من تجارب داعية
من عشر سنين أثبت هذه الكلمات ويبدو أنه لا يزال
فيها ما يغري بمطالعتها
1_ذكاء
في الضلال وغباء في الهدى: أكره الرجل يكون قويا في عصيانه، فإذا اهتدى
كان ضعيفا في تقواه. وأكره الرجل يفهم دقائق الأمور، ويحسن مواجهة الحقائق،
ولا يستطيع أحد أن يضحك منه إبان انطلاقه مع شهواته، واسترساله في مطاوعة
أهوائه.
فإذا
تاب وأناب استغلق تفكيره واضطرب تصرفه. فلو كان تاجرا لم يحسن الربح فى
تجارة الآخرة، كما كان يحسن فى تجارة الدنيا، ولو كان رئيسا لم يستطع ضبط
شئونه، كما كان يديرها ـ من قبل بكل دقة. ومن المضحكات، أني أعرف رجلا كان
في جاهليته بارزا مرهوبا، فلما طلق حياة الشقاوة آثر أن تكون طاعته لربه
على نحو لا غناء فيه، فهو يصلى الصبح في الحسين، والظهر في السيدة، والعصر
في الإمام إلخ. ثم هو يندفع في هذه العبادة بحماسة تجعل قلبه يتعلق بما
أدخله العرف الخاطئ على الدين من قشور ومظاهر "فكأنما انتقل من ضلال إلى
خبال؟
هذا
إخلاص قتل الجهل قوته، وبدد فائدته. والإيمان يحتاج إلى العلم والذكاء،
كما يحتاج إلى طيبة القلب. ويحتاج إلى المهارة والحنكة، كما يحتاج إلى
مرونة النفس. ولأمر ما، دعا النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم أن
يعز الإسلام بأحد العمرين.
٢ـ
كلمة الإيمان: قد يشترك بعض الناس في وصف واحد، ولكن اختلاف أنصبتهم منه
لا يجعل الحكم لهم كما لا يجعل الحكم عليهم، سواء في الخير أو في الشر!
فإذا كانت ٥٠ % هي النسبة الفاصلة بين النجاح والرسوب، فليس معنى هذا أن
رسوب الذي نال ا% كرسوب الذي نال ٤٩% أو أن نجاح الذي نال النهاية الصغرى
كنجاح الذى نال أعلى الدرجات، وإن اشتركا جميعا في وصف النجاح والرسوب. وقد
يشترك بعض الناس في النطق بكلمة واحدة، ومع ذلك لا يعني أحدهم من المعاني
ما يعنيه الآخر، ولا يقصد أبدا إلى ما يقصد إليه الأخر من أهداف.
وخير
مثل لذلك ما ذكره أحد الأدباء من أن (الحمَال) في محطات السكك الحديدية
يقول (الدنيا كلها متاعب) وهو قول يكاد يتحد في لفظه مع قول أبي العلاء
المعرى : تعب كلها الحياة فما أعـ جب إلا من راغب في ازدياد .
فأبو
العلاء لا يشكو من حمل ثقيل ناء به كتفه، ولكنه يقرر فلسفة التشاؤم
ويستعرض أمورا لا عداد لها. قبل أن يرسل حكمه على هذه الدنيا.
وكثير
من المسلمين يشترك في النطق بكلمة التوحيد، فيهم المستغرق، وفيهم الذاهل،
وفيهم المتفانى، وفيهم العاصى... وفيهم من يقولونها عندما يشهقون فيعطسون
فيتشهدون. فإذا أردت توزيع الأحكام على هذه الحالات فإياك أن تخلط. لا تعط
مرتبة الامتياز لكل ناجح، فإنها للأوائل فقط. ولا تعط صفة التفكير الفلسفي
لحمالي المحطات فإنها لأصحابها من طبقة أبي العلاء.
وإذا
سمعت أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : من قال "لا إله إلا الله
دخل الجنة" فاعلم أن البشرى ليست لكل قائل. فما أكثر الذين يهبطون في فهمها
إلى درجة حمالي المحطات في فهمهم لمتاعب الحياة، وما أكثر الذين ينجحون
فيها بالنهاية الصغرى، بعد مختلف الشفاعات والاستثناءات.
_محمد الغزالي_
_من معالم في كفاحنا الإسلامي _
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية