_محمد الغزالي_
_من معالم في كفاحنا الإسلامي _

الثلاثاء، 20 أغسطس 2024

زهر النوائل في أخبار الجداول

 

زهر النوائل
في أخبار الجداول
 
كنت اشاهد التيك توك في أول يوم من العام الدراسي الجديد فعرض لي مقطعا عن الجداول مقطع صورته احدى المعلمات يظهر طاولة عليها جداول للمدرسات وفي الخلفية خصام المعلمات والتبرم والاعتراض والاحتجاج 
 
وفي لقطه اخرى قط يبكي وبخلفيته جدول معلمة وتعليق كتب عليه حالتي عند ما استلمت الجدول
فتداعت وانثالت الى خاطري تجاربي العتيدة مع الجداول فقد خضت معمعتها سنوات طويلة فقد قضيت في سلك التعليم قرابة 34 عاما أكثر من نصفها في وضع الجداول حتى أصبحت خبيرا ومحترفا يعني "بروفشنل باللاوندي "
 
فقررت أن أكتب خواطرا حول الجداول وانا الخبير بها لعل مستمعا يستفيد وينتفع ، ولعل مكلوما بجدول يتعزى ويتصبر ولعل غافلا يتنبه ولعل واضع جدول يتقي الله في عمله ولا يظلم المدرسين فهم أقربائي وعزوتي فأنا مدرس والتدريس رحم بين أهله وإن كانت العبارة المشهورة العلم رحم بين أهله 
 
 
النقطه الاولى :
اذكر انني عندما انضممت الى سلك التعليم في السنة الاولى او الثانية لاحظت أن من أسوء الامور التي يبتدئ بها المعلم العام الدراسي ويتوجس منها خيفة الجدول الذي سيوضع له من قبل إدارة المؤسسة التي يدرس فيها
والحمد لله عندما التحقت بسلك التعليم كان يوضع لي جدول يعني دسم ولكن بعون من الله وحول منه وقوة كنت لا أبالي بأي جدول يعطى لي ومهما كان فيه من الاجحاف والظلم كنت اقبل به
ولكن بعد سنة او اثنين او ثلاثة وجدت أن تغيير الواقع يحتاج إلى مبادرة وتغيير في التكتيكات 
 
 
النقطة الثانية :
وضع الجداول في كل مؤسسة تعليمية محور مهم من محاور العملية التعليمية لانها تمثل ركن من أركان العملية التعليمية وهو يعكس رغبات الادارة التعليمية وتوجهاتها بالدرجه الاولى وبعبارة أخرى هي تضع الخطوط العريضة لليوم الدراسي والاسبوع الدراسي في أي مؤسسة تعليمية وتنعكس سلبا أو إيجابا على كل العاملين في حقل التدريس 
 
 
النقطة الثالثة :
وبدأت في تعلم وضع الجداول وفتح الله علي فبحثت كيف تعمل الجداول ؟ وكيف تصمم ؟ والحمد لله خلال سنة او اثنتين بدأت اتقن عمل الجداول
كما ألهمني الله عز وجل بعض الخطوات التي ساعدتني على اتقان عمل الجداول 
 
 
النقطة الرابعة :
وعرضت خدماتي على الإدارة للمساعدة في وضع الجداول فقبلوها ولم يتلبثوا بها إلا قليلا لأنه كما ذكرت شغلة متعبة ذهنيا وتحتاج بال واسع وروقان والحمدلله الذي وهبني مايساعدني على أداء عملي .
ولم تمض سنوات حتى أصبحت الوحيد الذي يضع الجداول في المؤسسة التعليمية التي اعمل بها و انحصر وضع الجدول بي ولم ينافسني عليه احد ولله الحمد
وظللت قرابه 15 عاما في كل عام فصلين الفصل الاول الفصل الثاني يعني قرابه 30 مرة كنت انا الذي اضع الجداول بالكامل وذلك فضل من الله ورحمة 
 
 
النقطة الخامسة :
بدأت في اكتساب خبرة من الواقع الذي أعيشه فوجدت أن وضع الجدول يختص به شخص او اثنان يعني مهارة ليس الجميع يستطيع ان يتعلمها لأنه متعب وله تعديلات وتبعات كثيرة ويحتاج بال رايق وليس الجميع مستعد لان يقوم به
كما أن من يقوم به يحصل على نوع من الامتيازات المعنوية ويكون بالطبع مقرب من الإدارة وموضع اهتمام من جميع المدرسين لأنه الذي يضع الجدول وباللاوندي يصبح من مراكز القوى الناعمة في الإدارة التي يعمل بها
كما أن هناك من يحرص على الاستحواذ على عملية وضع الجدول أو المشاركة فيها لأن لها شأنا وتأثيرا كما سيتبين 
 
 
النقطة السادسة :
المعني بالجدول بالدرجة الأولى المدرسين فهم الذين يتاثرون سلبا او ايجابا بوضع الجدول فهو يشكل راحة لهم وحافزا إذا تم توزيعه بعدالة وإنصاف وتم تقدير ظروفهم .
كما أنه مجال خصب لتصفية الحسابات التي تريد الإدارة أن تصفيها مع بعض المدرسين فيكون جدولهم خنجرا أسنانه الحصص الأخيرة أو حصص الإنتظار .
كما أنه مجال واسع لمحاباة بعض المدرسين المقربين والواصلين وأصحاب الواسطات وماسحي الجوخ باللاوندي فيكون جدولا مريحا فصلوه تفصيلا على رغبات الأحباب والمقربين .
 
 
النقطة السابعة :
وأكثر مايمقته المدرسون في الجداول الحصص الأخيرة السادسة والسابعة ومابعدها إذا وجدت لأنها تكون في وقت قد نفدت طاقة الطلاب والمدرسين ولا يعود هناك مجال لإفراغ المزيد في العقول المتعبة والمنهكة
وواضع الجدول احيانا لا يكون منصفا في الحصص الاخيرة فيكثر منها على ضعفاء المدرسين المدرس الضعيف الذي لا يشكو او لا يملك قدرة ان يشكو فهذا تعطى له الحصص الاخيرة جزافا عند من لايخاف الله في عمله أو غير الكفء
اما المدرس الذي يشكو ويعترض ويتضجر ربما يراعي فتخفف له الحصص الاخيرة
( وللأسف تطور التعليم خلال أكثر 70 عاما في كل جوانبه وتفاصيله ماعدا نظام الحصص البائس هذا حيث وجد من قرابة 100 عام في العالم العربي ولا زال مستمرا ست أوسبع حصص يوميا مدة الحصة 45 دقيقة أو أقل قليلا ، ولازال التطور بعيدا عن هذا النظام البائس الفقير ولم يكتب الله الخلاص منه بعد )
ثم يمقت المدرسون بالدرجة الثانية كثرة الحصص والنصاب الكامل 24 حصة حيث يشكل ضغطا وارهاقا كبيرا للمدرس ثم يأتي بعد ذلك متاعب أقل من ذلك تختلف حسب أحوال المدرسين ولكن المعاناة الكبيرة من هذين البؤسين النصاب الكبير والحصص الأخيرة
كما أن حصص الإنتظار قد تشكل كابوسا في بعض المدارس للمدرس الذي يقل نصابه أو تقل الحصص التي يدرسها حيث توجه الإدارة بملء جدوله بحصص الإنتظار ويظل ستاند باي باللاوندي طيلة اليوم الدراسي 
 
 
النقطة الثامنة
من خلال عملي الطويل والمحترف في وضع الجداول مرت علي من التجارب المتنوعة منها الجيد ومنها غير ذلك كما أنها تختلف باختلاف المدراء فقد تعاملت خلال خدمتي بقرابة 9 من المدراء من الأكفاء ومنهم غير ذلك
فمنها أن مدير المؤسسة كان يأمرني أن أضع حصصا لأحد المدرسين وكان صاحب أداء غير مرضي للإدارة حيث لايهتم بالإنضباط بأوقات الدوام فتوضع له الحصص الأخيرة حتى لايخرج من الدوام ويظل موجودا في مكتبه
ومن العجائب أنه لو وضعت له الحصص المبكرة فأنه يخرج من الدوام بعدها ويقول ليس لدي حصص لماذا الجلوس ؟
ومنها أن يطلب مني الضغط على بعض المدرسين أو مراعاتهم في الجدول وإن كان هذا ليس بالكثير 
 
 
النقطة التاسعة :
وحاولت خلال توزيع الجدول أن أتقي الله في عملي وأعدل في التوزيع خاصة عندما لايكون هناك ضغط علي أو توجيهات بتغيير جدول فلان
فكنت أقوم بحصر الحصص الأخيرة وأوزعها في بداية التوزيع لأنها محل الخصام ويكون توزيعها بالعدل بين المدرسين حسب عدد الحصص المخصصة لكل مدرس وأذكر أنه كان يأتي بعض المدرسين الغاضبين فأريه الجدول وتوزيع الحصص الأخيرة بالتساوي بينهم فينصرف راضيا حتى أنه في السنوات الأخيرة لم يعد يحتج أحد على جدوله 
 
 
النقطة العاشرة :
التوزيع العادل للجدول يحتاج لجهد وتعب وإعادة نظر وهناك مؤسسات تحضر بعض البرامج التي تتولى توزيع الجدول عشوائيا وهذه فيها ظلم كبير ويتخلص صاحبها بعبارة ( الكمبيوتر وزعها مو أنا ) وهو بذلك يريد أن يتخلص من عبء التعب والجهد لإنصاف المدرسين فكل برنامج هناك مجال للتعديلات فيه ووضع القيود لبعض المدرسين ولا بأس من استخدامه لوضع التوزيع المبدئي ولكن لابد من جهد بشري لإنقاذ المدرسين من براثن التوزيع الالكتروني 
 
 
النقطة الحادية عشر :
قد تؤثر نوعية الطلاب في وضع الجدول وقد يحدث أحيانا خاصة المدارس التي فيها طلاب لآباءهم مكانة اجتماعية أو وجاهة أو من أبناء النخبة فيحدث أن تجد جدولهم غاية في اللطافة وخاصة حصص التربية البدنية حيث تؤخر لهم في الشتاء حتى يدفأوا بالشمس ثم يتم تعديل الجدول عند قدوم الصيف فتكون الحصص الأولى حيث برودة لئلا تؤثر عليهم الحرارة أو ما أشبه ذلك .
 
 
النقطة الثانية عشر :
أفضل طريقة لعمل الجدول احضار لوحة فلين كبيرة وعمل خطوط أفقية بعدد فصول المدرسة ثم خطوط عمودية بعدد أيام الأسبوع ثم تقسيم كل يوم بخانات بعدد الحصص المخصصة
ثم احضار دبابيس ملونة يتم فرز كل لون لمدرس المادة فمثلا الأخضر لمدرس الدين والأزرق لمدرس الأدب وهكذا وعلى عدد الحصص المخصصة لكل مادة ثم يتم توزيع الدبابيس على الفصول
ثم تتم المراجعة باستخدام المسطرة بشكل أفقي لتظهر التعارضات فإذا تكرر اللون الأخضر مرتين فهذا يدل على خطأ في التوزيع ففي هذه الحصة هذا المدرس مشغول وينبغي إزالة التعارض وهو هين على الفلين حيث المطلوب سحب الدبوس الثاني وتبديله مع الذي يليه أو الذي قبله وهكذا
ثم بعد المراجعة والتعديلات يتم تفريغ الجدول بالطريقة المناسبة في جداول صغيره وهذه افضل واسلم طريقة
 
 
النقطة الثالثة عشر :
الان يوجد برامج الكترونيه تقوم بوضع الجداول بعد تغذيتها بالمواد والفصول و لكن هذه البرامج الالكترونيه ليست منصفة في الغالب او ليس فيها عدالة تقوم بالتوزيع توزيعا عشوائيا او كيف ما اتفق
يعني تكون فوضى كبيرة وظلم وايذاء دون مراعاة لاي شيء وبعض البرامج فيها نوع من الكنترول لكن ليس قويا وانا شاهدت بعضها
فمثلا هذا المدرس لا توضع له حصص او الحصص التي توضع له الى الرابعة مثلا ولا يأخذ حصص أخيره وهكذا ومثل هذه القيود ينبغي أن يكون صاحبها عنده خوف من الله لأنه قد يضع قيود على الجدول لبعض الناس محاباة أو ظلما وبعد ذلك عندما يحتج عليه يتنصل منها بعبارة حق أريد بها باطل ( والله يا اخي الكمبيوتر سواه ووزعه انا مالي دخل ) هو يعلم انه يملك خانة لوضع القيود ، فهذه من التلاعبات التي قد تحصل في الجدول
 
 
وختاما هذا ماتيسر إعداده وتسهل إيراده وأعان الله على كتابته وسرده فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان وأستغفر الله منه وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .

الأحد، 11 أغسطس 2024

رجال الحق (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) .

 

رجال الحق
(وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) .
في هذه الآية دلالة على أن الله عز وجل اختص نفوسا معينة بمعرفة الحق على وجه كامل مثمر، فهى لا تضاء به من داخل فحسب بل تبسط أشعته أمام الناس عامة ليسيروا على هداه ويطمئنوا إلى سناه.
وهم كذلك يحكمون بالحق، فإذا اختلطت الأمور، وخيفت المظالم، قضوا بين الناس بالعدل، فجاء قضاؤهم العادل نورا يمحو الظلم والظلام، أولئك هم المصطفون الأخيار من عباد الله، وأولئك هم أمل الدعوات الكبرى والنهضات العظمي حين تبدأ مسيرها في الأرض فتعترضها السدود والهضاب وتردها العوائق والصعاب.
كنت أعجب أول أمرى لماذا وصف الحق بالمرارة، وغصت به حلوق كثيرة؟ حتى سرت في مركز الدعوة إلى الله، ورأيت أن قول الحق جهاد ثقيل الأعباء شاق التكاليف، جهاد قد يكلف المرء دق عنقه إذا اصطدم بفرعون جبار.
وربما كان أيسر البذل أن يتقهقر المرء في مجتمع يتصدره المهرجون والكذبة والذين يهدون بالحق في هذه الأحوال يجب أن يكون لهم من اليقين ما يجعلهم يزدرون الجاه الذي حصل عليه المبطلون، وما يحقر أمام أعينهم البقاء في الدنيا إذا لم يقدروا على قول الحق والهداية به.
ما أجمل الحق وما أجل رجاله بنفسى أولئك الأبطال الذين داسوا وساوس الضعف، وكبروا على فنون الإغراء، وتألقوا بين ركام العوام، وتنكروا للحاضر الذي يكرهونه، وتفانوا في الغد الذي يتمثلونه، ومضوا قدما إلى غايتهم فإما نجحوا وإما فشلوا.
إن النجاح والفشل لا يحكم على النيات، ولا ينقص الأجور، "فحمزة" الصريع المهزوم في "أحد" ليس دون "خالد" القائد المنتصر فى عشرات المعارك بل ربما كان خيرا منه.
وكم في عصرنا هذا من نهضات كبت أن تبلغ هدفها، وطوى تاريخها طيا محزنا، ذلك أن التاريخ يكتبه غالبا المنتصرون وما أكثر ما يأفكون ويزورون. لكننا - ونحن أصحاب المبادئ ورجال المثل - نريد أن نهتك هذا الزور، وأن نحيى أصحاب الحق سواء قتلوا في الطريق أم وصلوا إلى القمة. أجل إننا نريد رجالاً يعشقون الحق، ويعيشون به وله، صرحاء ولو غضب لصراحتهم ألف ملك ووزير،
حنفاء ولو أطبق الجهال على تمجيد الأوثان وحرق البخور بين يديها، أعزة بأنفسهم لا يبالون أن تصدر الأوامر "العليا" بإقصائهم من المحافل الرسمية ولا المناصب الضخمة، غاضبين لله عنادًا وإصرارًا وحاقدين على الباطل مع ترفع واحتقار.
نريد رجال الحق في عالم عز فيه نصراء الحق في بلاد سخر فيها الدين كما سخرت الدنيا لحراسة الجور وتمجيد الفسقة لأن السلطان في أيديهم وتحت أقدامهم.
نريد رجالاً لا يدوسون المثل العليا باسم المرونة السياسية ولا يأمنون أولاً على أنفسهم وأموالهم وأنصارهم ثم يعلنون بعد ذلك الجهاد لنصرة الإسلام، كأن نصرة الإسلام سمن وعسل.
إن ترك الباطل يمر دون نكير - أمر خطير جد خطير، وليس المهم أن تكسر شوكته بحولك فقد تكون ضعيف الحول، ولكن المهم إذا رأيت المبطلين سادرين في جرائمهم متجاهرين بمناكرهم أن تقول - عند ظهور عجزك واستحالة مقاومتك .
مقالة العبد الصالح لوط لقومه لما (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ* رَبِّ نَجْنِي وَأَهْلِى ممَّا يَعْمَلُونَ) .
أما الذهاب إلى فاعل المنكر وإبداء الاحترام فلا. أما مشاركة الكذبة في الهتاف للمجرم فلا. وما أكثر الذين أسرفوا وهتفوا للمجرمين والأمم التي يخرس صوت الحق بين كبارها وصغارها، والتي تتوارث هذا الصمت المعيب، تمشى حثيثا في طريق الانقراض.
ومن حق الحياة النظيفة أن تخلو منها".
رجال الحق..
من الحق المر الجزء الثانى .

فقه القدوم على الله

 

فقه القدوم على الله
*الأصول السبعة التي يقوم عليها فقه القدوم على الله*
أعظم الفقه هو فقه القدوم على الله لأن عليه محور النجاح الخالد والفلاح المستمر والفوز الأبدي.
وما كان كذلك فهو وربي من أعظم ما يجب على الإنسان أن يعلمه ويتفقه فيه ويبلغه للناس
وقد ندر من يعرفه واندرس من يسلك مسالكه إلا قليل من الآخرين و أين هم.
وقد أشغلني هذا طويلا حتى جعلت له قسما مستقلا في موسوعة معالم الاجتهاد في فقه العصر.
وألخص هنا أصوله السبعة فقط ليستفيد منها الناظ
ويبني عليها ما يفقهه من كتاب وسنة.
وبالتأمل في نصوص الكتاب والسنة ودلالاتها وهداياتها تبين أن فقه القدوم على الله مبناه على سبعة أصول:
*الأصل الأول: تطهير القلب من أمراضه*
وأخطرها الرياء والشهوات والشبهات والحسد والغل والبغضاء وتمكن حب الدنيا على الآخرة والتنافس عليها.
والكبر والغرور وبطر الحق وجحد نعمة الله، واليأس والقنوط من رحمته سبحانه، والإصرار على الآثام مع علمه بأنها حرام وتعمد الإصرار بلا ندم وتوبه.
وأصل تطهير القلب من هذه الأمراض يكون بعلاج سببه الأكبر وأساسه المركزي وهو الغفلة فهي علة كل مرض
تهدم القلب وتكثر أمراضه كما يهدم مرض الإيدز الجهاز المناعي ويفتك به إن لم يتنبه له ويعالج بما يحد منه.
فتكثر الأمراض بأدنى سبب حتى يهلك المصاب.
وأصل علاج الغفلة دوام ذكر الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم.
فمن يسر الله له دوام الذكر دواي قلبه من الغفلة.
وحين تنقشع الغفلة بأنوار الذكر تذوب أمراض القلب ذوبان الدجال إذا تجلى له الحق.
وهذا ما يعطيه قوله تعالى: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)
فأصل الباطل زهوق بهذه الصيغة الدالة على شدة وكثرة زهوقه.
كما يدل النص على يسر زهوقه وبساطتها وسرعتها وتكرر ذلك كله، فهي سنة ربانية في الباطل يجب أن تكون راسخة في وعي كل مؤمن وعقيدته.
فالباطل كثير الزهوق سريع التلاشي يسير إزالته
لا كما يصور الشيطان وأولياؤه الباطل وينفخونه للناظرين من خلال سحرة الإعلام ورهبان النفاق فهو عكس ذلك في حقيقة الأمر وواقع الأحداث،
إنه ينفثئ كالفقاعة إن لمستها يد طفل
أو داعبتها نسمة هواء
إنه يتلاشى كالسراب بمجرد الاقتراب منه، لذلك مثله الله بالسراب. في قوله جل شأنه:
(والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا)
والباطل هو عمل الكافرين وكيدهم وشبههم وأقوالهم وأفعالهم وما يسخرون له من الإمكانات من الشخوص الإنسانية والمادية،
ووجود الباطل من أهل الإسلام امتداد لذلك الباطل فإن المسلم السالك دروب الباطل يشبه في العمل مسالك الكفار وسبيلهم.
لذلك منعنا من موالاتهم واتخاذهم دون المؤمنين والتشبه بهم وطاعتهم
وأمرنا بمخالفتهم ومخالقة سبلهم التي هي إما ضلال أو غضب وهو ما ذكره الله تعالى في سورة الفاتحة.
فقال من استوى على عرشه سبحانه وتعالى: { ‌اهدنا ‌الصراط ‌المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
والحاصل أنه بمجرد إحلال الحق وحضوره على الساحة القلبية والأسرية والمجتمعية والدولية ينسحب الباطل زاهقا،
ولا يعود إلا إن ضعف أهل الحق وقصروا في بيانه.
فتنبه لقلبك فإنه أساس فقه القدوم على الله وطهره من أمراضه ومن علتها المركزية وهي الغفلة ، وتنبه لعلاجها الأكبر وهو دوام ذكر الله
فلم نؤمر بشئ من العبادات إكثارا ودواما
كالذكر على كل حال قياما وقعودا وعلى جنوبكم
سلما وحربا سفرا وحضرا صحة ومرضا فقرا وغنى رئيسا ومرؤوسا.
وتلخيص هذا التكليف في عبارة:
اذكر الله تحت كل سماء وفوق كل أرض بلا انقطاع ولا كلل ولا ملل
فمن اكتشف أمراض قلبه وعرف أن سببها الغفلة عن الله وعالجها بالذكر ذابت الغفلة ذوبان الجليد بسياط الشمس الحامية.
فتصير الأمراض مكشوفة لا حماية لها فتحرق بأنوار الذكر المستمر حتى يمتلئ القلب بنور الله
فيصلح حال الإنسان وعمله وقوله وحياته كلها.
*الأصل الثاني: تجنب الاقتراب من مسارح الموبقات الكبائر والإصرار على الذنوب والآثام ولو من غير الكبائر*
ففرض على كل مؤمن أن يعلم الكبائر ليجتنبها لأنه سبيل النجاة والمغفرة والكرامة.
لقوله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما)
وقد تتبعتها طويلا وبسطت القول فيها في كتابنا خارطة النظر الفقهي بما يقر العين ويشرح الصدر.
فعليك به.
*الأصل الثالث: التورع عن الشبهات*
فإن التورع عن الشبهات سد منيع عن مسالك الحرمات.
فإن من وقع في الشبهات وقع في الحرام.
وفي الحديث: في الصحيحين:
عن ‌النعمان بن بشير قال: سمعته يقول: « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه): إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، ‌فمن ‌اتقى ‌الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى
حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب .»
وهل الشبهات من الحرام أم لا ؟
فمن قال هي من الحرام استدل بما في النص السابق: "فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام"
ومن قال ليست من الحرام استدل بما في النص السابق "كالراعي يرعى
حول الحمى يوشك أن يرتع فيه أو يواقعه"
والصحيح أنها وسط خطير مشتبه لا هي حلال بين ولا حرام بين.
فمن أكثر ورودها ضاع ورعه
وسقط في المحرمات عاجلا أو آجلت
كما يدل عليه نص الحديث
وعلى هذا يحمل.
ومن اشهر الشبهات ما فيها خلاف فقهي تنازعته ادلة الحرام وأدلة الحلال
مع تقارب بينهما وتعادل
وهنا يختلف العلماء فمنهم من يقول هي حرام ومنهم من يقول هي حلال ومن من يتوفف.
فهذا الموطن الحذر الحذر منه.
*الأصل الرابع: تحقيق الإحسان في الصلاة بتمام الخشوع*..
وأخص هنا الخشوع في الصلاة لأنه رأس سبيل الفلاح المحقق بالنص :
قال تعالى : (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)
فقدم الخشوع في الصلاة على كل خصلة جاءت بعدها
في الآيات.
لأنه بوابة الفلاح المحققه
من حققها وأحسنها فغيرها أهون.
فمن أراد الفلاح الذي لا مرية فيه ولا شك فهذا سبيله
وما أيسره لكل ذي همة مع ربه.
فعليك بالخشوع في الصلاة
ثم دوام ذلك الخشوع
ثم الإحسان في الخشوع
ثم دوام ذلك الإحسان ولزومه بلا انقطاع.
ومن رأس التعبدات قيام الليل فإنه سر المؤمن وخبيئته بينه وبين ربه.
حيث تحلك الظلمات وتخر الأبدان صرعى على الأرض تغط في عميق السبات يقوم الرباني يصارع الراحة ويعلن الجفاء بينه وبين فراشه الوثير.
وهذا ما أشار له النص في قوله تعالى: { إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) ‌فَلَا ‌تَعْلَمُ ‌نَفْسٌ ‌مَا ‌أُخْفِيَ ‌لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيَنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]
فقرة الأعين المخبأة عند الله هي لهذا الفوج القانت آناء الله ساجدا وقائما جاءت في سياقهم ومساقهم.
ووقت قيام الليل يبدأ من بعد المغرب
فعن أنس رضي الله عنه بسند صحيح في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}: نزلت في انتظار الصلاةِ التي تُدعى العَتَمَة.
رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح غريب" وأبو داود؛ إلا أنه قال:
كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء، يصلون وكان الحسن يقول: قيام الليل.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال:
أتيتُ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصليت معه المغربَ، فصلى إلى العشاء.
رواه النسائي بإسناد جيد.
وأهل الليل القانتون مخصوصون بعلو الشأن وعظيم الجزاء في الآخرة
كما في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عَمروٍ رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"في الجنةِ غرفةٌ يُرى ظاهرُها من باطِنها، وباطِنُها من ظاهرها".
فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسولَ الله؟ قال:
"لِمَنْ أطابَ الكلامْ، وأطعم الطعامْ، وباتَ قائماً والناس نيامْ".
رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، والحاكم، وقال: "صحيح على شرطهما"
ولأهل قيام الليل ساعة يفتح فيها الباب على مصاريعه للإجابة والعطاء والمنن الربانية
كما في الحديث الذي رواه مسلم : عن جابر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
"إنَّ في الليلِ لساعةً لا يوافقها رجلٌ مسلمٌ يسأَلُ اللهَ خيراً من أمرِ الدنيا والآخرةِ؛ إلا أعطاهُ إياه، وذلك كلَّ ليلةٍ" أنتهى.
فكيف يفرط مفرط في مثل هذا.
وقيام الليل ينعكس على حياتك كلها توفيقا وهدى وتأييدا
وقد جاء في الحديث الثابت أنه (منهاة عن الإثم )
فكما أنه عامل محفز على الطاعة هو من جهة أخرى مكافح مركزي للآثام
ومن أسعده الله حفظه من الآثام والذنوب.
*الأصل الخامس: عليك بالصبر في سائر المقامات لتحقيق هذه الأصول ورتبها*
وهو صبران:
1_ الصبر على منازل السير بدأ بالصبر على العمل ثم الصبر على لزوم العمل ودوامه ثم الصبر على إحسان العمل
ثم الصبر على دوام ذلك الإحسان.
2_ وصبر على مقارعة النفس وكسلها وتخذيلها ووساوس شياطين الإنس والجن الصادين لك عن مواصلة السير إلى الله،
وصبر على لزوم تلك المقارعة والنباهة التامة لتلك المخاطر
وصبر على دوامها وإحسانها حتى تصير ملكة مهارية سلوكية في النفس.
*الأصل السادس: تحقيق الموجبات والمرجحات*
أما الموجبات للمغفرة والرضوان والجنة فالمفروضات والواجبات من العبادات والطاعات أما المرجحات فهي القربات النافلات.
وسميتها الموجبات لأنها موجبة للنجاة والفوز
وسميت الأخرى المرجحات لأنها تثقل الموازين وتجبر الخلل في الموجبات.
وكل هذه أخذته من أدلته المستفيضة من الكتاب والسنة.
*الأصل السابع: العدل والإحسان*
في أمور الدين والدنيا
ومع النفس في سائر أعمالك وقرباتك الظاهرة والباطنة
وتحقيق العدل والإحسان مع الخلق من الأسرة إلى عموم الدوائر المجتمعية والعلاقات الإنسانية.
*فهذه الأصول السبعة عليها مدار فقه القدوم على الله*
وهي أصول الصراط المستقيم.
وسنبسطها بإذن الله في قسمها من موسوعة معالم الاجتهاد في فقه العصر يسر الله تمامها ونشرها.
أ.د. فضل مراد
مؤسس مشروع فقه العصر