الجمعة، 13 فبراير 2015

دراسة عن حزب العدالة والتنمية في تركيا الجزء الأول سيرة بطل رجب الطيب أردوغان

 دراسة عن حزب العدالة والتنمية في تركيا
 الجزء الأول  سيرة بطل  رجب الطيب أردوغان

مسيرة بطل
 رجب طيب أردوغان

الحمدلله الكبير المتعال ذي الفضل والمنة والجلال  والصلاة والسلام على النعمة المسداة  والرحمة المهداة محمد بن عبدالله نبينا وسيدنا وقدوتنا وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه .

أكتب لكم سطورا عن فضل الله ورحمته وتدبيره لأمور خلقه  وشؤون عباده  من خلال سيرة هذا البطل الكبير الذي فتح الله عليه من واسع فضله فجعله للناس إماما  وقدوة  في هذا الجانب الذي يراه الناس فيه اليوم  بطلا يشار إليه بالبنان قد ملأ السمع والبصر .

وقد وجدت أخبار متناثرة عن حزب العدالة والتنمية هنا وهناك  والناس في شوق إلى دراسة عميقة ومفصلة نوعا ما  عن هذه التجربة الناجحة وتتطرق إلى كل الجوانب إن أمكن ومن وجهة نظر منصفة إن شاء الله تعالى ، ولا أشك بوجودها ولكن ليس باللغة العربية فقد بحثت كثيرا ولم أجد لذا قررت منذ زمن أن أعد دراسة تحليلية مطولة عن تجربة حزب العدالة والتنمية  وأقدمها للقاريء العربي طلبا لمرضاة الله عزوجل  وتبيانا لصدق ما قاله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون  )  وما أحسب أردوغان وجول  ورفاقهما  إلا أنهم استطاعوا  تحقيق معادلة الصالحين  فأورثهم الله أرض بلادهم  وهم إن شاء الله أهل لهذه المهمة نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ).

ولعل الله عزوجل يفتح بما أكتب آفاقا لأناس يفهمون جوهر هذا الدين وأنه قيم عملية بالدرجة الأولى  وليس كتبا ولا محاضرات نظرية  تتبخر على أرض العمل الحقيقي وعند مواجهة الوقائع والحقائق .

وقد اعتمدت بعد الله عزوجل وتوفيقه وتسديده  على مجموعة من المقالات والدراسات التي نشرت عن تركيا  في مختلف الصحف والمواقع الالكترونية عبر أكثر من 10 سنوات  وأنا متابع لأخبار الأوضاع في تركيا منذ سنين طويلة  ، وأشير في نهاية كل مقالة عن المصدر الذي اقتبسته منه دون تفاصيل أخرى ، كما بثثت وجهة نظري وتحليلاتي التي أسأل الله أن تكون صائبة  في ثنايا الكتاب  وأسأل الله التوفيق والسداد .
المولد والنشأة
ولد رجب طيب أردوغان في 26 فبراير من عام 1954 م في حي قاسم باشا أحد أفقر أحياء اسطنبول في الجانب الأوروبي .

أردوغان مع والدته – أردوغان وهوصغير

وهاهنا نجد المحور الأول في شخصية هذا البطل أنه نشأ في حي فقير وأسرة فقيرة والطبقة الفقيرة هي في الغالب نتيجة أخطاء المجتمع وانحرافاته وهي التي تعيش الوجه الفعلي والحقيقي للأحداث  ولكن العبرة بالنفوس العظيمة التي  يتولاها الله بعنايته ورعايته 

 وكأن الفقر كان المدرسة الأولى لأردوغان  التي تعلم فيها حقائق الحياة  الكد والجد والاجتهاد والكفاح لنيل لقمة العيش بشرف  ونظافة يد ، فكان يبيع البطيخ وكعك السمسم ليساعد أسرته .
 ومع أنه كان فقيرا فقد عرف نعمة التعلم  ولم ينقطع عن التعليم بسبب فقره  حتى تخرج  في الثانوية من مدرسة الأئمة والخطباء بتفوق .
وهاهنا نجد المحور الثاني لشخصيته وهو حبه للعلم  ومن المعلوم أن العلم هو المفتاح لكل تغيير ايجابي في كل زمان ومكان لذا أوصت به الشريعة واهتمت به كثيرا
إن الفقر ابتلاء  ولكنه لن يمنع المرء من اتخاذ قرارات صحيحة لتغيير مسار حياته بإذن الله تعالى .

وحتى بعد أن صار علما من أعلام السياسة التركية لم ينس فقره ولم يتنكر له بل مازال يذكره حتى قال يوماً في مناظرة بكل فخر بأنه كان فقيراً في صباه واضطر إلى بيع السميط في شوارع اسطنبول .
ومدرسة الأئمة والخطباء التي ارتادها أردوغان تعد طلابها ليكونوا أئمة وخطباء في المساجد  وحق لها ان تفخر بأنها خرجت مثل رجب طيب أرودغان
ويحكى أن مدرس التربية الدينية سأل الطلاب عمن يستطيع أداء الصلاة في الفصل ليتسنى للطلاب أن يتعلموا منه ، رفع رجب يده ولما قام ناوله المدرس صحيفة ليصلي عليها ، فما كان من رجب إلا أن رفض أن يصلي عليها لما فيها من صور لنساء سافرات ! ..

دهش المعلم وأطلق عليه لقب ” الشيخ رجب ” .

كما أن أردوغان لايتقن سوى اللغة التركية فقط ومع ذلك هو يقرأ القرآن وله صوت جميل جدا في القراءة واسمعوا هذه القصة التي يرويها  أحد الدكاترة المصريين د.حمدي شعيب ((ذات مساء طيب، في تسعينيات القرن العشرين؛ أثناء عملي في المملكة العربية السعودية، أذن علينا المغرب في طريقنا في رحلة العمرة من المدينة إلى مكة؛ فأنزوينا إلى أحد المساجد؛ لنصلي المغرب!.
ودخلت إلى الصف؛ وهالني الصوت الرائع الملائكي للإمام؛ وهو يقرأ سورة الضحى، حتى انهمرت دموعي من سحر التلاوة!؟.
وبعد أن انتهى الإمام من الصلاة، التفتت إليه؛ فألجمتني المفاجأة؛ فخرجت لأقابل زوجتي؛ والتي صلت في الصفوف الخلفية، وبادرتني بمفاجأة أخرى وهي تسأل متعجبة ومتأثرة: من هذا الإمام المؤثر؟!.
فهتفت بها: إنه رجب الطيب أردوغان، وسأذهب إليه وأحييه وجميع مرافقيه في الحافلة التي تقف وراءك))

والتحق رجب طيب أردوغان بجامعة مرمرة  في كلية الاقتصاد  وتخرج فيها  وكانت هذه أقوى ملامحه العلمية رغم فقره .

ثم يظهر ملمح جديد ترك بصمة في حياته وهو حبه لكرة القدم حيث أحبها ومارسها بشغف لدرجة أنه أمضى أكثر من  عشر سنوات من عمره لاعبا لكرة القدم في عدة أندية  والعبرة هنا ليس في بنيته الرياضية بل في الفكر الذي تتركه لعبة القدم في شخصية لاعبها خاصة إذا كان لاعبا نظاميا أو محترفا  فاللعب لابد له من مدرب وخطة ولابد من التزام الجميع بأدوراهم وبالخطة  وقد تختلف الظروف فتتغير الخطط  تبعا لذلك
ويشاهد بوضوح تأثير روح الفريق على عمله فهو لايعمل بمفرده  بل هو بمثابة المدرب الذي يحرك قوى المجتمع نحو الهدف المنشود   وقد نجح في ذلك  بدرجة كبيرة .
ويروى أن رئيسه في العمل في بدايات عمله كان ضابطا متقاعدا في الجيش أمره بحلق شاربه فرفض الانصياع لأمره  ويقال ( أن الشارب يعتبر ضد القوانين الكمالية ) فكان القرار الطبيعي لرفضه أن تم فصله  .

وهاهنا نجد ملمحا مهما في شخصيته وهو عدم الخضوع  لما يرى أنه ظلم أو تعدٍ على الحقوق مهما كانت الجهة التي يصدر منها الأمر مع استعداده لتقبل نتائج الموقف مهما كانت .


بدأت مسيرته الحزبية والسياسية منذ وقت مبكر حيث التحق بكوادر حزب السلامة الوطني بقيادة أربكان وهو في مقاعد الدراسة قبل دخول الجامعة و كانت مشاركته من خلال قيادته الجناح الشبابي المحلي لحزب ” السلامة أو الخلاص الوطني ” ، ثم أغلق الحزب وكل الأحزاب في تركيا عام 1980 جراء انقلاب عسكري ،ثم بعد عودت الحياة الحزبية انضم إلى حزب الرفاه عام 1984 كرئيس لفرع الحزب الجديد ببلدة بايوغلو مسقط رأسه وهي أحدى البلدات الفقيرة في الجزء الأوربي في اسطنبول ، وما لبث أن سطع نجمه في الحزب حتى أصبح رئيس فرع الحزب في اسطنبول عام 1985 وبعدها بعام فقط أصبح عضوا في اللجنة المركزية في الحزب .
ومن خلال هذه المسيرة السياسية القوية تتبين لنا ملامح قوة أدائه الفعال إذ أن هذه القفزات الكبيرة في أوقات قصيرة تدل على المواهب الربانية والعطاءات الإلهية التي حباها الله لرجب طيب أردوغان ليكون فارس المستقبل في تركيا .
فقد تولى أردوغان منصب رئيس حزب الرفاه في اسطنبول سنة 1985، وكان يبلغ من العمر آنذاك ثلاثين عاما، ورشحه الحزب لعضوية البرلمان في انتخابات 1987 و1991، لكنه لم يحالفه الحظ في كلا المرتين

أردوغان وزوجته في أحد الاحتفالات الوطنية

كما لايفوتني أن أذكر لكم قصة زواجه حيث يرى فيها بوضوح عناية الله بهذا الرجل  )يقول الكاتب التركي جالموق في كتابه الذي ألفه عن أردوغان : بدأت قصة زوجه من رؤيا رأتها أمينة المناضلة الإسلامية في حزب السلامة الوطني ، رأت فارس أحلامها يقف خطيبا أمام الناس – وهي لم تره بعد – وبعد يوم واحد ذهبت بصحبة الكاتبة الإسلامية الأخرى شعلة يوكسلشلنر إلى اجتماع حزب السلامة وإذا بها ترى الرجل الذي رأته في منامها .. رأت أوردغان .. وتزوجوا بعد ذلك واستمرت الحياة بينهما حتى وصوله لسدة الحكم مشكلين ثنائيا إسلاميا جميل .. لهما اليوم عدد من الأولاد .. أحد الأولاد الذكور سُمي ” نجم الدين ” على اسم استاذه نجم الدين أربكان من فرط اعجابه وإحترامه لإستاذه ، وإحدى بناته تدرس في أمريكا لعدم السماح لها بالدراسة في الجامعة بحجابها !

أربكان وزوجته أمينة

وفي أخبار أخرى عنه  ( وإردوغان، الذي أعلن مرارا عن نيته الترشح للرئاسة التركية بعد عامين، متزوج من تركية تكبره بعام، وهي من مدينة سييرت وأصلها عربي واسمها أمينة غولباران، التي لا تظهر الا مرتدية الحجاب. وكان إردوغان تعرف اليها في 1978 خلال اجتماع حزبي "فاذا بها تراه يخطب وشبيها برجل كانت تراه في المنام أحيانا، فانجذبت اليه" وبعد 6 أشهر من العام نفسه كان الزواج، وبعده أدى الاثنان مناسك الحج معا.
ولإردوغان من زوجته 4 أبناء: أحمد بوراق ونجم الدين بلال، الذي تزوج قبل 6 سنوات وكان أحد الشهود على زواجه رئيس الوزراء الايطالي، سيلفيو برلسكوني. يومها أبطلت الشرطة السرية التركية خطة لمنظمة يسارية متطرفة أعدتها لاغتياله خلال الحفل، فتملص من محاولة كان الزفاف سيتحول معها الى دموي. كما له إبنتان أيضا: إسراء، وله منها حفيدان أكبرهما عمره 4 سنوات، وسمية التي تدرس في الولايات المتحدة، لأن البلاد التي يرأس حكومتها منذ 7 سنوات تمنع الطالبات من ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات. أما والدة إردوغان، فاسمها تنزيل، وهي ما زالت على قيد الحياة ومعتلة الصحة بمرض القلب. )

وكان أردوغان مرشح حزب الرفاه في مدينة اسطنبول في الانتخابات البلدية عام 1994 وفاز في الانتخابات وأصبح عمدة اسطنبول وهاهنا دخل مرحلة مهمة من تاريخه السياسي الفعلي  حيث مكن الله له ليمارس  ماعلمه الله  في حياته العملية  فحقق إنجازات كبيرة ورائعة وغير مسبوقة  مكنت له في الأرض وفي قلوب المجتمع التركي .
وقد كان المجتمع التركي يعيش انهيارا اقتصاديا كبيرا وتفشيا للفساد في جميع الأوساط السياسية والعسكرية والثقافية وغيرها .
 ( واستطاع خلالها ان يحقق أردوغان نجاحات مثيرة ...
* فقد انتشل المدينة من حالة الإفلاس التي كانت تواجهها، وتمكن من تحويل ديونها إلى أرباح، وحولها إلى مدينة نظيفة بعد تعزيز جهود النظافة العامة وتحسين أجور العمال ورعايتهم صحياً واجتماعياً.
* كما تمكن من حلّ مشكلة مياه المنازل والبيوت التي كانت تؤرق الملايين من سكان المدينة عبر سنوات طويلة، فبعد أن كانت إمدادات المياه تنقطع لفترات طويلة عن مناطق العاصمة، تغير الوضع تماما وأصبح ضخ المياه يتم بصورة دائمة وطبيعية في جميع مناطق المدينة .
* وتبنى أردوغان مشروع زرع مليون شجرة بأنحاء المدينة، من باب الحفاظ على نظافة البيئة، وكسبت المدينة الضخمة متنفساً وبقعا خضراء تساعد سكانها على التنفس والتنزه بشكل مناسب
* وفيما يتعلق بالخدمات الاجتماعية في المدينة، كان أردوغان يقدم الإعانات والمواد غذائية والنقود على الفقراء والمحتاجين من أهالي المدينة في المناسبات الإسلامية، وكان يذهب بنفسه لمتابعة توزيع تلك الإعانات


اردوغان وسط الفقراء
* أقام شوادر عامة للإفطار بمدينة إستانبول في شهر رمضان تقدم الوجبات الساخنة لمن لم يتمكن من إدراك وقت الإفطار، أيضاً كان يتواجد بصفة دائمة في المشروعات الميدانية ويرتدي ملابس العمال، من أجل المتابعة وتشجيع العاملين على إنجاز أعمالهم بجدية وحماسة.
* حتى الطلاب كان يوزع بنفسه المنح المالية عليهم مع بدء العام الدراسي، كما كان يشارك في مباريات كرة القدم التي تنظمها البلدية وعندما سأل عن سبب نجاحه في تخليص البلدية من الديون، قال :
"سألوني عن السبب في النجاح في تخليص البلدية من ديونها، فقلت: لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه.. إنه الإيمان.. لدينا الأخلاق الإسلامية وأسوة رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام".
*
وعلى الرغم من انه كان عمدة المدينة الا انه لم يغير مسكنه رغم بساطته
وأدين إردوجان في عام 1998، بتهمة التحريض على الكراهية الدينية. وكان الاتهام مستندا إلى واقع أنه قرأ علنا قصيدة شعرية وردت فيها السطور التالية: "المساجد ثكناتنا، والقباب خوذنا، والمآذن حرابنا والمؤمنون جنودنا ..." وحُكِم عليه بالسجن لمدة عشرة أشهر، غير أنه أطلق سراحه بعد أربعة أشهر.
وبعد ظهور جناح المجددين بحزب الفضيلة (الذي شكله أربكان بعد حظر الرفاه، وجرى حظره كذلك) في عام 2001 برز أردوغان على رأس هذا الجناح، ومن ثم اختير رئيسا لحزب العدالة والتنمية الذي شكله جناح المجددين. وفي 14 مارس 2003 فاز أردوغان بمنصب رئيس الوزراء
شخصيات اثرت في حياته :
 يؤكد "طيب" أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أسوته الأولى، كما كان لتعليمه الديني وتديّن والده دورا بارزًا في ملامح شخصيته، وتأثر كثيرا بكتابات الشاعر الاسلامي التركي محمد عاكف، وبل كان شعره سببا في دخول اردوجان السجن كما ذكرنا في السابق، كما تأثر بالشاعر نجيب فاضل وتلقى عنه دروسًا كثيرة في الشعر والأدب.
تأثر أيضا بالزعيم "نجم الدين أربكان" الذي منحه الثقة، وأعطاه الفرصة ليصل لمنصب رئيس فرع حزب الرفاه وهو في الخامسة والثلاثين، ثم رئيس بلدية إستانبول


الجانب الانساني والاجتماعي في حياته
 :لم يتخلف أردوغان يومًا عن واجب العزاء لأي تركي يفقد عزيزا ويدعوه للجنازة، مثلما لبى الكثير من دعوات الشباب له بالمشاركة في مباريات كرة القدم. اقترب من الناس كثيرا .. ربما يكون هذا هو السر في أنْ منحه الناس حبًّا جارفاً لم تعرفه تركيا منذ سنين طويلة فيما يتعلق برجال السياسة والحكم.


أردوغان بين أهل الحى الذى كان يقطن فيه
كما أنه متحدثًا بارعًا ويجيد الاستماع الى الناس .. حماسي جدا وعاطفي جدا  فالعلاقات الاجتماعية الدافئة من أهم ملامح شخصيته؛ فهو أول شخصية سياسية يرعى المعوقين في ظل تجاهل حكومي واسع لهم، ويخصص لهم امتيازات كثيرة مثل تخصيص حافلات، وتوزيع مقاعد متحركة، بل أصبح أول رئيس حزب يرشح عضوا معوقًا في الانتخابات
شخصيته الشجاعة دفعته لتعيين مجموعة كبيرة من المحجبات داخل رئاسة البلدية، مثلما أعطى الفرصة للطرف الآخر دون خوف من النقد الإعلامي، مثلما لم يتردد في هدم منازل وفيلات لكبار الشخصيات، من بينهم فيلا الرئيس الراحل تورجوت أوزال؛ لأنها بُنيت مخالفة للقانون.
لم يتردد في إرسال بناته لأمريكا لإكمال تعليمهن، بعد أن أغلقت الأبواب أمامهن داخل تركيا بسبب ارتداء الحجاب، ولم يلتفت للحملة الإعلامية الشرسة التي تعقبته أثناء ذهابه للحج أو العمرة مع زوجته المحجبة؛ حيث راحت تستهزئ به بإطلاق تعبير "الحاج الرئيس".
ولهذا كله القى الشعب التركي بآماله على شخصيته القوية والكارزمية.. فهو جديد وشاب يدعو إلى التجديد والتغيير، وقد أثبت جدارته بالحكم عندما كان رئيسا لبلدية إسطنبول، كما أنه شخصية معتدلة ومتواضعة، أضف إلى ذلك أنه رجل نظيف لم تتلطخ سمعته بعمليات الفساد )
وإليكم هذه الصورة الواقعية التي كتب عنها فهمي هويدي في أحد مقالاته في 2002م عن الواقع في تركيا
(قبل ان يتحدث الوافد الى أي أحد، وقبل ان يقع على التقارير والمعلومات المنشورة، فإنه يلحظ على الفور اثار الأزمة اذا ما سار في أي شارع رئيسي في اسطنبول أو انقرة، اذ لابد ان تلفت نظره أمور ثلاثة، أولها تدهور سعر الليرة التركية أمام الدولار، الذي كان يساوي 150 ألف ليرة قبل عامين، فإذا به يعادل مليوناً ونصف مليون ليرة مع اوائل الشهر الحالي «كان السعر مليونا و700 ألف ليرة، ولكنه انخفض بمعدل 200 ألف ليرة بعد ظهور نتائج الانتخابات». الأمر الثاني الذي يلاحظه المرء وهو يذرع الشارع التركي ان لافتات الاعلان عن البيع بالتقسيط (يكتبونها بالحروف اللاتينية «تاكسيت») تتراوح بين 6 و 12شهرا، أصبحت قاسما مشتركا بين واجهات اغلب المحلات التجارية، اذ الكل يريد ان يبيع بأي طريقة، من تاجر الفاكهة والبقالة الى صاحب معرض السيارات، والسبب هو الكساد وضيق ذات اليد، أما الأمر الثالث فهو كم عدد العاطلين المتكومين على الأرصفة، والسائرين على غير هدى في الشوارع، وهو ما يذكرك بجموع العاطلين في الجزائر الذين التصقت اجسامهم بحوائط البنايات، الذين اطلقت عليهم الصحف الفرنسية اسم «حيطيط».
فهمي قورو، أحد ابرز المحللين السياسين الاتراك والكاتب بصحيفة «يني شفق» لخص الموقف في عبارة قصيرة هي ان الاتراك اصيبوا باليأس من الاقتصاد وبالقرف من السياسة، لم لا وقد انهار سعر الليرة على النحو الذي رأيت، ووصلت نسبة التضخم الى 60%، واغلقت 420 ألف مؤسسة اقتصادية أبوابها، وخلال السنتين الاخيرتين فقط فصل مليوني عامل من وظائفهم، اما المصارف فقد تمت تصفية 17مصرفا منها، وهو ما أدى الى فقدان 25 ألف شخص لوظائفهم بين عشية وضحاها، غير عشرات الآلاف الذين قبلوا بالاستمرار في العمل بعد تخفيض رواتبهم.
احاديث نهب المال العام والاستيلاء على ملايين الدولارات عادية في المجالس والمنتديات، لكن احدى الهزات القوية التي ضربت الاقتصاد وقعت بعدما تناقلت الصحف انباء المشاحنات والمناكفات العلنية بين رئيس الجمهورية أحمد نجدت سيزر ورئيس الوزراء السابق بولند اجاويد، خصوصا حين احتدمت المناقشات بين الرجلين في أحد اجتماعات مجلس الأمن القومي، وألقى الرئيس سيزر بنسخة من الدستور التركي في وجه رئيس الوزراء، وهو يتهمه بأنه يجهل نصوصه، وهي القضية التي ما إن تسربت وقائعها الى الصحف، حتى ادرك كبار رجال المال والاعمال ان السفينة على وشك الغرق، فما كان منهم الا أن هربوا الى الخارج خلال ساعات مليارات من الدولارات، الأمر الذي أدى الى انهيار قيمة العملة واصابة البورصة بالشلل، وحين وقع الانهيار فإن المصارف وجدت نفسها عاجزة عن سداد قروضها، وكان بعضها قد راكم الديون المشكوك في تحصيلها عبر تقديم قروض مدعومة لزبائن الاحزاب السياسية، الأمر الذي كانت له انعكاساته القاتلة، التي وجهت الى العمل المصرفي ضربة قاصمة، وقد قدرت الاوساط المالية الخسارات المسجلة التي نشأت عن ذلك الحال بحدود 35 مليون دولار، الأمر الذي أدى الى تصفية بعض البنوك كما سبقت الاشارة، بينما اضطر البعض الآخر لأن يضع نفسه تحت وصاية الدولة.
بسبب هذه الاجواء، لم ينج بيت في تركيا من اثار الهزات الاقتصادية العنيفة، التي احدثت شروخا عميقة في بنية المجتمع، وكان موظفو الحكومة ذوو الدخول الثابتة، وعموم الفقراء هم أكثر الفئات التي التهبت ظهورها من شدة وكثافة سياط الغلاء التي انهالت عليها من كل صوب.)
المصدر: جريدة الشرق الأوسط

وما أن تولى أردوغان منصب عمدة بلدية اسطنبول حتى بدأ بمواجهة واقع صعب مؤلم لمدينة اسطنبول أغنى المدن التركية ولكن البؤس والفساد والديون انتشر في جنباتها .
ولم تكن طريقه مفروشة بالورود بل بالشدائد والمصاعب واستطاع الارتقاء بمستوى بلدية اسطنبول ونشلها من الديون والفساد لتفوز فيما بعد بأفضل بلدية على مستوى العالم أجمع 
و ذلك كله لم يأت من فراغ بل بتوفيق من الله أولا وآخرا ثم ببذل وجهد وكد وعرق واستلهام  المعونة والتأييد من الله  فكان له ما أراد وانتشرت له سمعة طيبة عند الناس وعرفوه انسانا مسلما يقدم العمل أولا ثم العمل مع أنه خطيب مفوه بلغة قومه  كما عرفوه نظيف اليد والذمة رغم أنه من بيئة فقيرة وجرت محاولات ومحاولات لإفساد ذمته بحكمه منصبه الحساس  ولكن الله حماه وثبته على طريقة الاستقامة .

وكانت له خلال رئاسته لبلدية اسطنبول قصص وحكايات من أروع مايمكن أن يقال وليت إخواننا الأتراك يكتبون لنا أو يترجمون ماكتب عن تلك الفترة الذهبية لهذا فهي بحق نبراسا يحتذى في زماننا هذا  ، وأذكر هاتين القصتين  الأولى ذكرها الكاتب المعروف فهمي هويدي في مقال نشر بجريدة الشرق الأوسط في 2002 م 
(خلال شهر رمضان قرر طيب اردوغان ان يتناول وجبة الافطار مع واحدة من الاسر التي تعيش في أحد الأحياء الشعبية باسطنبول، ودون ترتيب أو اخطار طرق ومعه ثلاثة من المرافقين باب بيت وقع الاختيار عليه بطريقة عشوائية، وبعد أن أبلغوا الأسرة برغبتهم، لاحظوا انهم اصيبوا بصدمة عبرت عن نفسها من خلال الوجوم الذي ظهر على وجوه افرادها، ولم يكن ذلك بسبب المفاجأة التي لم يتوقعوها، ولكن لسبب آخر تماما، هو ان البيت لم يكن فيه شيء يؤكل، سوى بعض كسرات من الخبز، ولا شيء يشرب على الاطلاق، اذ باستثناء الماء، لم يكن لدى الاسرة شاي أو سكر، ولم ينقذ الموقف سوى الطعام والشراب الذي حمله مرافقو اردوغان معهم.
كانت مفاجأة اردوغان أكبر، ليس فقط لأنه كان طيلة أربع سنوات رئيسا لبلدية اسطنبول، التي هي اغنى مدينة في تركيا، ومن ثم فهو يعرفها جيدا، ولم يخطر على باله ان يكون الفقر فيها قد وصل الى ذلك الحضيض، ولكن ايضا لأنه ابن حي قاسم باشا بالمدينة الذي اختلط فيه البؤس بالتحلل، وحين كتب عليه ان يبيع المياه والسميط، كي يعين اسرته، قدر له ان يطوف بمختلف الأزقة والحارات، ولم يصادف يوما اناسا يقتاتون على فتات الخبز، ولا يجدون ما يرطبون به حلوقهم.
هذه الصورة نقلها الي واحد من الذين يرافقون زعيم حزب العدالة في مثل هذه الجولات المفاجئة التي يطرق فيها بيوت الناس ويتقصى بنفسه أحوالهم، وبعد الذي سمعته منه، وبعدما اتيح لي أن أناقش مع كثيرين في اسطنبول وانقرة الأوضاع الراهنة في البلاد، أدركت ان الحضيض الذي وقع عليه اردوغان في زيارته لذلك البيت، هو أقرب ما يكون الى الحضيض الذي وصلت اليه تركيا اقتصاديا وسياسيا، حين جاء اردوغان يطرق ابواب الحكومة والبرلمان .. ) المصدر: جريدة الشرق الأوسط

أما القصة الثانية فيرويها أحد الكتاب الصحفيين
("نزل رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان من سيارته واشتري سميطا من البائع ثم أعطاه الثمن و أزاد عليه قليلا، فرد عليه البائع قائلا: " لا داعي لهذا يا خال".
تحدث إردوغان مع بائع السميط الذي أخبره أنه قدم من كونيا ليعمل في أنقرة و يكتسب لقمة العيش، وهو يعمل في المكان الذي خصصته له بلدية مدينة أنقرة ، و يكسب من عمله هذا 15 دولارا يوميا.
وبعدما غادر إردوغان بائع السميط علق البائع يافتة مكتوب عليها: "من هنا اشتري أردوغان السميط".
والحادثة لا جديد فيها؛ فـ"المعروف أن رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ينزل إلي الأسواق ويتسوق الخضار والفاكهة ومستلزمات المنزل ويتحدث مع البائعين و المواطنين و يسأل عن أحوالهم، كما انه يتصل بأرقام الهواتف عشوائيا ويسأل عن أحوال الناس ومعيشتهم ويستمع لشكواهم." [أخبار العالم 26/5/2008].
الجديد هو في كونها صادرة عن رئيس وزراء، أما من حيث الأصل؛ فمن يعرف إردوغان يدرك أن هذه سجيته المتواضعة وسلوكياته المعروفة كرجل قال يوماً في مناظرة بكل فخر بأنه كان فقيراً في صباه واضطر إلى بيع السميط في شوارع اسطنبول، ولعل البائع الذي افتخر بابتياع إردوغان منه لو شاء لقال من هنا اشترى وباع إردوغان السميط..
نحو أربعين عاماً ما بين بيع السميط وشرائه لم تخدش أصالة الرجل واحترامه للقيم والمبادئ ولم تجعله ينكر وضعاً ساقه القدر إليه أول مرة، ولا رفع أنفه متكبراً على الناس وقد توج رئيساً لحكومة هي الأبرز في المنطقة، فيما كثيرون من ناقصي الأهلية إذا ما من الله عليهم بنعمة منه ظنوا أنهم قد لمسوا الثريا، وجعلوا يتنكرون لماضيهم وأهليهم، ويترفعون على الكرام!!
إن وراء كل نجاح لقائد أو زعيم يحترم ذاته، قيمة ومبدأ يعليه، ومن بين تلك التي توافرت للزعيم التركي رجب طيب إردوغان حرصه على الفقراء وشعوره بآلامهم وحاجاتهم، حتى أولئك العصاة التي قد لا يفكر كثيرون من المصلحين في تلبية حاجاتهم الضرورية وهم على معصيتهم قائمين..
ولعل إطلالة في حياة محافظ اسطنبول السابق (رجب طيب إردوغان) تعطي لمحة واضحة على طريقة تفكيره؛ وكمثال نذكر أن المحافظ المنتخب في الانتخابات البلدية قبل أكثر من عشر سنوات لما كان ملزماً بتنفيذ القوانين التركية التي تبيح البغاء ما دام يجري بترخيص قانوني!! ولما كان الرجل لا يملك سلطة لتغيير ذلك بشكل سلمي؛ فقد عمل على تقليص أعداد المتورطات في هذه الرذيلة عبر إقامة نزل خاصة لمن تريد إنقاذ ذاتها من هذه الرذيلة وإعانتها على تأهيل ذاتها، وإقامة مشاريع للمشاغل النسوية بغرض إتاحة المال الحلال لمن رغبن في التوبة.. (مع العلم بأننا لا نناقش هنا المشروعية بل نتحدث عن التجربة ذاتها للرجل)..
هذا الرجل الذي يألم هكذا للفقراء، ويتخذ من الإجراءات ما هو كفيل بنهوضهم وبناء ذواتهم ومساعدتهم على بداية حياة كريمة، هو ذاته ذاك الأسد الهصور في دافوس الذي قرع بيريز حتى احمر وجهه وانكمش الصهيوني مذعوراً وسارع إلى استرضائه فيما بعدُ، وقلب الطاولة في وجه الأوروبيين وكشف زيف دعواهم باحترام آدمية الإنسان.
إن رجب طيب إردوغان الذي تصلب أحياناً أمام كبار الجنرالات، وهدد المحكمة العليا، وزأر كحفيد نجيب للعثمانيين ملطخاً وجه الصهاينة بالسواد، هو ذاك الذي انهمرت الدموع من عينيه وهو يشاهد الجرحى الفلسطينيين ويستمع لأناتهم.. هذه نقطة ضعف الرجل الوحيدة التي لا يفهمها بعض كبار جرذان العرب!! )
وهذا كاتب آخر يتحدث عن انجازات أردوغان
(الطيب اردوغان حقق نجاحات منذ كان عمدة بلدية اسطنبول. كل من يعيش في اسطنبول يدين اليوم للطيب اردوغان بالماء والهواء النظيف والشوارع النظيفة والخضرة التي تملأ اسطنبول. كل هذه النجاحات التي حققها اردوغان وتواضعه، ونزوله للشارع وكلامه مع الناس، كل هذا أعطى اردوغان شعبية كبيرة جدا في اسطنبول نقلته من عمدة للمدينة الى رئاسة الحكومة. عندما كان رئيسا للبلدية قام باصلاحات كبيرة جدا، لم تمر على تاريخ اسطنبول من قبل. لم يكن الانسان بمستطاعه شرب الماء في اسطنبول او المشي في الشارع، كان الاعلام والصحف تنصح المواطنين خصوصا كبار السن والاطفال بألا يخرجوا للشارع لان الهواء ملوث. وللذين كانوا يريدون الخروج الى الشارع كانت الجرائد توزع كمامات انف لكي لا يستنشقوا الغازات الملوثة التي كانت تملأ المدينة. كانت البلدية تنصح الناس ألا يستخدموا الماء، ماء ملوث تسبب في امراض جلدية ووفيات كثيرة جدا. كل هذه الانقاض قام من وسطها اردوغان وجعل من اسطنبول عاصمة اوروبية تليق بتركيا خلال 8 سنوات فقط، استطاع ان يحولها عاصمة اجتماعية وثقافية وسياحية، هذه النجاحات الكبيرة، والظلم الذي تعرض له في نهاية عهده وإنزاله من رئاسة البلدية بالرغم من كونه منتخبا من 4 ملايين تركي كعمدة للمدينة، بسبب ابيات شعرية، موجودة في كتب الشعر في المرحلة الثانوية، رأت المحكمة انها ضد العلمانية، وحكم عليه بالسجن لمدة 4 أشهر وعشرة ايام كوسيلة للقضاء على اردوغان، لكن الاربعة اشهر وعشرة ايام في السجن جعلت من اردوغان شخصية كبيرة، ولو كانوا يعرفون تأثير السجن عليه ما كانوا نحوه من منصبه. لكن هذه هي الاقدار، دخل السجن بمظاهرة كبيرة وبدعم شعبي كبير، وخرج من السجن الى رئاسة الوزراء.

وانظر مايقوله د.راغب السرجاني  عن أردوغان  في فترة توليه بلدية اسطنبول (وحقق أردوجان في منصبه الجديد إنجازات هائلة؛ ففي خلال أربع سنوات (من سنة 1994م إلى سنة 1998م) استطاع أن ينتشل المدينة من الإفلاس، وأن يحلَّ مشكلات كثيرة مثل انقطاع الكهرباء والمياه، واستطاع أن يحوِّل المدينة من مدينة تتفشى فيها القذارة والإهمال إلى واحة خضراء متميزة، وعندما سألوه عن السر وراء هذا النجاح منقطع النظير، قال في وضوح وشجاعة: "لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه، إنه الإيمان، ولدينا الأخلاق الإسلامية، وأسوة رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام". وهذه الروح العالية والإنجازات الباهرة أكسبت أردوجان شعبية كبيرة جدًّا في تركيا، بل إنها كانت من أبلغ الوسائل للدعوة إلى الإسلام.)
ومن خلال هذه الكلمات يستطيع المرء أن يرى أن الرجل يستلهم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم  بشكل عميق في مواجهة الواقع والأحداث  كما سيظهر بوضوح فيما بعد ( وقد صرح بذلك في أكثر من مناسبة )
هذا الاستلهام  يظهر في المجال السياسي في محورين ( من وجهة نظري )
1-  أنه يؤمن بالمرحلية ( الفترة المكية وخصائصها ) بمعنى أن لكل مرحلة أدواتها فإذا كنتُ ضعيفا وخصمي قوي فليس من الحكمة  أن أواجه خصمي في معركة مكشوفة - وإن كنت على حق - لأن الخسارة ستكون من نصيبي ( الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطوف حول الكعبة والأصنام حولها ولم يحرك ساكنا تجاهها لأنه يعلم أن ذلك لن يغير من الأمر شيئا في هذه المرحلة  ولكنه عندما فتح مكة لم يترك تلك الأصنام لحظة واحدة  لقد تغيرت المرحلة إلى واقع جديد ) فيجب أن ُأبقي وجودي وأصلح من قوتي  بالدرجة الأولى ثم أواجه عندما تتغير المرحلة . ويظهر هذا بوضوح من خلال  معاركه التي يكسبها الواحدة تلو الأخرى  الانتخابات – البرلمان – الحكومة – رئاسة الدولة
2-   دراسة الواقع بشكل جيدا وخاصة الخصوم  وعدم الانجرار إلى معركة هم يحددونها كما وكيفا  بل المناورة لمنازلتهم في معارك هو يحددها كما وكيفا  وهذا يفسر عدم  اثارته لموضوع النقاب والشريعة وغيرها مما يعده العلمانيون والجيش من وراءهم  ساحة معارك جاهزة لاستئصال الاسلاميين  في حالة الدخول إليها . ( وقد تبين في فيما بعد صواب هذه الخطوة فحتى عندما أصدرالبرلمان قرارا بالأغلبية لصالح دراسة المحجبات في الجامعة أبطلته المحمكة الدستورية )
كما أن المحللين الساسيين  حاولوا معرفة أسرار نجاحه  وإليكم ما كتبه أحدهم  (  لكن النقطة الاساسية هي ما هو سر نجاح طيب اردوغان؟ سر نجاحه انه
اولا استطاع ان يقضي على الفساد الاداري، وهذه اهم نقطة.
ثانيا استطاع ان يأتي بأصحاب الكفاءات، اي الرجل المناسب في المكان المناسب. استطاع ان يأتي في حكومته بأساتذة الجامعات، وأهل الخبرة.
 ثالثا، العمل المتواصل بإيمانه انه يستطيع تحقيق الكثير للاتراك، فاستطاع ان يقدم الكثير من الانجازات لم تستطع الحكومات السابقة ان يحققوها.

وقبل ذلك كله تأسيه بالرسول صلى الله عليه وسلم كما صرح بذلك
( وعندما سأل عن سبب نجاحه في تخليص البلدية من الديون، قال : "سألوني عن السبب في النجاح في تخليص البلدية من ديونها، فقلت: لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه.. إنه الإيمان.. لدينا الأخلاق الإسلامية وأسوة رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام". )
هذا جعل من اردوغان رجل الشارع، وتوج ذلك خلال الاربع سنوات والنصف الماضية. قبل 4 سنوات ونصف السنة كان التضخم 86%، كان رعب تركيا هو التضخم المالي، في يوم واحد كان الدولار يرتفع 5% او 10%. استطاع اردوغان ان يثبت الضخم عند 9.6% وهذا رقم قياسي في تاريخ الجمهورية التركية. ايضا وصلت اسعار الفائدة الى 80% و 90% و100%، بل الى 110% و140% ونحن شاهدنا هذه الأيام وعشناها. استطاع ان يحد من ارتفاع الفائدة الكبير وان ينزل الفائدة الى 17%. استطاع ان ينهض بصادرات تركيا من 30 مليار دولار وصلت في 2006 الى 85 مليار دولار، وهدفهم في 2007 هو 100 مليار دولار. الدخل القومي التركي كان 220 مليار دولار عندما تولى قبل 4 سنوات ونصف السنة، الان الدخل القومي 550 مليار دولار، وأصبحت تركيا رقم 18 في العالم في حجم دخلها القومي. دخل الفرد كان عام 2002 نحو 1200 دولار في المتوسط، استطاع ان يرفعه الى 5500 دولار. في زمن حكومة بولنت اجاويد افلس 20 بنكا، كلف خزينة الدولة 45 مليار دولار، اردوغان تسلم الحكومة انقاضا، وهي منتهية وغارقة في الديون، 240 مليار دولار دخل تركيا، وكان 85% من الدخل القومي يذهب لتسديد الفائدة على الديون، استطاع اردوغان ان ينهض بتركيا هذه النهضة الكبيرة، وشعبيته لا تقتصر على رجال الاعمال او المواطن العادي، بل ان كل فئات الشعب تتمنى الطيب اردوغان، وكانت النتيجة ان واحدا من تركيين اثنين صوت لاردوغان في انتخابات يوليو الماضي، ومن لم يصوتوا لاردوغان، بل لاحزابهم الاساسية كانوا مع اردوغان. فالناس تريد استمرار هذا الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وهذا الانفتاح على العالم، والعلاقات المستقرة مع الجيش ومع الاتحاد الاوروبي، فخلال حكومته الاولى لم تمر حكومته بأي أزمة، لا داخلية ولا خارجية، مع ان تركيا مرت بحرب العراق وطلب اميركا دخول القوات الاميركية عبر الأراضي التركية، وقضايا اخرى، إلا ان هذه الحكومة استطاعت ان تتجاوز العقبات والازمات وان تخرج منها بشكل اقوى. الدولة التركية لم يعد لها اعداء بين دول الجوار، من قبل انقطعت علاقاتها مع سورية ومع اليونان، هذه الحكومة استطاعت ان تصلح العلاقات مع دول الجوار، اكثر دول انفتحت عليها تركيا في العلاقات الاقتصادية هي سورية، وإيران. كل هذه النجاحات جعلت المواطن التركي مطمئنا، خاصة رجال الاعمال الذين ضاعفوا اموالهم، فاي شركة موجودة اذا كانت قيمتها 1000 دولار اصبحت قيمتها 4 الاف دولار، فكل الاعمال تضاعفت قيمتها 4 أضعاف )

وفي سنة 1995م حدثت مفاجأة كبرى بفوز حزب الرفاه الذي أنشأه أربكان كبديل لحزب السلامة الذي تم إغلاقه بأغلب المقاعد في الانتخابات البرلمانية في تركيا (158 مقعدًا من أصل 550 مقعدًا) وكان أردوغان من كوادر الحزب ومن ألمع  الواجهات الدعائية التي ساهمت في انتزاع  أصوات الناخبين لصالح حزب الرفاه  بسبب الأداء المشرف في إدارة بلدية اسطنبول .
ولكن القوى العلمانية ومن ورائها الجيش كانت قد عرفت أربكان جيدا  فعلى الرغم أنه أصبح رئيسا للوزراء  في 1996م  إلا أن مفاصل الدولة كلها في أيد الخصوم  فعملوا على إصابة حكومته بالشلل ثم تدخل الجيش عسكريا  في 1998م لإزاحته من رئاسة الوزراء وأجبروه على الاستقالة وتم تقديمه إلى المحاكمة العسكرية بتهمٍ كثيرة أهمها انتهاك علمانية الدولة وتم حل حزب الرفاه ، وصدر القرار بمنع أربكان من مزاولة النشاط السياسي لمدة خمس سنوات
وكانت القوى الغربية تساند الخصوم من راء الستار ( فقد أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكما أيدت فيه قرار تركيا حظر حزب الرفاه الإسلامي في تركيا في عام ثمانية وتسعين
وقالت إن القرار لا يتنافى مع الميثاق الأوربي لحقوق الإنسان ويمكن اعتباره أجراء معقولا لحماية المجتمع التركي
وقالت المحكمة أيضا إن حزب الرفاهية التركي الذي كان قد رفع الدعوة جاهر بعزمه على تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد مما يتعارض مع ميثاق حقوق الإنسان
ويقول مراسلنا للشئون الأوروبية إنها قضية شائكة أشد تعقيدا مما عرض من قبل على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وقد انقسم القضاة إذ أيد الحكم أربعة منهم بينما عارضه ثلاثة
وقال القضاة إن الحظر جائز وفقا للمادة الحادية عشرة من الاتفاقية والتي تكفل حرية التجمع والتعبير ما دام ذلك لا يضر بالمصالح الأساسية لمجتمع ديمقراطي
وكان حزب الرفاه أكبر الأحزاب التركية المشاركة في الانتخابات العامة التي جرت عام خمسة وتسعين وكان له أكبر عدد مقاعد في البرلمان التركي عند حظره
وكان المجلس الدستوري التركي قد حظر حزب الرفاه الذي كان يتزعمه رئيس وزراء تركيا نجم الدين أربكان، وقال إن قادة الحزب يدعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ) من أخبار البي بي سي
 وفي نفس الوقت قُدِّم أردوجان رئيس بلدية إسطنبول إلى المحاكمة بتهمة إثارة الفتنة، وكان من أدلة الحكم ضده أنه قال بعض الأبيات الشعرية في إحدى خُطَبِهِ وفيها "المساجد ثكناتنا، والقباب خوذاتنا، والمآذن حِرابنا، والمؤمنون جنودنا". وصدر القرار بسجن أردوجان عشرة أشهر، ودخل بالفعل السجن لمدة أربعة أشهر، ثم أفرج عنه لحسن السير والسلوك! كما تم منعه من مزاولة النشاط السياسي خمس سنوات هو الآخر.
( المعروف أيضا عن إردوغان إعجابه بشاعر تركي إسلامي الطراز توفي في 1936 وإسمه محمد عاكف، وهو إعجاب قاده في 1999 الى السجن 4 أشهر ومعه خسر منصبه كعمدة لاسطنبول، وكله بسبب قراءته خلال كلمة كان يلقيها لبيتي شعر من قصيدة حماسية لعارف عن الاسلام، وفيها يجعل الشاعر من الدين الحنيف ومؤسساته وزارة للدفاع في دولة ليس لها وجود واقعي، فيقول: المآذن حرابنا والقباب خوذاتنا.. مساجدنا ثكناتنا والمصلون جنودنا.. وهذا الجيش المقدس يحمي ديننا.)

وتحول يوم سجنه إلى مهرجان عظيم وفي اليوم الحزين توافدت الحشود إلى بيته المتواضع من اجل توديعه وأداء صلاة الجمعة معه في مسجد الفاتح ، وبعد الصلاة توجه إلى السجن برفقة 500 سيارة من الأنصار ! .. وفي تلك الأثناء وهو يهم بدخول السجن خطب خطبته الشهيرة التي حق لها أن تخلد .
ألتفت إلى الجماهير قائلا :   ” وداعاً أيها الأحباب تهاني القلبية لأهالي اسطنبول وللشعب التركي و للعالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك ، سأقضي وقتي خلال هذه الشهور في دراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى أعوام الألفية الثالثة والتي ستكون إن شاء الله أعواماً جميلة ، سأعمل بجد داخل السجن وأنتم اعملوا خارج السجن كل ما تستطيعونه ، ابذلوا جهودكم لتكونوا معماريين جيدين وأطباء جيدين وحقوقيين متميزين ، أنا ذاهب لتأدية واجبي واذهبوا أنتم أيضاً لتأدوا واجبكم ، أستودعكم الله وأرجو أن تسامحوني وتدعوا لي بالصبر والثبات كما أرجو أن لا يصدر منكم أي احتجاج أمام مراكز الأحزاب الأخرى وأن تمروا عليها بوقار وهدوء وبدل أصوات الاحتجاج وصيحات الاستنكار المعبرة عن ألمكم أظهروا رغبتكم في صناديق الاقتراع القادمة

أيضا في تلك الأثناء كانت كوسوفا تعاني ، وبطبيعة الحال لم يكن لينسى ذلك رجب الذي كان قلبه ينبض بروح الإسلام على الدوام، فقال ” أتمنى لهم العودة إلى مساكنهم مطمئنين في جو من السلام، وأن يقضوا عيدهم في سلام، كما أتمنى للطيارين الأتراك الشباب الذين يشاركون في القصف ضد الظلم الصربي أن يعودوا سالمين إلى وطنهم

 وكانت فترة السجن فترة تحول كبير على المستوى الشخصي لأردوغان وعلى المستوى  السياسي  فعلى المستوى الشخصي يبدو أنه اقتنع بشكل نهائي بأن مواجهة الخصوم  يجب أن تكون بأسلوب آخر  فقد أصبحت جميع الأوراق بأيديهم  واستطاعوا أن يشلوا الحكومة ويحلوا الحزب ويلقوا بكل القيادات في الخارج إما في السجون كما حدث معه وإما منعا من الحقوق السياسية كما حدث معه أيضا .
لذا رأى أنه لابد من البحث عن طريق آخر للمواجهة  بحيث يقودهم إلى مناطق أخرى لايملكون فيها سيطرة كاملة فتكون له فرصة هزيمتهم  أو أن ينحني إنحناءا مدروسا حتى تمر العاصفة  فيأمن الاقتلاع ثم يرفع هامته ويواجه الخصوم بكل ندية .
كما أنه رأى أنه لابد من إشراك جميع القوى الطيبة في المجتمع التركي ولو كان لها بعض الأخطاء أو لها توجهات أخرى  ولكنها ترغب في خدمة  المجتمع والنهوض به بكل أمانة  لابد من إشراك هؤلاء في التغيير
كما أنه رأى أن بعض المعارك التقليدية إن صح التعبير والتي تكلف كثيرا وليس لها مردود كبير في الوقت الحالي  مثل الحجاب  وغيره يجب تجنبها وعدم جعلها أولوية لتفويت الفرصة على الخصوم  في حل الأحزاب والحكومات .
على المستوى السياسي  قام أربكان بانشاء حزب الفضيلة ليخلف حزب الرفاه  الذي تم حله ولكن أهم زعامتين أربكان وأردوغان ممنوعة من العمل السياسي  مع السجن  لذا قام رجائي قوطان أحد مساعدي أربكان المقربين بانشاء الحزب وتولي أموره  واستمرت الأمور على نفس المنوال دون تغيير مع أن الواقع يقول أنه لابد من التغيير فقد تم حل الحزب أكثر من مرة وكل أوراق القوة بيد الخصوم والاستمرار في نفس النهج يدل على قصور في الرؤية عند القيادات العليا  فحاول أردوغان أن يقود عملية تغيير من داخل الحزب  وذلك عن طريق صديق عمره وفكره  عبدالله جول  من خلال ترشيحه لرئاسة حزب الفضيلة  عندما جاء وقتها  ( وهذا كله وهو ممنوع من العمل السياسي  وكذلك أربكان ) وعلى الرغم من مشروعه الناجح  والذي يلقى دعما من تيار واسع داخل الحزب  وكاد أن ينجح في مسعاه  إلا أن أربكان تدخل شخصيا وعرقل فوز عبدالله جول  ورجح كفة  رجائي قوطان ....
جول وأردوغان ثنائي العمل الناجح

عندها أدرك أردوغان وجول  أن فاقد الشيء لا يعطيه  وأن الشعارات والمباديء ليست خطب وكلمات تلقى في المحافل وإنما ممارسات وأعمال يجب تتطبيقها وتربية الأتباع عليها  ومن هاهنا بدأت بودار الإنفصال عن أستاذه الذي يحبه بكل اجلال واحترام حتى أنه سمى ولده الأكبر باسمه  إلا أن ذلك لم يمنعه أن يتخذ قرارا صعبا بمفارقته وتحمل نتائج هذا القرار الصعب عندما وجد أفق الحلول معه قد سدت بمباركته شخصيا .
ولم تمهل الحكومة حزب الفضيلة طويلا حتى ألحقته بسابقيه السلامة والرفاه  فقامت بحله في 1999م  فقام أربكان بانشاء حزب السعادة  على نفس النهج ونفس الفكرة  ولازال حتى كتابة هذه السطور موجودا ولكن بعد أن فقد توهجه وحيويته وسط تعثرات واضطرابات داخلية تدل على خلل واضح اتسع الخرق فيه على الراقع بانتظار رصاصة الرحمة من الخارج أو الداخل  .
أما أردوغان وعبدالله جول فبعد دراسة واسعة لكل الحركات التنموية في العالم  شاركوا فيها كل الحريصين على المجتمع التركي من مختلف الاتجاهات والانتماءات  قرروا إنشاء حزب العدالة والتنمية  في 2001م  لخوض الانتخابات في 2002م .

وهاهنا نجد ملمحا مهما في النجاح الكبير لحزب العدالة والتنمية فيما بعد وهو أنه خرج من إطار الحزبية الضيقة  باعتباره حزب للاسلامين إلى فضاء أوسع باعتباره حزب لكل من يرغب في خدمة المجتمع التركي بأمانة وإخلاص من أي اتجاه وأي فكر  ولم يجعلوا مسألة التدين شرطا في دخول الحزب يل العمل بكفاءة وإخلاص من أجل خدمة المجتمع  لذلك دخل في صفوفهم من كل الاتجاهات  ووجدوا مصداقية في الشعارات  وأن الأولوية للكفاءة والاخلاص والتدين شيء راجع لصاحبه  فانخرط في صفوفهم كثير من القوى الطيبة والمحايدة والتي ترغب في خدمة البلد دون أن تكون طرفا في صراع ديني أو سياسي مع هذه الجهة أو تلك  وبذلك كسروا حاجزا كبيرا لم تستطع الحركات الاسلامية كسره  في عالمنا العربي  حيث لازال الاسلامين  يتحركون بمفردهم  في مواجهة خصومهم  الذين يستغلون جميع قوى المجتمع المحايدة  ضدهم .

كما أنهم لم يجعلوا أنفسهم نسخة للأحزاب الاسلامية بالصورة النمطية التقليدية التي تم حلها بل اتخذوا واجهة جديدة تماما  حزب سياسي علماني يحترم الدستور  ( ووجدوا مشقة في اقناع الناس والعالم  بهذا التغيير  )

ومن وجهة نظري أرى أنهم حققوا  عدة مطالب بهذه الخطوة

1-   لن يتركوا فرصة للرفاق القدامى  للزعم أنهم سرقوا جهدهم وتعبهم وأفكارهم  وجيروها لأنفسهم  ، فالراية علمانية بحتة  والناخب حر أمام صندوق الاقتراع . والرسالة واضحة لقد سلكنا طريقا آخر ولن ننافسكم في طريقكم  اسلكوه بمفردكم ، وهذا لايعني التخلي عن المباديء بل تغيير الوسائل فقط .
2-   لن يعطوا ذريعة للخصوم لاستئصالهم ومنعهم وإجهاض تحركاتهم ومشاريعهم بذريعة أنهم ينادون بتطبيق الشريعة أو يسعون لذلك  مع أن هذه التهمة لاتزال تلاحقهم ولكن الخصوم يجدون عنتا في اثباتها.
3-   فتحوا الباب على مصراعيه لاستقطاب القوى المحايدة في المجتمع للإنضمام إليهم  وسحب البساط من تحت أرجل الخصوم لتأليب هذه القوى أو استخدامها ضدهم ، أو على الأقل منازعتهم في استمالتها . باعتبار أن القوى المحايدة هي أكبر القوى الموجودة في كل المجتمعات  والتفوق رهن بمن يسيرها ويوجهها أو يجعلها تقف إلى جانبه كما يحدث في كل المجتمعات .
4-   استمالة الدعم الغربي إلى جانبهم بعد أن كان ضدهم ويحرك الحكومة والجيش لاستئصالهم في كل مرة  ( ونجحوا في ذلك بشكل كبير ووجد الجيش ممانعة أوروبية شديدة في المساس بهم  ).

وخاض حزب العدالة والتنمية  المعركة الانتخابية برؤية جديدة وتخطيط جديد وقبل ذلك وبعده  تأييد من الله ورحمة لبزوغ فجر جديد في بلاد الخلافة الغائبة  وكانت المفاجأة المدوية  اكتساح قوي للانتخابات أطاح بكل الخصوم  على جوانب الطريق .

ويمكن قراءة ملامح هذه التغييرات في المقابلة التي أجراها فهمي هويدي مع عبدالله جول حين ترأس الحكومة مؤقتا بعد الفوز الكاسح والذي سماه الجميع بالزلزال السياسي ريثما يزال الحظر عن أردوغان ليتمكن من رئاسة الحكومة
عبدالله جول وزوجته
(* كنت اعرفه منذ عقدين من الزمان، حين كان شابا متمردا، شديد الحماس والحيوية في صفوف الحركة الاسلامية، التي انخرط فيها وهو طالب يدرس الاقتصاد في جامعة اسطنبول، وبرزت حيويته منذ التحق بحركة «مللي جوريش» ـ الرؤية الوطنية ـ الامر الذي دفع العسكر الذين قاموا بانقلاب عام 1980 الى اعتقاله، وايداعه سجن «متريس» العسكري في اسطنبول. وفي داخل حزب الرفاه ترجمت حيويته الى مشاغبات وانتقادات لم تتوقف، ودعوة مستمرة الى التحديث والتطوير. وكان لافتا للنظر انه حين رشح نفسه لزعامة حزب «الفضيلة»، فان الملصقات التي وزعها حملت صورته، والى جوارها عبارة تقول: حماسة جديدة ـ دينامية جديدة ـ أمل جديد قبل ان التقيه كان لدي موعد مع أحد الدبلوماسيين المخضرمين في انقرة، السفير غونر اوزتك، الذي يدير مركزا لابحاث الشرق الاوسط والبلقان، وتطرق الحديث الى الرجلين الصاعدين في سماء السياسة التركية، رجب اردوغان وعبد الله غول، واستوقفني ان السفير اوزتك بدا مقتنعا بقدرة وكفاءة عبد الله غول، حتى اعتبره افضل من اردوغان، واستند في ذلك الى ثلاثة اسباب اولها هدوء عبد الله غول واحتفاظه بابتسامة على وجهه، في حين ان اردوغان سريع الانفعال ويمكن استفزازه بسهوله.
السبب الثاني ان غول خبرته اكبر واعمق في المسائل الاقتصادية والسياسية. وقد اكتسب خبرته الاقتصادية من اشتغاله لمدة ثماني سنوات خبيرا في بنك التنمية الاسلامي بجدة، اما كفاءته السياسية فقد اختيرت حين تولى حقيبة وزارة الدولة للشؤون الخارجية، وكان في الوقت ذاته متحدثا باسم الحكومة. وبالمقارنة فان خبرة اردوغان الاكاديمية محدودة، اما خبرته العملية فقد اكتسبها حين صار رئيسا لبلدية اسطنبول، وهي لا تتجاوز الشؤون الداخلية. اما السبب الثالث فهو ان غول يجيد اللغة الانجليزية الامر الذي يسر له التواصل المباشر مع الوفود الاجنبية دائمة التواجد والمرور بتركيا، في حين ان اردوغان يحتاج دائما الى مترجم ووسيط بينه وبين الاجانب.
مع ذلك فلا خلاف على شعبية اردوغان وجاذبيته في اوساط الجماهير التي نجح في مخاطبتها وكسب ثقتها وتعاطفها، الامر الذي يدعو كثيرين الى القول بأن كلا منهما بحاجة الى الآخر لكي تكلل المسيرة بالنجاح ـ فغول يحتاج الى شعبية اردوغان الجارفة، واردوغان يحتاج الى كفاءة وخبرة غول.
* قلت: لاحظت ان في الحكومة ستة وزراء تمتد اصولهم الى حزب الوطن الأم، الذي اسسه رئيس الوزراء الاسبق تورغوت اوزال.
ـ قال: هم اعضاء في حزبنا الان، ونحن لم نسأل من اين جاءوا، رغم اننا نعتبر ان تجربة حزب الوطن الام في عهد اوزال حققت نجاحات مشهودة وقدمت نموذجا يستحق الاحترام. وقد كان همنا في الاختيار هو ان تضم الحكومة اكفأ العناصر المتاحة، واكثرها احتراما لثوابت المجتمع التركي وقيمة الاساسية. ولم تكن الاعتبارات الايديولوجية هي الحاسمة في الاختيار.
حتى الوزيرة الوحيدة التي اختيرت لحقيبة السياحة اخترتموها غير محجبة؟
ليس ذلك مصادفة بطبيعة الحال، فالبلد له مشاكل اكبر بكثير من مسألة الحجاب
* الذي فهمته ان موضوع الحريات العامة أكثر تعقيدا، لانه محاط بمجموعة من الألغام والأسلاك الشائكة التي قد يتعذر اجتيازها، خصوصا في ما يتعلق بحريات المتدينين؟
ـ من حيث المبدأ لا نستطيع ان نكيل بكيلين في موضوع الحريات، ولا نستطيع ان نطلق حرية المتدينين ونقيد حرية غير المتدينين، لكن الأمر له أوجه أخرى، فقد تم إلغاء الطوارئ التي كانت معلنة في بعض المحافظات الكردية، ونحن نتقدم على طريق كفالة حرية التعبير والاجتماع واحترام الهويات الخاصة، واذا كنت تقصد بالحديث عن حريات المتدينين، ذلك الخط المفروض على الحجاب في الجامعات ومؤسسات الدولة، فقد قلنا مرارا ان هذا الملف ليس ضمن اولوياتنا، واضيف ان هذا الموضوع ينبغي ان يحل يوما ما بالتوافق والتراضي بين الاطراف المعنية، ولا ينبغي ان يظل معلقا في الرقاب أمدا طويلا، وسيظل من المستغرب ان تضطر بناتنا المحجبات إما الى السفر للدراسة في الدول الغربية التي تحترم حجابهن، أو الى البقاء في البيوت وعدم مواصلة تعليمهن.
* البعض يتحدث عن «أجندة سرية» لحزب العدالة، لم تظهر في البرنامج الذي قدمته الحكومة للبرلمان؟
ـ هناك من يصر على إساءة الظن بنا، ومنذ فاز حزبنا في الانتخابات والغمز مستمر فينا، ومحاولات الاصطياد في الماء العكر تلاحقنا، ذلك ان هناك اطرافا ومؤسسات لا يستهان بأمرها لها مصلحة في استمرار الفساد، وتغذت كثيرا بمصادرة الحريات، وتمارس نوعا من الإرهاب السياسي والفكري الذي عانينا منه طويلا في الماضي، ليست لدينا اجندة سرية، ولا ننكر ماضينا، وأوراقنا مكشوفة للجميع، سواء في البيان التأسيسي لحزبنا، أو في برنامجنا الانتخابي، أو في برنامج الحكومة الذي قدمته الى البرلمان، وهو ما يعني ان كل ما عندنا قلناه، بشفافية كاملة، وأنا أعتبر ان الضعفاء هم الذين يعلنون شيئا ويبطنون شيئا آخر فيما يوصف بأنه اجندة سرية، والاقوياء هم الذين يملكون شجاعة مصارحة المجتمع بحقيقة أفكارهم وأهدافهم بحيث يكشفون كل أوراقهم أمام الناس.
* مارسنا نقدا ذاتيا
* هل تعتبر ان خلفيتكم الاسلامية هي مصدر الشكوك المثارة والغمز من قبل البعض في مسألة الاجندة السرية؟
ـ قلت انه ليس لدينا ما نخفيه، والناس صوتوا لصالحنا وهم يعرفون من نحن، ونحن لا ننكر اننا مسلمون ملتزمون بديننا، شأننا في ذلك شأن ملايين الأتراك في هذا البلد، ولا ننكر اننا كنا يوما ما جزءا من حزب له توجهه الاسلامي، لكننا اعلنا على الملأ اننا طورنا من أفكارنا، بعدما تعلمنا من التجارب التي مررنا بها، ومارسنا نقدا ذاتيا لمسيرتنا وأفكارنا، وترجمنا موقفنا الجديد في برنامج حزبنا الذي اردنا به ان يكون حزبا محافظا يدفع عن القيم الاساسية في المجتمع، وينطلق من موقف المصالحة مع ما هو ثابت ومستقر، وليس الصدام او الاشتباك معه، واذا كان الاوروبيون قد أسسوا أحزابا ديمقراطية مسيحية، فلماذا لا نتأسى بتجربتهم في الديمقراطية ونشكل أحزابا ديمقراطية اسلامية، اننا نعارض فكرة الدولة الدينية، ولا نتحدث عن دولة اسلامية بالمفهوم الشائع، ولكننا ندعو لاقامة دولة ديمقراطية حقيقية تحترم حريات الناس وكراماتهم وعقائدهم، بغير تفرقة أو تمييز.
* قرأت لكم مرة قولا بأن العلمانية أسيء فهمها؟
ـ اننا نحترم دستور البلاد الذي ينص على الالتزام بالعلمانية، لكننا وجدنا ان المصطلح اصبح فضفاضا بحيث يحتمل تأويلات كثيرة وبعضها متعارض، بوجه أخص فهناك علمانية مخاصمة للدين وللحريات، وأخرى متصالحة مع الدين ومدافعة عن الحريات، ونحن مع هذه الأخيرة على طول الخط، ونرفض كل تطرف، اسلامي أو علماني.
* قلت انكم مارستم نقدا ذاتيا لتجربتكم في العمل العام، ماذا كانت أهم الثغرات التي تركز عليها ذلك النقد؟
ـ هذه مرحلة تجاوزناها، وأنا أفضل عدم العودة إليها مرة أخرى، متمنيا ان يظل نظرنا مصوبا الى الامام وليس الى الخلف، إذ فضلا عن ان اي متابع للشأن السياسي التركي يعلم كيف مارسنا ذلك النقد الذاتي وما هي خلاصاته، فانني لا أحب ان استعيد على صفحات الصحف نقدا لاشخاص أكن لهم الاحترام والتقدير، ولهم عطاؤهم المحمود على المستوى الوطني (اغلب الظن انه يشير الى تحفظه في انتقاد تجربة الاستاذ نجم الدين اربكان التي شاركوا فيها وكانوا جزءا منها).
* هل مارستم نقدا بالنسبة للحركات الاسلامية في العالم العربي؟
ـ لكل قطر خصوصيته، فما يصلح لتركيا قد لا يصلح لغيرها، والعكس صحيح، لذلك فغاية ما استطيع قوله في هذا الصدد ان على أهل كل بلد ان يبتكروا صيغة العمل العام التي تناسب بلدهم، ولهم ان يستفيدوا من تجارب غيرهم لكن ليس لهم ان يستنسخوها، وهذا بالضبط مانعناه في حزب العدالة والتنمية، الذي هو صيغة تركية نابعة من صميم خبرة الواقع.
هل هي مصادفة ان الـ13 نائبة اللاتي يمثلن حزب العدالة ليس بينهن واحدة محجبة؟
ـ ليست مصادفة بطبيعة الحال، ولكن ذلك كان مقصودا لتفويت الفرصة على الذين يريدون أن يفرضوا قضية الحجاب على رأس «الأجندة»، خصوصا اننا لنا خبرة سابقة في الموضوع استوعبنا درسها (يقصد تجربة السيدة مروة قاوا تجي التي انتخبت عن حزب الرفاه عام 1999، ودخلت لكي تحلف اليمين وهي محجبة، ولكن ذلك أحدث ضجة كبيرة انتهت باسقاط العضوية والجنسية عنها، بحجة انها كانت تحمل الجنسية الاميركية دون اذن، وكان السيد بولند آنذاك رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الفضيلة الذي ورث حزب الرفاه.
* 70% يؤيدون رفع الحظر
* لقد وعد حزب العدالة والتنمية الناخبين بأنه سيعمل على رفع الحظر عن الحجاب في دوائر الحكومة والجامعات؟
ـ لست الآن في مقام الحديث باسم الحزب، لان رئيس البرلمان تنقطع علاقته بحزبه بعد انتخابه، لكن الذي فهمته من ذلك الوعد أمرين، أحدهما انه لا يحتل أولوية في برنامج الحزب، وانما تتقدمه أمور أخرى أكثر أهمية للمجتمع، والثاني ان تلك الخطوة تأتي ضمن تأكيد ضمانات الحريات العامة، والحرية الدينية بينها بطبيعة الحال.
* لم أفهم لماذا العسكر مشغولون بالحجاب بالدرجة الأولى؟
ـ 70 في المائة من الشعب التركي يؤيدون رفع الحظر عن الحجاب، طبقا لقياسات الرأي العام التي جرت، ومع ذلك هناك لائحة منعت الحجاب في الدوائر الرسمية، ثم جرى التوسع في الحظر حتى شمل الجامعات أيضا، والموضوع عرض على المحاكم التي قررت انه ليس في الدستور ما يمنع النساء من ارتداء الحجاب، وكل ما هو موجود في مسألة الزي يتعلق بالرجال وحدهم، علما بأن أم كمال اتاتورك زبيدة هانم وزوجته لطيفة هانم كانتا محجبتين.
* هل هناك احتجاج بقوانين الثورة وتقاليد العلمانية؟
ـ ليس في قوانين الثورة شيء يخص حجاب المرأة، أما تقاليد العلمانية فالذي أفهمه ان النظام العلماني كما هو واضح في الدستور التركي يكفل حرية العقيدة والعبادة، ولكن البعض يؤمنون بعلمانية لا دينية تناصب مظاهر التدين العداء، وهؤلاء يريدون أن يفرضوا آراءهم على تركيا التي تصل نسبة المسلمين فيها الى 98 في المائة وهذا غير مقبول بمعايير العقل والمنطق والديمقراطية وحقوق الانسان
في ظل الاغلبية التي يتمتع بها حزب العدالة في البرلمان، فان المعارضة لن تكون فعالة، ولن تستطيع ان توقف شيئا لحكومة الحزب، هل تتوقع ان تنشط المعارضة خارج البرلمان، في الشارع أو عبر وسائل الاعلام مثلا؟
ـ لا أظن ذلك ولا أتمناه، وحوارات البرلمان لا تتم داخل صندوق مغلق، وإنما تعرض تفاصيلها يوميا على الرأي العام الذي يفترض انه لن يكون معزولا عن القضايا والملفات التي تناقش، والنواب في البرلمان يفترض انهم يمثلون الشارع ويعبرون عن صوته، ذلك انهم نواب عن الشعب أساسا وليسوا نوابا عن الحزب فحسب.
* في ظل وجود أغلبية للحزب في البرلمان، فان الرقابة على الحكومة ـ التي هي حكومة الحزب ـ قد تصبح عديمة الجدوى، لانها ضامنة للأغلبية في كل الأحوال؟
ـ لا نريد أن نلغي دور المعارضة داخل البرلمان، ولا دور الرأي العام الذي يتابع ما يجري، وقد صوت الناس للحزب وأتوا بهذه الحكومة أملا في اصلاح ما فسد في البلاد، واذا لم تكن عند حسن ظنهم فانهم سوف ينصرفون عنها ويعاقبونها في الانتخابات القادمة، ونحن بحاجة الى حكومة قوية لكي تنهض بمسؤولياتها وتفي بما وعدت، وأحسب ان الحكومة الراهنة مؤهلة لذلك، على عكس الحكومات الائتلافية السابقة التي كانت مرشحة للسقوط في أي وقت ) المصدر: جريدة الشرق الأوسط

وهذه مقابلة أخرى مع سليمان ديميريل السياسي المخضرم  عن الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية يبين بعض أسباب هذا الفوز التاريخي
( كان الرئيس السابق سليمان ديميريل عائدا لتوه من اثينا، حيث شارك في اجتماعات النادي السياسي البلقاني، الذي القى فيه محاضرة عن دور دول البلقان في الاتحاد الاوروبي. وبمجرد ان دخلت عليه مكتبه ابلغني انه اعطاني 45 دقيقة من وقته، بسبب ازدحام برنامجه وكثرة ارتباطاته. وقد فاجأتني حيوية الرجل وقوة ذاكرته وحدة ملاحظاته، وهو على ابواب الثمانين من العمر، ويقاتل في حلبة السياسة التركية منذ اربعين عاما تقريبا، منذ انتخب رئيسا لحزب «العدالة» وعين رئيسا للوزراء في عام .1965 ليس ذلك فحسب، وانما لاحظت خلال الفترة التي قضيتها في انقرة واسطنبول ان الرجل لايزال له حضوره اللافت للنظر في الاعلام التركي، الذي لا يزال يتعامل معه بحسبانه احد المراجع السياسية، رغم اللغط حول تقلب مواقفه في رحلته الطويلة. وقد انتقد ذلك التقلب المفكر الليبرالي التركي البارز محمد ألثان الذي قال ذات مرة ان كل كلمة قالها ديميريل، يمكن ان تجد عكسها اثناء عمره السياسي المديد.
لان عمره من عمر الجمهورية التركية تقريبا (ولد عام 1924 والجمهورية اعلنت في عام 23) فقد سألته عما اذا كان يعتقد ان الجمهورية بعد انتخابات الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) تعد انعطافا في مسيرة الجمهورية فقال: افضل ان اسميها دفعه وليست انعطافا. فالانعطاف فيه معنى تغيير المسار أو الانحراف عن الطريق المرسوم. في حين انني اعتبر ان الدفعه خطوة الى الامام. لان الانتخابات تعد نقلة مهمة في اطار مسيرة الجمهورية. ان شئت فقل إن الانتخابات بمثابة عملية لتجديد شباب الجمهورية، لان مختلف الشواهد كانت تدل على ان الجمهورية شاخت وترهلت، من جراء ممارسات حكوماتها التي تعاقبت في الآونة الاخيرة.
* المجتمع عاقب السلطة
* ما الذي تعنيه بالشيخوخة والترهل؟
ـ الذي افهمه ان مهمة الحكومة هي خدمة مصالح الناس وتوفير ضمانات الاستقرار والرفاهية والأمن لهم. ومشكلة الحكومات التي تعاقبت على السلطة خلال السنوات الاخيرة انها كانت معزولة عن الناس، ولذلك فانها لم تستطع ان تدرك معاناتهم التي تزايدت عاما بعد عام. وكانت النتيجة ان المجتمع استاء من السلطة وصب كل غضبه على الطبقة السياسية بأسرها. ليس ذلك فقط، وانما الاخطر منه ان نقد الناس للساسة ذهب الى ابعد، حيث بدأوا ينتقدون الديمقراطية ذاتها. وحين تصل المسألة الى ذلك الحد فإننا نصبح على شفا أزمة اكبر من ان تطوقها الحكومة ولا الطبقة السياسية كلها. وتقديري أن اجاويد (يقصد رئيس الوزراء السابق بولند اجاويد) لم تغب عنه تلك الحقيقة، لأنه وصف الدعوة الى اجراء انتخابات نيابية جديدة بأنها بمثابة انتحار للحكومة. وهذا ما حدث بالفعل فما حدث كان بركانا سياسيا انفجر في وجوه الجميع، وقلب المعادلة السياسية تماما.
* الا يبرر ذلك وصف ما جرى بأنه انعطاف في مسيرة الجمهورية؟
ـ ما زلت ارفض هذا الوصف، واتمسك باعتبارها دفعه دماء جديدة في شرايين الجمهورية، لأن الانتخابات اسفرت عن فوز حزب شاب لم يتجاوز عمره خمسة عشر شهرا بقيادات شابة بين الاربعينيات والخمسينيات من العمر، وبينهم وزير عمره 34 عاما فقط. وهذا شيء جيد. ثم لا تنسى ان 90% من اعضاء البرلمان السابق لم ينتخبوا في البرلمان الجديد، اذ اعيد انتخاب 50 منهم فقط، بينما دخل البرلمان 500 نائب جديد. وهو دليل اخر على نجاح عملية تجديد دماء السلطة.
* هل تعتبر ذلك نجاحا للمجتمع أم لحزب العدالة أم للنظام الجمهوري؟
ـ كلهم نجحوا والطبقة السياسية التقليدية هي التي رسبت وهزمت. وازعم ان الفائز الاول هو المجتمع الذي حسم الامر، وقرر ان يعاقب فريقا وان يعطي الفرصة لفريق آخر. ولا أخفي انني كنت اخشى ان يبلغ الغضب بالناس مداه، بحيث يعزفون عن المشاركة في التصويت. ولكن ذلك لم يحدث ولله الحمد. فقد شارك في الاقتراع 75% من الناخبين (عددهم 41 مليونا والذين امتنعوا عن التصويت قرابة 10 ملايين) . واكاد اقول ان النتيجة جاء تقريعا وعقابا للحكومة السابقة باكثر منها حماسة للفريق الجديد. الذي لم يختبر من قبل. كأن الناس ارادوا ان يقولوا ان أي شيء غير الموجود لابد ان يكون افضل منه.
* لا يهددون العلمانية
* هل معنى ذلك ان المجتمع لم يصوت لبرنامج حزب العدالة والتنمية؟
بالدرجة الاولى هذا التصويت احتجاجي اذا جاز التعبير. لكننا لا نستطيع ان نتجاهل عوامل اخرى اسهمت في فوز الحزب، منها مثلا ان بعض قادته لهم تاريخ ويتمتعون بشعبية واسعة وسمعة جيدة (في المقدمة منهم طيب اردوغان الذي نجح كرئيس لبلدية اسطنبول وكانت ملصقات الدعاية الانتخابية للحزب تحمل صورته مكبرة والى جواره رمز الحزب «مصباح» رغم ان الرجل كان ممنوعا من ترشح نفسه). من ذلك ايضا ان الناس تعاطفوا مع قيادة الحزب التي تعرضت للمتاعب من جانب السلطة (اردوغان سجن لمدة اربعة اشهر)، فضلا عن هذا وذاك فالحزب قام بحملة دعائية ناجحة ووصل الى قاع المجتمع في مختلف انحاء تركيا. ) المصدر: جريدة الشرق الأوسط

مابعد الفوز الانتخابي
كان الفوز بالأغلبية في الانتخابات بداية النجاحات والتمكين ولكن تركة ثقيلة في الانتظار كما أن العام القادم 2003 م سيكون عام الغزو الأمريكي للعراق كما أنه سيكون عام الخطة الفاشلة لبعض قيادات الجيش للانقلاب على حكومة العدالة والتنمية ( عرف هذا فيما بعد )
وبدأ الحزب في تطبيق خططه لانتشال البلاد من الفساد الذي أغرقها وحقق نجاحات كبيرة  في المجال المالي والاقتصادي .
ولكن التحرك الأهم كان لمواجهة  التمدد الكبير للجيش والقوى العسكرية في الحياة السياسية  لدرجة كاد أن يخنقها أو خنقها بالفعل  .
وهاهنا لابد من كلام مفصل عن الجيش وتدخلاته  يحدثنا بها فهمي هويدي
( الذي لا شك فيه أن الظروف التي أحاطت بتركيا أعلت من شأن الجيش، وجعلت منه عامل الرجاء والأمل، تتمثل تلك الظروف في الموقع الاستراتيجي لتركيا بين آسيا وأوروبا، الأمر الذي حولها إلى إحدى ساحات التنازع والصراع طيلة سنوات الحرب الباردة، تتمثل في عمق التمايزات داخل تركيا ذاتها، التي تضم أكرادا وعلويين وسنة وشيعة، ومسلمين ومسيحيين ويهودا ومتدينين وعلمانيين ومؤمنين وملحدين، إضافة الى ذلك فإن الانقلاب الذي أحدثه كمال اتاتورك ضد الدولة العثمانية، وأدى الى تحويل تركيا من معقل للخلافة الإسلامية إلى دولة علمانية نافرة من الدين ومخاصمة له، هذا الانقلاب كان الجيش أداته، وظل طول الوقت حاميا له، حتى بات مستقرا في الضمير العام أن للجيش دورا مقدسا في الداخل يتمثل في الدفاع عن الجمهورية ضد الدعوات الانفصالية (يقصد بها الأنشطة الكردية) والرجعية (إشارة إلى التوجهات الإسلامية)، وهو ما يعني أن الجيش لم تكن رسالته مقصورة على الدفاع عن الجمهوريين ضد العدوان الخارجي فحسب، ولكنه حمل أيضا بمسؤولية حماية الجمهورية في الداخل، عبر ضمان استمرار النظام العلماني الذي اصبح «دينا» للمجتمع، لا يسمح بالمروق منه.
إلا أن عسكرة المجتمع التركي لها خلفية أبعد من المرحلة الكمالية، لأن الروح العسكرية تمثل جزءا من الهوية التركية، وركنا في بنية الشخصية التركية، ولذلك فإن كتب التاريخ تسجل للدولة العثمانية انها كانت «عسكرية جهادية»، الأمر الذي جعل لها في الفتوحات باعها المشهود وأدى إلى تأليب دول العالم الغربي عليها، واحتشادها ضدها، ومن ثم احتيال فرصة ضعفها وشيخوختها، لتحطيم قوتها العسكرية واقتسام الامبراطورية الواسعة التي بنتها.
حتى الآن تحتفل تركيا بتأسيس قوتها البحرية عام 1750، وحتى الآن لا يزال الجيش يطلق عليه «جيش محمد» عليه الصلاة والسلام. ورغم علمانية الدولة، فان القدسية التي جرى إضفاؤها على دور الجيش فرضت له هذا الاسم وحفظته له حتى الآن، ولم يتعارض ذلك في تقدير قادة الجيش مع التصفيات الدورية التي دأبوا على القيام بها بين الحين والآخر «لتطهير» الجيش من الضباط والجنود المتدينين، بحجة أنهم يمثلون خطرا أصوليا ورجعيا يهدد النظام العلماني.
حتى الآن أيضا لا يزال الالتحاق بالجيش يمثل مناسبة جليلة يحتفي بها الناس حتى حولوها إلى عرس رمزي تسير فيه المواكب وترفع الأعلام وتعزف الموسيقى تعبيرا عن البهجة والاعتزاز، وثمة مشهد تقليدي يطالعه الناس في اسطنبول مرتين كل عام، لا أعرف له مثيلا في أي بلد آخر، ذلك ان الذين يحل عليهم الدور في الالتحاق بالقوات المسلحة وقضاء فترة التجنيد، يسلمون أنفسهم خلال أسبوع بعد كل ستة أشهر، وخلال ذلك الأسبوع تأتي مواكب السيارات من مختلف أنحاء البلاد حاملة الشبان الذين سيلتحقون بالجيش، وقد أحاطتهم مختلف مظاهر البهجة، وتتوجه الى الموقع الذي تنتظر فيه حافلات الجيش لنقل أولئك الشبان الى معسكرات التجميع والتوزيع. وإذ تحفل المدينة بتلك المواكب، فإن المشهد الذي يراه الناس خلال الأسبوع يكاد يكون قريبا من الصورة التي نراها في بلادنا حين يحل موسم الحج، ويتقاطر الناس من مختلف أنحاء البلاد متجهين الى المطار الدولي لتوديع الحجاج.
* صار دولة داخل الدولة
* هذه الخلفيات حولت الجيش الى دولة داخل الدولة، بل الى الحكومة الخفية للدولة التركية، حتى أصبح اللاعب الأساسي في الساحة السياسية. ورغم ان أنشطته ظلت تمارس في الخفاء وبعيداً عن الأعين، فإنه خلال العقود الأربعة الأخيرة قام بثلاثة انقلابات أطاحت بحكومات لم يرض عنها، كما قام بانقلاب أبيض لذات السبب.
العالمون ببواطن الأمور بين عناصر النخبة التركية لديهم حكايات وتفصيلات كثيرة ومثيرة عن اختراقات الجيش وأصابعه في مختلف الأنشطة، السياسية والإعلامية والثقافية والفنية والاقتصادية، بل وبعض الأنشطة الدينية أيضا، ذلك أن دور «الحارس» الذي باشره طيلة العقود الماضية جعل له «أعينا» وحضورا في كل مكان. ومن جراء ذلك فإنني لم استغرب أن كل الذين حدثوني في الموضوع كان لهم شرط واحد اشترطوه علي قبل أي كلام، هو ألا أذكر أسماءهم.
إزاء ذلك الانتشار القوي في تضاعيف المجتمع التركي، فإن مختلف الصراعات والدسائس السياسية كانت أطرافها تحاول الاستقواء بالجيش أو الاحتماء به، والذين يعارضون حكومة حزب العدالة والتنمية الراهنة وجدوا بابا سهلا لتحريض الجيش واستنفاره، تمثل في الغمز المستمر في الخلفية الإسلامية لقادة الحزب، إذ رغم أن هؤلاء ما برحوا يعلنون التزامهم بالنظام العلماني، ويؤكدون أنهم لا يفكرون في اقامة أي نظام إسلامي في تركيا، فان ذلك لم يشفع لهم، لأن «الخلفية» الإسلامية تظل «نقطة سوداء» لا تنمحي في عرف النخبة العلمانية، التي تعي جيدا حقيقة أن هذه المسألة بالذات هي أكثر ما يهيج الجيش ويستنفره.
طيلة السنوات الماضية، ظل الجيش يراقب سلوك الجماعات والشخصيات البارزة، ويعطي لنفسه حق تفتيش مقار المنظمات الأهلية، خصوصا بعدما أحدثت الظاهرة الإسلامية صداها المفترض في شرائح المجتمع التركي، شأنها في ذلك شأن المجتمعات الأخرى، ولم تقتصر جهوده الاستئصالية على الجانب العسكري، ولكنه مارس تلك السياسة حتى في المجالات الثقافية والاقتصادية فضلا عن السياسية. ولا يزال قرار منع حجاب الفتيات المعمول به في مختلف مؤسسات الدولة والمعاهد العلمية، هو قرار الجيش أساسا، الذي اعتبر قادته أن ما يحمله من رمز يمثل مسمارا في نعش النظام العلماني. صحيح ان رئيس الجمهورية احمد نجدت سزر من غلاة المتعصبين ضد الحجاب، وهناك قطاع لا يستهان به من الزعامات والرموز التركية يناصب الحجاب العداء، إلا ان ذلك كله في كفة وموقف قيادة الجيش في كفة أخرى، واذا غير الجيش موقفه من القضية فإن كل المعارضات الأخرى لن تكون لها قيمة تذكر.
* ضغوط الاتحاد الأوروبي
* غير أن دولة الجيش ما كان لها أن تستمر إلى الأبد، وحين اقتربت تركيا من الاتحاد الأوروبي وأصرت على أن تدخل عليه من بابه، فإن ذلك كان يعني خروج دولة الجيش ـ تدريجيا ـ من الباب ذاته، ذلك أن دول الاتحاد الأوروبي المدنية العلمانية، ما كان لها أن تقبل عضوا جديدا بمواصفات النموذج التركي، العلماني والديمقراطي والمدني من ناحية، والخاضع للعسكرة من ناحية ثانية. وبسبب ذلك كان انسحاب الجيش من الحياة المدنية والسياسية أحد الشروط الأساسية التي وضعها الاتحاد الأوروبي لتأهيل تركيا للانضمام إلى ناديه، ولم يكن ذلك أمرا سهلا، لأن النظام التركي، اضافة الى الادراك العام، تعاملا مع الجيش باعتباره مؤسسة ذات وضع خاص، مسؤولة عن مصير البلد ونظامه الجمهوري العلماني، وتخليه عن هذه المسؤولية يعني تعريض مصير البلاد للخطر.
مع ذلك، لم يكن هناك بد من التراجع عن كل ما تم التعارف عليه في هذا الصدد، ومن ثم قطع علاقة الجيش بالسياسة، وإعادته الى ثكناته ليؤدي الدور الاحترافي الذي يقوم به الجيش في الأقطار الأوروبية، وهو تراجع ساعدت عليه عوامل ثلاثة
 أولها التأييد الشعبي الجارف لجهود الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، الأمر الذي هيأ جوا نفسيا قابلا لفكرة تقليص دور الجيش اذا كان ذلك ثمنا ضروريا لبلوغ الهدف المنشود
 العامل الثاني تمثل في ترحيب الحكومة تساندها أغلبية برلمانية معتبرة بتقليص دور الجيش، وهي التي جاءت الى السلطة عبر تأييد شعبي كبير، ورغما عن تحفظ بعض قيادات الجيش التي لم تسترح للخلفية الإسلامية لقادة حزب العدالة.
أما العامل الثلاث والمهم فكان تولي الجنرال حلمي اوزكوك منصب رئاسة أركان القوات المسلحة، وهو عسكري محترف ومتوازن، ليس محسوبا على غلاة العلمانيين، رغم تمسكه باستمرار الخط العلماني، واعتدال الرجل ساعد على تفهمه وتجاوبه مع طلبات الاتحاد الأوروبي، كما ساعد على إقامة علاقة إيجابية بينه وبين رئيس الوزراء طيب رجب أردوغان.
كان من شأن هذه الملابسات أن مرر البرلمان التعديلات القانونية التي طلبها الاتحاد الأوروبي، وتؤدي إلى إخراج الجيش بصورة تدريجية وكريمة من ملعب السياسة، كما استقبلت رئاسة الأركان تلك التعديلات واستوعبتها بهدوء، من دون أن يظهر ـ على السطح على الأقل ـ أي اعتراض عليها أو تذمر منها (علما بأنه من الطبيعي أن يكون بين كبار ضباط القوات المسلحة من ضاق صدره بتلك التعديلات ولم يستطع استيعابها).
* في الضوء لأول مرة
* كان من جراء ذلك التحول أن حدث ما يلي:
* تم الحد من نفوذ الجيش في مجلس الأمن القومي، الذي كان بمثابة الحكومة الخفية في تركيا، وتمثل ذلك في تقليل عدد ممثلي القوات المسلحة بين أعضائه، كما تولى أمانة المجلس موظف مدني بدرجة سفير في وزارة الخارجية، وهذه خطوة غير مسبوقة في تاريخه، لأنه منذ إنشائه يمثل المؤسسة العسكرية، ويتولى الأمانة فيه أحد جنرالات الجيش.
* لأول مرة أيضا أزيلت السرية والغموض عن أعمال المجلس وسمح لوسائل الإعلام التركية والأجنبية بمتابعة اجتماعاته وعرض جدول أعماله، كما سمح بالبث المباشر للمؤتمرات الصحافية التي يعقدها بعض قادة الجيش، وهي الإجراءات التي تعني أن أنشطة المجلس خرجت من الظل إلى النور، ولم يعد هناك مبرر لإحاطتها بالتكتم والغموض، وهي خطوة مهمة على صعيد «تطبيع» علاقات مجلس الأمن القومي مع المجتمع.
* أصبحت ميزانية الجيش خاضعة للرقابة البرلمانية والمحاسبية والقضائية، وذلك بدوره يحدث لأول مرة، مع المؤسسة العسكرية التي لم تكن دولة داخل الدولة فحسب، وإنما كانت فوق الدولة أيضا، وبالتالي فإن إنفاقها وميزانياتها لم تكن تخضع لأي مراجعة أو حساب.
* في سابقة لم تحدث أيضا، اعتذر رئيس الأركان علنا إلى الرأي العام التركي عن قيام «الجندرمة» وهي قوات أمن شبه عسكرية تتبع الجيش، بالتنصت والتجسس على بعض الشخصيات التركية والأجنبية. ورغم ان العملية من قبيل الممارسات التي اعتاد الجيش أن يقوم بها في السابق، فانه حين اختلفت الأجواء وأثير الموضوع في البرلمان وفي وسائل الإعلام المختلفة، فإن الجنرال اوزكوك سارع إلى إعلان الاعتذار، الأمر الذي كان مثار تعليقات واسعة النطاق تحدثت عن طي صفحة قدسية تصرفات الجيش وحصانتها ضد أي نقد أو حساب.
* في ظل الوضع الذي استجد، أصدر رئيس الأركان تعليمات ببدء حملة لمكافحة الفساد داخل صفوف الجيش، الأمر الذي أدى إلى إجراء التحقيق مع عشرات الضباط، ولم يستثن الجنرالات الكبار منهم، حتى أن قائد القوات البحرية الأسبق، الأدميرال الهامي ارديلو، قدم إلى محاكمة علنية بتهمة التربح من منصبه، وهي خطوة غير مسبوقة، لأن أمثال أولئك القادة كانوا يتمتعون بحصانة لا تسمح لأحد بمساءلتهم، حتى بعد تركهم الخدمة.
الشاهد أنه خلال السنتين الأخيرتين، اللتين تولى فيهما حزب العدالة السلطة، اتُّخِذت خطوات عدة لتقليص دور الجيش في الحياة السياسية، وتواترت الإشارات الدالة على أن عصره الذهبي قد وَلَّى، وأن شبح الانقلابات العسكرية لم يعد واردا، وأن الجيش بصدد أن يصبح مؤسسة تنفذ القرارات السياسية ولا تصنعها، واذا كان ذلك التزاما بالنهج الإصلاحي الذي اشترطه الاتحاد الأوروبي، فانه لابد أن يحسب لرئيس الأركان الجنرال اوزكوك ادراكه للظرف التاريخي وتجاوبه مع المتطلبات التي تفرضها اعتبارات ترتيب الالتحاق بالاتحاد الأوروبي.
اللافت للنظر أن هذا السلوك استقبل بترحاب شديد من المجتمع التركي، وعزز مكانة الجيش في الضمير العام، وهو ما أظهرته استطلاعات الرأي العام، التي بينت أنه يأتي في مقدمة المؤسسات التي يثق بها الأتراك، متقدما في ذلك على مؤسسة الرئاسة والحكومة والبرلمان والقضاء.) المصدر: جريدة الشرق الأوسط








زلزال حرب العراق
وما أطل عام 2003م حتى بدأت طبول الحرب على العراق تقرع  وكان التركيز الأمريكي  والخطط على أن غزو العراق سيبدأ من الأراضي التركية  وأن حكومة العدالة والتنمية ستسهل مهام أمريكا باعتبار أن الجيش يمسك بمفاصل الدولة وهو الآمر الناهي من خلف الستار ولكن لم يكن يدور بخلد الأمريكان أن الوضع بدأ يتغيير وأن مد الجيش في الحياة السياسية آخذ في الانحسار .
وطلب من حكومة العدالة والتنمية السماح  للقوات الأمريكية بالعبور عبر الأراضي التركية  وكان أردوغان في وضع لايحسد عليه  فهو لايرغب أن يتخذ مثل هذا القرار الظالم الذي يفتقد للشرعية الدولية والجيش رمى الكرة في ملعبه  فما كان منه _ في إلهام وتسديد من الله _ إلا أن أحال الأمر للبرلمان للبت فيه وليتحمل الشعب كله مسؤولية القرار  وكان البرلمان في السابق  شبه ميت بسبب سطوة الجيش وهيمنته فكان عبارة عن واجهة ورقية لتمرير القرارات  ولكن الدماء الجديدة التي دخلت البرلمان أعادت إليه الروح  ورفض البرلمان السماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية  وحدث زلزال آخر كاد يعصف بالأمور وثارت ثائرة الأمريكان وغضب الجيش ولكنه لم يتسرع في اتخاذ اجراء ضد الحكومة بسبب معارضة الاتحاد الأوروبي لغزو العراق وموقف البرلمان جاء مرضيا للدول الأوروبية ( ويبدو أن الخطة للانقلاب على الحكومة كانت جاهزة لولا أن الأحداث أخذت منحى آخر ) فقد أعيد الأمر للتصويت عليه مرة أخرى وسيستغرق ذلك بعض الوقت 000 وكانت العمليات العسكرية قد بدأت من جبهة الخليج ضد العراق  وقبل أن تستفحل الأزمة في وجه أردوغان أتاه الفرج من الله  فقد حسم الأمريكان حرب العراق وسقطت بغداد  ولم يعد هناك أهمية كبيرة للجبهة التركية  ومرت العاصفة وخرج أروغان من عنق الزجاجة

ويحدثنا فهمي هويدي عن ملابسات تلك الفترة العصيبة
( كل الأعاصير التي تضرب جنبات تركيا في كفة، واعصار احتلال العراق في كفة أخرى، تعتبرها أنقرة أثقل وأخطر. فما يحيق بالشيشانيين والآذريين والبوسنيين والأتراك في بلغاريا واليونان، ذلك كله له صداه في أنقرة، والذي تتعامل معه من باب المسؤولية الأدبية، حتى قبرص التركية، التي هي محل نزاع منذ ثلاثين عاماً يصنف اهتمام أنقرة بها بحسبانه نوعاً من الحفاظ على الكبرياء الوطني. أما ما جرى ويجري في العراق فهو أمر يتجاوز كل ذلك، من حيث أنه يمس صميم الأمن القومي للبلد، لماذا؟
لأن العراق جار، شأنه في ذلك شأن ايران وسورية، وهو مثلث مستهدف من قبل الولايات المتحدة، التي تمكنت من ضلعه العراقي، وبقى الضلعان الآخران، المرشحان للتسخين والالتهاب في أي وقت. ومنذ حط الأميركيون رحالهم في العراق، فإن السؤال الملح على كثيرين هو متى ـ وليس هل ـ يجيء الدور على سورية وايران. وحين يكون الأمر على ذلك النحو، فإن تركيا لا تستطيع أن تستشعر استرخاء ولا اطمئناناً، لأن ثمة حريقاً على جبهتها الشرقية، وذلك أمر مزعج بكل تأكيد، ثم أن اتساع رقعته وارد دائماً، وهو ما يضاعف الإزعاج والقلق.
* كيان الأكراد شبه مستقل
* ولأن ثمة كياناً للأكراد شبه مستقل في شمال العراق، تشكل تحت الحماية الأميركية منذ بداية التسعينات ـ بعد الانسحاب العراقي من الكويت ـ وبعد أن توفرت لذلك الكيان مختلف مؤسسات الدولة من حكومة وجيش وشرطة وبرلمان، تشبعت الأجيال الجديدة بفكرة الانفصال (90% صوتوا للانفصال في استطلاع غير رسمي جرى خلال الانتخابات العراقية الأخيرة). وقيام ذلك الكيان ـ اذا تم ـ فإنه لا بد أن يكون له صداه في تركيا، التي يعيش فيها أكثر من ثلاثة أضعاف عدد أكراد العراق (12 مليون نسمة تقريباً) ـ يسكنون في أغنى المناطق الزراعية وأوفرها في مصادر المياه. ولأن حزب العمال الكردستاني (التركي) رفع شعار الانفصال يوماً ما، ولا يزال ما بين 5 إلى 6 آلاف مسلح من عناصره، يتمركزون في شمال العراق، فإن أي تحريك للملف الكردي في ذلك الاتجاه يعني الكثير بالنسبة للأمن القومي التركي. وهذا «الكثير» يتضمن أموراً عدة، بعضها يهدد الأمن والسلم الإقليميين. ولأن في العراق «تركماناً» ـ حوالي مليونين ـ يرتبطون بعلاقة نسب مع تركيا، ويعتبرون أن حمايتهم في مسؤوليتها، اذا لم توفر في العراق سلطة تحميهم، وهم معرضون للطرد والتهجير، خصوصاً من مدينة كركوك التي شكلوا فيها أغلبية على مدار التاريخ. وبسبب وجود النفط فيها فإن الأكراد يتطلعون إلى الاستيلاء عليها، وهو ما حدث إلى حد كبير الآن، ويتمسكون باعلانها عاصمة لكردستان العراق، وتذهب دعايتهم إلى القول إن كركوك عند الأتراك كما القدس عند اليهود.
عند الحد الأدنى فثمة مسؤولية سياسية وأخلاقية تتحملها تركيا ازاء أولئك التركمان الذين أصبح وجودهم مهدداً بعد انهيار الدولة العراقية وانفراط عقدها.
ولأن العراق بالنسبة لتركيا سوق كبير ـ تأتي بعد سورية ـ في الأهمية بين دول المحيط، ومن شأن انتعاش تلك السوق أو غلاقها أن يؤثر ذلك ايجاباً أو سلباً على الاقتصاد التركي.
أخيراً، فإن صحت التوجهات الأميركية الداعية إلى اقامة ما سمي بالشرق الأوسط الكبير، وتلك التي تتحدث عن تسويق «النموذج التركي» ومحاولة تعميمه، فمعناه أن تركيا بصدد التعامل مع خريطة جديدة للشرق الأوسط، فضلاً عن دفعها إلى أداء دور لا تتمناه، الأمر الذي يضيف عبئاً جديداً على أولويات العمل الوطني، يراد له أن يوظف لصالح الولايات المتحدة في نهاية المطاف.
* زلزالان ضربا تركيا
* كل واحد من تلك الأسباب التي مررنا بها يصلح وحده لكي يمثل تهديداً للأمن القومي التركي، فما بالك بها اذا اجتمعت في حزمة واحدة؟
سمعت أكثر من واحد يقول إن تركيا تعرضت لزلزالين سياسيين منذ حلت الألفية الجديدة; الأول تمثل في الفوز الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2002، وهو الذي أعاد الهدوء والاستقرار والأمل إلى الوضع الداخلي، أما الثاني فقد كان احتلال العراق (في ابريل (نيسان) عام 2003)، الذي قلب المعادلات التركية وأشاع الاضطراب والحيرة في أوضاعها الخارجية.
لقد كانت أنقرة من العواصم التي اهتزت بشدة حين تأكد لديها أن غزو الولايات المتحدة للعراق أصبح أمراً لا مفر منه. ولذلك تحركت بسرعة في كل الاتجاهات للحيلولة دون وقوع ذلك الاحتمال. يذكر عبد الله غول نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية أنه كتب خطاباً إلى الرئيس صدام حسين صارحه فيه بحقيقة الخطر المحدق الذي يهدد العراق وينذر بعواقب وخيمة تعم المنطقة بأسرها. وقال إن النظام العراقي الديكتاتوري غير مدرك لما يدبر ويرتب للعراق بشكل جاد في العالم الخارجي، بعدما أصبحت سمعته في الحضيض، مضيفاً أنه إذا كان النظام قد صم آذانه عما يجري في العالم، فمن مصلحته أن يستمع إلى صوت أصدقائه الحريصين على سلامة العراق، والقلقين على سلامة المنطقة بأسرها، وتمنت الرسالة على الرئيس صدام أن يستجيب لطلبات الأمم المتحدة، وألا يمضي في طريق التصعيد والمعاندة، حتى يفوت على الأميركيين امكانية الاحتجاج بموقفه والقيام بعمل عسكري ضد العراق.
رسالة المصارحة هذه حملها مبعوث تركي خاص ـ بدرجة وزير ـ وسلمها إلى الرئيس العراقي السابق الذي قرأها ولم يستجب لشيء مما تضمنته. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وانما رتبت الحكومة التركية زيارة سرية لنائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان، ونقلت إليه تحذيراتها، وكررت رجاءها بأن يعمل العراق على تفويت فرصة القيام بعمل عسكري ضده، فكان رده ـ والكلام لا يزال لعبد الله غول: «انت تعرف أننا محاربون نستطيع أن نرد من يحاول الاعتداء علينا ونلقنه درساً قاسياً».
كانت أنقرة قد أبلغت تحفظاتها واعتراضاتها على الغزو إلى الأميركيين بالطرق الدبلوماسية، إلا أن الرئيس التركي، أحمد نجدت سزر، عبر عن معارضته علناً في تصريحات صحافية أزعجت الادارة الأميركية، التي لم تنسها له (تبدى ذلك لاحقاً حين زار الرئيس جورج بوش أنقرة العام الماضي (2004) وبدأ لقاءاته بزيارة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في مكتبه، قبل أن يزور رئيس الجمهورية كما يقضي البروتوكول)
 في الوقت ذاته، قام أردوغان ونائبه عبد الله غول بجولات مكوكية زار خلالها أهم العواصم الأوروبية والآسيوية لاستطلاع الرأي وللتشاور حول الموضوع (الدكتور أحمد داود أوغلو المستشار السياسي لرئيس الجمهورية قال إن جولاتهما شملت 15 دولة)، أما مجلس الأمن القومي التركي فقد كان في حالة اجتماع مستمر لبحث الموقف من كافة جوانبه واحتمالاته، من زاوية المصالح التركية.
* ثمن الموافقة والاعتراض
* كان الموقف دقيقاً وحرجاً للغاية. هكذا قال فهمي كورو، كبير محرري صحيفة «بني شفق» (الفجر الجديد، القريبة من رئيس حزب العدالة والتنمية)، ذلك أن أنقرة كانت بين نارين. اذا سمحت للقوات الأميركية باستخدام الأراضي التركية في غزو العراق، فإنها سوف تكسب الولايات المتحدة وتخسر جيرانها الأوروبيين، الذين عارضوا الحرب، وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا. أما اذا رفضت الطلب الأميركي فإنها ستخسر علاقتها مع واشنطن وستكسب جيرانها الأوروبيين. الأمر الذي طرح على أنقرة السؤال التالي: مع من تقف في النهاية، مع أميركا أو مع أوروبا؟
كان رئيس الوزراء التركي ذكياً حين أحال الأمر إلى المجلس الوطني (البرلمان) ورغم أن رئاسة أركان الجيش تعد تاريخياً وتقليدياً صاحبة الكلمة الأخيرة في مثل هذه الظروف، فإنها تصرفت بحذر هذه المرة، نعم كانت هناك خلافات داخل مجلس الأمن القومي بين دعاة الاستجابة للطلب الأميركي وبين معارضيه، إلا أن رئيس الأركان الجنرال حلمي أوزكوكو رفض إبداء رأي معلن بشأن الغزو، وترك الأمر للحكومة، قائلاً إن الجيش ينفذ القرارات السياسية ولا يصنعها. وكان واضحاً في تلك الملابسات أن الجيش استشعاراً منه لدقة الموقف ألقى بالكرة في ملعب الحكومة. وان الحكومة آثرت أن تقذف بها إلى مرمى البرلمان، لكي يتصدى للأمر ممثلو الشعب المنتخبون، ولا تكون الحكومة هي المسؤول الوحيد عن حسمه. ولأن الأغلبية في المجلس لأعضاء حزب العدالة، ولأن الحكومة هي حكومة الحزب في حقيقة الأمر، فقد كان واضحاً أن موقف الاثنين واحد ازاء القضية.
ولكن «الإخراج» الأفضل اقتضى أن يعلن البرلمان الموقف، بحيث يقطع الطريق على أي اعتراض أو نقض، لأن القرار في هذه الحالة سوف يتخذ بطريقة ديمقراطية لا شك فيها. وطالما أنه رأي ممثلي الشعب، فمن ذا الذي يستطيع أن يعترض عليه في الدول الديمقراطية؟ الطريف في الأمر أن الأميركيين تعرفوا باعتبار أن الموافقة مفروغ منها. وطوال الفترة التي كان الموضوع خلالها محل جدل ومساومة، كانت التحركات الأميركية مبنية على أساس ضمان فتح الحدود التركية، واعتبار الأمر مسألة وقت فقط.
* في انتظار إشارة البدء
* في بداية الأمر كانت قيادة الأركان قد أوفدت 25 ضابطا تركياً إلى فلوريدا، حيث قيادة الحملة العسكرية الأميركية، لترتيب دورهم كضباط اتصال خلال عملية مرور القوات الأميركية عبر الأراضي التركية. ورصدت الادارة الأميركية 50 مليون دولار لبناء ثكنات في الأناضول، كما رصدت 350 مليون دولار لترميم القواعد العسكرية التي ستتجمع فيها القوات الأميركية قبل انطلاقها إلى الأراضي العراقية، ومضت عمليات البناء والترميم على قدم وساق.
في الوقت ذاته، وصلت إلى الموانئ التركية بواخر أميركية محملة بعربات «هامر»، التي تم تفريغها في أنطاليا ومارسين والمرافئ القريبة من هطاي. كما أن كميات غير قليلة من المعتاد جرى تخزينها في ديار بكر ـ القريبة من الحدود العراقية ـ وملاطيا واستنبول. مثل هذه التجهيزات وصلت فعلاً إلى الأراضي التركية، وانتظرت اشارة البدء للتوجه صوب الحدود العراقية عابرة المناطق الكردية الشمالية، لكن القرار التركي فاجأ الأميركيين وصدمهم، حيث كان آخر ما توقعوه أن يقابل طلبهم بالرفض. وتمثلت الصدمة في التصريحات العصبية التي صدرت من واشنطن عن «خيبة الأمل» و«تخاذل الحلفاء»، وبعضها تحدث عن ضرورة معاقبة تركيا على جحودها ونكرانها لفضائل الأميركان عليها، والتي أفاض في ذكرها بعض الكتاب الأميركيين والموالين لهم في الصحف التركية.
تجلى ذلك الغضب أيضاً في إقدام الجيش الأميركي في وقت لاحق على اعتقال بعض الضباط والجنود الأتراك في مدينة السليمانية (شمال العراق) بزعم إعدادهم «مؤامرة» لاغتيال المحافظ الكردي للمدينة عبد الرحمن مصطفى، وهو ما أغضب حكومة أنقرة، واستفز رئيس الأركان، الذي دعا إلى اطلاق سراح التركيين المعتقلين على الفور، وقال صراحة إن ثمة أزمة ثقة نشأت بين واشنطن وأنقرة ينبغي التعامل معها بوسائل أخرى.
الموقف التركي لم يستثمر جيداً من العالم العربي. هكذا قال الجنرال المتقاعد نجدت دميرالب، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في أنقرة. حين سألته كيف؟ كان رده أن تركيا حين منعت عبور القوات الأميركية الغازية لأراضيها تمنت أن تحذو حذوها بقية دول المنطقة، العربية بوجه أخص، بحيث يمتنع تنفيذ خطة الغزو، من البر على الأقل، الأمر الذي يغلق الباب أمام التداعيات الخطيرة التي استصحبها الاحتلال، بدءاً من تدمير الدولة العراقية وانتهاء بإعادة رسم خريطة المنطقة، مروراً بتفكيك المجتمع العراقي وإذكاء الروح الطائفية والعرقية فيه والتي من شأنها أن تمزق البلد وتهدده بالحرب الأهلية. ولكن ذلك لم يحدث للأسف، فالذي لم تصنعه تركيا قامت به دول عربية أخرى، والغزو الذي أغلقت في وجهه أبواب الحدود الشمالية، وجد منفذاً أكثر سعة في منطقة الحدود الجنوبية.
* حين وقع المحظور
* بعد الغزو ـ وحتى الآن ـ لم تهدأ أنقرة. فقد كانت هي صاحبة الدعوة إلى عقد اجتماع لدول الجوار لمتابعة ما جرى في العراق وتداعياته، وحسب الدكتور أحمد أوغلو، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، فقد استثنيت الكويت رغم أنها دولة جوار، وحين أبلغت استياءها إلى الأتراك، كان ردهم أن الكويت كانت طرفاً في عملية الغزو، لأسباب تفهمتها أنقرة، ودعيت مصر رغم أنها ليست دولة جوار مباشر للعراق باعتبار وزنها ودورها في العالم العربي، فضلاً عن أن ما يصيب العراق من مكروه يمس بدرجة أو أخرى الأمن القومي العربي، والذي تتحمل مصر قسطاً من المسؤولية عنه. في الوقت ذاته، فإن تركيا تحاول بشكل مواز اقامة نوع من الاحتشاد الأهلي لاحتواء الموقف في العراق. تمثل ذلك مثلاً في قيام مجموعة المثقفين والسياسيين الأتراك (30 شخصاً) بجولة في دول الجوار ابان العام الماضي لتنشيط حملة مقاومة العدوان، ورفض فكرة «الشرق الأوسط الكبير». كما تمثل في الدعوة التي أطلقت لاجتماع ممثلي المنظمات الأهلية في العالم الاسلامي في استنبول مع نهاية شهر ابريل المقبل لمناقشة التحديات والتحولات الحاصلة في العالم.
بعدما وقع المحظور وتم الاحتلال، تعين على تركيا أن تتعامل مع نتائجه وتداعياته. ورغم أن وضع «العراق الجديد» لم يستقر بصورة نهائية، إلا أن جهات عدة في أنقرة واستنبول لا تتوقف عن الرصد والتحليل، وحساب الأرباح والخسائر أولاً بأول. في مركز دراسات الشرق الأوسط طرحت السؤال على مديره الجنرال نجدت دميرالب وفريق الباحثين الذين اصطحبهم معه، فكان الجواب أن خسائر تركيا متعددة، منها مثلاً تصدع علاقاتها مع الولايات المتحدة بسبب الحرب، كما أن وحدة العراق أصبحت مهددة، الأمر الذي وفر طرفاً مواتياً لتغذية المشاعر الانفصالية للأكراد، الأمر الذي لا بد أن يكون له صدى في تركيا قد يمس خطوطها الحمراء أو يتجاوزها، لأن ثمة آلافاً من عناصر حزب العمال الكردي يتمركزون في المناطق الشمالية من العراق، إضافة إلى أن وضع التركمان أصبح مهدداً من جراء التغولات الكردية، خصوصاً أن ملابسات مريبة منعت اشتراك أعداد غير قليلة منهم في الانتخابات الأخيرة، منها كذلك مقتل 90 مواطناً تركياً من قبل الجماعات المسلحة المناهضة للاحتلال والمثيرة للفوضى بالعراق، وقد مارست تلك الجماعات ضغوطاً كان من نتيجتها إلحاق خسائر اقتصادية كبيرة لتركيا، تمثلت في انهاء أعمال 50 شركة تركية كانت عاملة بالعراق.
* في النصف الملآن من الكوب
* السفير سيفي تاشهان، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بأنقرة أضاف تخوفاً آخر ـ اعتبره أمراً سلبياً في الجانب التركي ـ خلاصته أن تدهور الأوضاع في العراق وانفراط عقد البلاد ووحدتها، من شأنه أن يغذي مشاعر التعصب الذي لدى بعض الشرائح التركية، الأمر الذي قد يكون مصدراً للاضطراب وعدم الاستقرار، وإحياء الحساسية في تركيا بين الأتراك والأكراد.
فهمي كورو محرر صحيفة «بني شفق» رأى أن الحصيلة حتى الآن ليست كلها خسائر، وإنما ينبغي ألا ينسى النصف الملآن من الكوب، الذي تمثل في مكاسب لا يستهان بها جنتها تركيا ـ أول تلك المكاسب أن الشعب التركي وجد أن ثمة حكومة تعبر بصدق عن مشاعره الرافضة للعدوان على جار عربي مسلم، وذلك رفع من رصيد الحكومة لا ريب. ثاني تلك المكاسب أن تركيا أثبتت أنها ليست دولة تابعة، وانما لها ارادة مستقلة مكنتها من رفض الانصياع للطلبات الأميركية. وقد عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ذلك أثناء اجتماعه مع رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان، حيث قال له إنه كان مقتنعاً بأن تركيا تسير في فلك الولايات المتحدة، ولكن قرار الحكومة برفض السماح للقوات الأميركية باستخدام الأراضي التركية في الغزو غيّر من اقتناعه، وأكد له بأن تركيا بلد مستقل حقاً.
وأضاف كورو أن موقف الحكومة التركية رفع سعرها وأسهمها لدى أوروبا، وأقنع قادتها بأنهم بصدد دولة لها حساباتها المستقلة وسياستها التي تتحرى مصالحها العليا بالدرجة الأولى. وفي رأيه أن هذا الموقف كان من بين الخلفيات التي ساعدت على قبول الاتحاد الأوروبي مبدأ انضمام تركيا والشروع في مباحثات معها لترتيب ذلك الوضع. )
 المصدر: جريدة الشرق الأوسط

حزب العدالة والتنمية وملف الانضمام للاتحاد الأوروبي
 ملف الاتضمام للاتحاد الأوروبي قديم جدا فهو مقدم من 1963م ولكن أوروبا تماطل فيه ، ومما يسترعي الانتباه أن الاحزاب الاسلامية كانت ترفض بشدة هذا الاتجاه  أما حزب العدالة والتنمية فأعلن تأييده لهذا المطلب وحقق فيه نجاحات كبيرة واستطاع استخدامه بمهارة فائقة في تمرير اصلاحاته وتحركاته  وقد وفر له هذا الملف غطاء للتحرك لايدرك قيمته إلا العقلاء  ولنسمع لبعضهم في هذا المقال
 ( يحرص الإسلاميون على التميز عن الغرب وعدم الاتساق به ، نظراً لما تحمله الحضارة الغربية من أمراض وعلل فتاكة على كافة الصعد والمجالات لا سيما الإجتماعية منها على وجه الخصوص ، بيد أن حزب العدالة والتنمية عكس هذه القاعدة رأساً على عقب حيث يحرص ويصر على الانضمام للاتحاد الأوربي الأمر الذي جعل المراقبين للشأن التركي ينقسمون إلى مؤيد ومعارض لما يظنه البعض أو يخشاه من أن يترتب على هذا الانضمام إنسلاخ بالمقابل عن الهوية الإسلامية والوطنية التي هي الأس الأساس الذي يبني عليه الإسلاميون مملكتهم ، لا سيما والأوربيون يشترطون لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي أن تنخلع تركيا من جلدها الإسلامي ، وأن تلبس جلداً غربياً لا أثارة فيه لأي أثر عربي أو إسلامي ، لكن في تقديري أنه مع هذا هناك ثمة إيجابيات هامة من انضمام الأتراك إلى الاتحاد الأوربي لا بد من الإشارة إليها والإشادة بها منها:
1)  استطاع اردوجان أن يتجاوز وقوع الفأس في الرأس أعني فأس العسكر الذين ينظرون إلى حزب العدالة أنه حزب متشدد ضد المصالح التركية والدمرقطة والحرية وحقوق الإنسان ..، وهذا ما عبر عنه الشيخ / راشد الغنوشي بقوله:
" لا يبعد أن يكون مرد هذه الدرجة من الإصرار والحرص وثيق الاتصال بمعركة الديمقراطية التركية مع السياج ، الذي يخنقها ، ويفرض عليها اللعب داخل مربع ضيق حدده الباب العالي ، إنه سعي للتمرد على ذلك السياج، والتخلص من هذه الوصاية على إرادة الشعب، ونوعاً من سحب البساط من تحت أقدام الجنرالات، الذين يسوغون تسلطهم على إرادة الشعب ، ويشترون الصمت الأوروبي على جرائم الشريك، بما يقوم به هذا الشريك من حراسة لمصالحه في مواجهة «الخطر الأصولي» الداهم، والساعي إلى استعادة «الخلافة»، وغزو أوروبا مجدداً.
إن حرص الإسلاميين الأتراك على الاندماج في أوروبا هو نوع من تجريد الخصم من سلاحه، وتجريد ظهيره الخارجي من أوهامه، وعرض صداقة بديلة عنه، نظيفة، ترفع الحرج عنه تجاه مجتمعه المدني الحقوقي، الذي طالما ندد بانتهاكات الشريك التركي للمعايير الأوروبية للديقراطية وحقوق الإنسان. ويواصل الغنوشي حديثه قائلاً:
إن عرض الإسلاميين بالذات لهذه الصداقة أو الشراكة ، ترفع الغطاء عن المتطرفين العلمانيين والاستئصاليين، لا في تركيا وحسب، بل في عدد كبير من بلاد العالم الإسلامي، حيث تقدم أنظمة دكتاتورية فاسدة، تتمسح بالحداثة والعلمانية، ولا حظ لها من هذا ولا ذاك، تقدم نفسها للغرب، وتشتري صمته على فظائعها، باعتبارها «حارسة لمصالحه، في مواجهة الغول الإسلامي، الذي يهدد كل منجزات الحداثة»

2)       وأعتقد أيضاً أن ثمة مصلحة كبرى يحققها الأتراك من الانضمام إلى الاتحاد الأورربي تتعلق بالديمجرافيا  الأوربية  فبانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يقفز عدد المسلمين إلى أكثر من90 مليونًا، بما نسبته 15% من عدد سكان أوروبا ، مما يشكل قوة وتأثيرا لمسلمي أوربا ، خصوصًا إذا ما اتجهت الأوضاع إلى الاعتراف بالإسلام كدين، وإقامة مؤسسات إضافية للتعبير عنه ، وقد قدر مشروع- أشرفت عليه الأمم المتحدة سنة 2000م- أن الدول الأوروبية تحتاج توازنًا ديمجرافيًّا نتيجة شيخوخة سكانها، وأن ذلك يمكن أن يتم عبر استقدام ما يقدر بحوالي 949 ألف مهاجر، وذلك للحفاظ على عدد سكانها، أو إلى المليون والنصف مليون للمحافظة على نسبة السكان الذين هم في سن العمل، وتصل حاجة أوروبا إلى 13.5 مليون مهاجر للحفاظ على مجتمع متوازن غير مختل التركيبة بين الشيوخ والشباب . إن انقراض النسل الأوربي يتطلب نسلا بديلا عنه وأرى أنه لا بد أن يكون نسلاً إسلامياً ، (وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) ، وأن خطوة حزب العدالة والتنمية تصب في هذا السياق .

3)  يقوم العالم على التكتلات والأحلاف الدولية ولأن تكن تركيا في حلف أوروبي  ينافس اليوم الولايات المتحدة الأمريكية ، ويتوقع أن يكون البديل عنها اقتصاديا وربما عسكريا وسياسيا في الغد القريب بعد أن أوشكت الأسطورة الأمريكية على الانهيار لهو من الحكمة بمكان ، وضمن سنة الله تعالى في التدافع ، ولولا الشروط المجحفة التي يشترطها الاتحاد الأوربي لكان الأجدر بالعالم الإسلامي أن ينضم كله إلى الاتحاد الأوربي ، اتقاء سطوة الغرب الأمريكي ، إن تعذر قيام اتحاد إسلامي .

4)   لعل لدى الساسة الأتراك كثيراً من المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية لا سيما فيما يتعلق بجزيرة قبرص المتنازع عليها وغيرها من الموازنات السياسية والاقتصادية .

في تقديري أن هذه العوامل وغيرها من العوامل تجعل القول بأن انضمام تركيا العدالة والتنمية إلى الاتحاد الأوروبي من الأهمية بمكان ويمثل نظرة استراتيجية بعيدة المدى ، وتمثل إشراقةً إسلامية أخرى تسطع من جديد على الغرب وحضارته المادية الجوفاء ، ويستطيع حزب العدالة والتنمية تعميق جذوره في مؤسسات المجتمع التركي المدنية وغيرها ، وعكْس صورة من الانفتاح الإسلامي )

هذه هي الصورة من الجانب التركي فماهي الصورة من الجانب الأوروبي  الجانب الأوروبي  حذر في التعامل مع هذا الملف  وسيظل يماطل في انضمام تركيا  ولن يقبل ذلك  بسهولة لأسباب وجيهة

1-   تركيا قرابة 90 مليون نسمة وبانضمامها إلى أوروبا ستصبح أكبر دولة أوروبية وستصبح الأثقل وزنا و أكبر كتلة برلمانية في الاتحاد الأوروبي  وبالتالي ستفقد الدول التي تقود الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا دورها  لذا هي من أشد المعارضين لدخول تركيا  في الاتحاد الأوروبي .
2-   تركيا سكانها مسلمون وبالتالي سيعزز هذا العدد  90 مليونا الوجود  الاسلامي في أوروبا  ويتنامى دور الاسلام في أوروبا  والأوروبيين يريدون الواجهة المسيحية لأوروبا ( نادي أوروبي ) ويكرهون أن يتنامى الاسلام في أوروبا  ( وهذا يفسر الحملات ضد الاسلام في أوروبا  من حظر المآذن ومنع الحجاب  والرسوم المسيئة  وغيرها )
3-   كما أن المجتمع التركي يتميز بكثرة الشباب فيه  وأغلب الدول الأوروبية مجتمعاتها هرمة ( كبار السن أكثر عددا من الشباب )   ودخول تركيا للاتحاد الأوروبي  سيفتح المجال للشباب الأتراك لغزو الأسواق الأوروبية  واكتساحها  مما سينعكس سلبيا على دول أخرى  لاترغب في رؤية المسلمين في أسواقها  .

هذه أهم الأسباب من وجهة نظري  وهي أسباب جوهرية  ولمزيد من المعلومات  نستمع لمايقوله  فهمي هويدي في هذا الملف
( واذا تذكرنا ان تركيا قدمت طلب الانضمام إلى الاتحاد عام 1963، أي منذ حوالي اربعين عاما، فإن ذلك يدل على مدى التسويف في العملية، الأمر الذي يشكك في جدية موقف الاوروبيين من تركيا، وهو الموقف الذي كشف عن حقيقته الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان، الذي يرأس اللجنة المختصة ببحث مستقبل أوروبا، في الحديث الذي نشرته صحيفة «لوموند» في 11/9 الماضي، إذ أعلن صراحة أن تركيا ليست بلدا اوروبيا، وان 95 في المائة من سكانها يعيشون خارج القارة (في آسيا) وكذلك عاصمتها أنقرة. وأعرب ديستان عن استنكاره لبحث الفكرة من أساسها ووصفها بالشذوذ، معتبرا أن ضم بلد كبير مثل تركيا يضم 70 مليون نسمة، من شأنه أن يقلب «المعادلة الاوروبية»، لأنها ستصبح أكبر دولة في الاتحاد وتتمتع بأكبر كتلة في البرلمان الاوروبي، الأمر الذي من شأنه نهاية الاتحاد وفقدانه لدوره الأساسي كراع للمصالح الاوروبية، وهو ما دعا الرجل لأن يحذر الاوروبيين من مغبة ضم تركيا، قائلا انه اذا ما فتح باب المفاوضة في الموضوع فإننا سوف نتلقى على الفور طلبا مغربيا للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي.
كلام الرئيس الفرنسي الأسبق الكاشف عن حقيقة النوايا الاوروبية لم يكن الأول من نوعه، ولكنه كان تعبيرا عن ذات الموقف الذي أعلنته الأحزاب الديمقراطية المسيحية في دول الاتحاد الاوروبي في مارس (آذار) عام 1997، وعُد أقوى اعتراض غربي صريح على فكرة انضمام تركيا لأوروبا، فقد حضر سبعة من رؤساء تلك الاحزاب الاجتماع، واكتسب حضورهم أهمية خاصة لان هؤلاء كانوا رؤساء حكومات في بلادهم (بلجيكا والمانيا واسبانيا ولوكسمبورغ وايرلندا ونائب رئيس حكومة اسبانيا، وحضر معهم رئيس اللجنة الاوروبية ورئيس البرلمان الاوروبي)، وهو ما اعطى انطباعا بأن قرارات المؤتمر عكست الموقف الحقيقي للاتحاد الاوروبي.
لكن الأمر ليس كذلك تماما على أرض الواقع، حيث تحول مطلب الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي إلى منطلق سلمت به النخبة السياسية فضلا عن العسكرية، ولم يأت ذلك من فراغ، ولكنه موقف معين على الاختيار الذي حسمه أتاتورك منذ بداية الجمهورية حين قرر اقتلاع تركيا من الشرق وإلحاقها بالغرب، فهو من قال «ان الحضارة التي يجب ان ينشأ عليها الجيل التركي الجديد هي حضارة أوروبا، مضمونا وشكلا، لان هناك حضارة واحدة هي الحضارة الاوروبية، هي الحضارة القائدة، والحضارة الموصلة إلى القوة والسيطرة على الطبيعة... وان جميع أمم العالم مضطرة إلى الأخذ بالحضارة الاوروبية لكي تؤمن لنفسها الحياة والاعتبار».
بعد ان قال قائد الثورة هذا الكلام، لم يعد مستغربا ان يتنافس أنصاره على المزايدة والتسابق على الالتحاق بالغرب، حتى نقل عن أحد مفكري عصر النهضة، التركي احمد مختار، قوله: إما ان نصبح غربيين أو أن نهلك، وقال آخر، اسمه عبد الله جودت، ليست هناك حضارة أخرى، الحضارة تعني أوروبا.
ما من مسؤول لقيته إلا وتطرق الحديث معه إلى مسألة الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي، فعبد الله غول، رئيس الوزراء ( في بداية حكم حزب العدالة والتنمية ) لخص المسألة في قوله ان السؤال: هل تنضم تركيا أم لا؟ أصبح محسوما، والسؤالان المطروحان هما كيف ومتى، والأول اجابته عندنا، لان الانضمام له استحقاقات تتعلق أساسا بالحريات وحقوق الانسان، وقد قطعت الحكومة شوطا في الوفاء بها، ولن تمر اشهر معدودة إلا وتكون الحكومة قد عرضت على البرلمان التعديلات المطلوبة للوفاء بكامل تلك الاستحقاقات، ومن ثم تصبح مؤهلة لاكتساب عضوية الاتحاد. أما السؤال الآخر (متى) فاجابته عند الاوروبيين الذين سبق لهم الاقرار بالمبدأ لكنهم مترددون في حسم الخطوة الأخيرة.
سألته عن السبب الحقيقي وراء اصرار تركيا على الانضمام إلى الاتحاد، فكان رده ان هذه الخطوة مفيدة لكل الاطراف: لتركيا وأوروبا والغرب والاسلام والمسلمين، وفي التفصيل قال ان تركيا بلد مهم في الاستراتيجية الغربية، بحكم موقعه المركزي في الشرق الاوسط، واطلاله على سورية والعراق وايران، وانتسابه إلى العالم التركي الذي يمتد عبر وسط آسيا إلى سور الصين، فضلا عن انتسابه إلى العالم الاسلامي، والحاصل ان الدول الغربية استفادت من ذلك الموقع واستثمرته في الدفاع عن مصالحها الحيوية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن. والأهمية الاستراتيجية لتركيا أهلتها لكي تصبح عضوا في حلف الاطلسي وعضوا في المجلس الاوروبي وفي مؤتمر الأمن والتعاون، كما انها انضمت إلى اتفاقية التجارة الحرة عام 95، وبسبب ذلك تخسر سنويا 700 مليون دولار من جراء منافسة السلع الاوروبية لمنتجاتها.
واضاف عبد الله غول: نعم ستستفيد تركيا من انضمامها للاتحاد الاوروبي، اقتصاديا بالدرجة الاولى، إذ من شأن ذلك إنعاش الصناعة والتجارة والسياحة وغير ذلك، لكن أوروبا ستستفيد أيضا لانها في هذه الحالة ستصبح أكثر قوة وحيوية، لان انضمام تركيا بحجمها السكاني ومواردها الاقتصادية الكبيرة إلى الرصيد الاوروبي ليس بالأمر الهين. واذا اضفنا البعد الاستراتيجي فإن ما ستجنيه أوروبا من مزايا سيكون معادلا ان لم يزد على المزايا التي ستحصل عليها.
حين قلت له ان الحجم السكاني لتركيا يؤرق الاوروبيين، قال ان هذا صحيح، ولكن الذين يعبرون عن قلقهم ينطلقون من ان الاتحاد الاوروبي نادٍ مسيحي، ويزعجهم ان ينضم إليه 70 مليون مسلم، وهذه نقطة ليست في صالحهم، لان من شأن الاستسلام لذلك القلق ان يجهض دعاوى الديمقراطية والتعددية، ويكرس فكرة صراع الديانات وصدام الحضارات، وهو ما أحسب ان عقلاء الاوروبيين يرفضونه.
على صعيد آخر، أضاف ان انضمام تركيا إلى الاتحاد الاوروبي سيوفر للغرب جسرا جيدا مع العالم الاسلامي، وهو ما يفتقده العالم الغربي ويحتاج اليه، ثم ان ذلك سيفيد المسلمين أيضا سواء على صعيد الحوار مع الغرب أو على صعيد تحسين صورتهم التي عملت جهات عدة على تشويهها، حيث من المهم للغاية ان نقدم لهم نموذجا عمليا تصالح فيه المسلمون مع الديمقراطية، ومع الغربيين الذين يصفهم المتطرفون بنعوت كثيرة منفرة، ولا يرون فيهم سوى انهم «كفار».
حين قلت له ما رأيك فيما قاله المفكر التركي جميل ميديتش ذات مرة «لو اننا احرقنا كل المقرئين وهدمنا كل الجوامع، فسنبقى في عين أوروبا عثمانيين، والعثماني يعني الاسلام ويعني عندهم العداء والظلامية».
ضحك عبد الله غول وقال: اننا نبذل جهدنا لكي نثبت ان ذلك الكلام غير صحيح ) المصدر: جريدة الشرق الأوسط




حزب العدالة والتنمية والملف الكردي
الملف الكردي أعقد قضية يواجهها المجتمع التركي ولن تحل بسهولة لأسباب عديدة :
1-   كثرة اللاعبين في القضية الكردية  فالأكراد ينقسمون الى ثلاثة أقسام رئيسة في تركيا والعراق وسوريا  وبينهما ترابط وتنافر وتطاحن وتصارع حتى في الدولة الواحدة مثل العراق  حيث نجد التنافس بين البرزاني والطالباني على أشده  والوضع في دولة يؤثر في الأخرى  ويمكنه إفساد الأمور في أخرى .
2-   استغلال القوى الكبرى للقضية الكردية  لتمرير مصالحها  فمثلا نجد اسرائيل لها علاقة وطيدة بأكراد العراق وبينهما صلات قوية  وهذا ليس سرا بل منشور وموثق بالصور وتحاول اسرائيل استخدام القضية الكردية  لموازنة مصالحها في المنطقة فهي تساعد تركيا مثلا على محاربة حزب العمال الكردستاني وفي نفس الوقت تدعم حزب العمال في الخفاء ضد الأتراك وتمده بأسلحة ومعلومات وقد بدأت تتكشف حقائق كبيرة في هذا المجال  كما أنها تستخدمهم ضد سوريا وإن كان بشكل أقل في الوقت الراهن .
3-   وأمريكا أيضا لها صلاتها القوية بالأكراد ويعتبر الأكراد الحليف الأول للأمريكان في العراق ثم يأتي الروافض من بعدهم .
4-  والروس أيضا لهم مصالح وحزب العمال يحمل الفكر الشيوعي  ويرتبط بالتنظيمات الشيوعية بشكل أو آخر .
5-  وأوروبا والاتحاد الأوروبي  يدعمون الأكراد في قضاياهم ويستخدمونهم كواجهة لتمرير قوانين  معاملة الأقليات ووضع العراقيل أمام انضمام تركيا لللاتحاد الأوروبي .
6-   وآخرالأسباب الجيش التركي الذي تولى زمام معالجة الملف الكردي بالقوة لسنوات طويلة ولم يفلح بشيء سوى إهدار الأرواح والأموال في حرب عقيمة  استهلكت زهرة القوات التركية  ونشرت الظلم والاستبداد ، بل إن بعض الفاسدين في الجيش التركي يستخدم الأكراد كورقة ضغط على حكومة العدالة والتنمية من أجل تشويه صورتها أو عرقلة مشاريعها من لأجل مصالح حزبية أو شخصية

لهذه الأسباب وغيرها لايمكن حل القضية الكردية بسهولة  ولكن حزب العدالة حاول أن يخفف من حالة الاحتقان والتوتر في معالجة الملف الكردي  تمهيدا لتهيئة النفوس للتفكير بالحلول ومن ثم القبول بها بإذن الله وقد تم الحديث عن بعض الانجازات في الملف الكردي في الصفحات السابقة .

نجاحات مضت وأخرى في الانتظار

استطاع حزب العدالة والتنمية كسب الانتخابات ثم أصبحت له الكلمة الأقوى في البرلمان  ثم شكل الحكومة دون منافس وحقق نجاحات باهرة  ثم  تولى فرد منه منصب رئيس الجمهورية  هذا المعارك التي خاضها ونجح فيها  وهو الآن بصدد معركة التعديلات الدستورية التي ستكون مفتاحا مهما لاصلاحات واسعة تليها  من أهمها المحكمة الدستورية ثم تدخلات الجيش .

والدستور الحالي وضعه جنرالات الجيش  وأفسدوا فيه أيما إفساد ووضعوا من خلاله قوانين تمنع من ملاحقتهم أو مقاضاتهم حتى لو خرجوا من السلك العسكري  وهاهنا يتبين لك الوجه القبيح للفساد السياسي الذي أرادوه  للمجتمع التركي  .
لذلك يحاول أردوغان تعديل الدستور وإعادته إلى طبيعته ويمنع الجيش من الاعتداء على الحياة السياسية  واغتصاب السلطة خلاف إرادة الشعب  ويسمح بملاحقة عناصر الجيش ومقاضاتهم حتى أثناء الخدمة إذا ارتكبوا مايخل بالأمن أو يخالف القانون والدستور .
كما أن الدستور يحد من صلاحيات المحكمة الدستورية  التي أصبحت لعبة في أيدي حفنة من أصحاب المصالح  يبطلون بها القرارات الدستورية التي أتخذها الشعب كما حدث في قضية المحجبات
( ألغت المحكمة الدستورية قرارا برلماني، اتخذ بأغلبية ساحقة ( 403 صوتا مقابل 107) فيما يتعلق بحق المحجبات بالدراسة الجامعية
قضاة معينون من قبل رئيس سابق( احمد نجدت سيزار) يمتلكون الحق في التشريع للأمة، متخطين خياراتها الديمقراطية ومجلسها البرلماني المنتخب. أي وصاية تلك التي تستخف بالشعب التركي، وأي علمانية متطرفة هذه التي تقول للناس ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد؟ )
أما الجيش فأهم ملفاته تسرب عصابة سرية إليه تعرف باسم ( الأرغنكون ) وقد شاء الله تعالى فضح هذه العصابة الخطيرة  بتدبير منه سبحانه وتعالى لم يتعمد أحد البحث عنها والتحري بشأنها ثم تفاقمت الأمور ودلت الأبحاث والتحريات على جرائم أخرى أكبر من أهمها وجود خطة الانقلاب في 2003م على الحكومة كما ذكرنا آنفا  وهي القضية التي أكدت على جذور الفساد في الجيش والتي يجب تطهيره منها  وكل هذه الأحداث التي تلاحقت انكشفت بتدبير من الله ليمكن لهذا الفريق من المؤمنين ( والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا )
وفيما يلي بعض الأخبار التي نشرت عن هذا التنظيم السري داخل الجيش التركي وتداعياته المتلاحقة والتي لم تنته فصولها حتى الآن
(   إن القضية التي فاقمت أزمة العلاقة بين الجيش التركي ومؤسسات الحكم والعدل المدنية ليست جديدة. وربما تعود جذور هذه القضية إلى اكتشاف وكيل نيابة بمدينة اسطنبول، قبل أكثر من عامين، أثناء التحقيق في قضية قتل غامضة، لمخزن سلاح وذخائر في منزل يعود لضابط تركي في إحدى ضواحي المدينة. تصميم وكيل النيابة على كشف غوامض حادثة القتل ومخزن السلاح الغريب، أوصل الأمور إلى ما بات يعرف في تركيا بملف الأرغنكون، المنظمة السرية المشكلة من عناصر عسكرية عاملة وسابقة، وكتاب وصحافيين ورجال قضاء وأعمال، والتي تعود في أصولها إلى سنوات الحرب الباردة.
المنظمة التي يفترض أنها كانت إحدى الكيانات السرية، التي شكلت لمواجهة خطر احتلال تركيا من قبل الاتحاد السوفياتي في حال نشوب حرب بين الكتلة الشيوعية وحلف الأطلسي، لم تحل بعد نهاية الحرب الباردة، بل تحولت إلى منظمة إجرامية، تتقاطع داخلها مجموعات قومية وعلمانية وانقلابية متطرفة، تستهدف الحفاظ على الوضع القائم في البلاد منذ انقلاب 1960، الذي وفر للمؤسسة العسكرية وحلفائها دوراً فاعلاً ومستتراً في بنية الدولة التركية. طبقاً للتحقيقات التي لا يتوقع لها أن تنتهي قريباً، فإن عناصر تنتمي إلى منظمة الإرغنكون تعهدت خلال العقدين الماضيين عدداً لم يحدد بعد من جرائم اغتيال شخصيات رأت المنظمة بأنها تهدد وحدة تركيا ونظامها القومي، كما لعبت دوراً إجرامياً في ملاحقة وقتل العشرات، وربما المئات، من النشطين الأتراك، أو المشتبه بدعمهم لحزب العمال الكردستاني.
قبل شهور قليلة، أوصلت التحقيقات في نشاطات الأرغنكون وكلاء النيابة العاملين في القضية إلى ضباط عاملين في الجيش وإلى قلب المؤسسة العسكرية. واستدعى استمرار التحقيقات أن يطلب رئيس الوزراء من رئيس الأركان، في اللقاء الأسبوعي لهما، السماح لوكلاء النيابة بدخول ما يعرف بالغرفة الكونية في قيادة أركان الجيش، الغرفة التي يحفظ فيها أكثر أسرار المؤسسة العسكرية حساسية، ولم يحدث أن دخلها مسؤول مدني قط من قبل. وقد حدث أن البحث الذي أجراه وكلاء النيابة في غرفة أسرار الجيش أوصلهم إلى خطة انقلاب عسكري، أعدها فريق من الضباط بعد فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات نهاية 2002.
تضمنت الخطة بعض الخطوات البشعة التي كان الضباط الانقلابيون سيتخذونها للتمهيد للانقلاب، بما في ذلك التسبب في اشتباكات عسكرية محدودة مع القوات اليونانية في منطقة بحر مرمرة، وتفجير عبوات في المصلين عقب صلاة الجمعة في بعض من أكبر مساجد اسطنبول وأكثرها اكتظاظاً. اكتشاف هذه الخطة الإجرامية للتآمر على حكومة منتخبة ولإجهاض الإرادة الشعبية، في مقر مركزي لقيادة الأركان، أدى إلى موجة جديدة من الاعتقالات، التي طالت بعضاً من أبرز الضباط السابقين، بما في ذلك قادة أسلحة الجو والبحرية والجيش التركي الأول، وبعضاً من الضباط العاملين. منذ انقلاب 1960، شهدت تركيا عدداً من الانقلابات العسكرية الصريحة أو غير الصريحة؛ ولم يحدث مطلقاً أن قدم أي من الضباط الانقلابيين للمحاكمة. أما أن يستدعى ضباط للقضاء بتهمة التخطيط للانقلاب، فلم يخطر ذلك على أكثر الخيالات جموحاً. وهذا بالتأكيد ما أثار ردود الفعل الحادة في أوساط أنصار الوضع الراهن، ومن استشعروا عزم حكومة العدالة والتنمية على إصلاح شأن الدولة التركية، مرة وإلى الأبد.) مجلة العصر
( في 22 كانون ثاني/يناير، أصدرت المحكمة الدستورية التركية قرارها في قضية شغلت الرأي العام التركي منذ شهور. ففي حزيران/يونيو الماضي، أقر البرلمان التركي مشروع قانون تقدمت به حكومة إردوغان، يتضمن محاكمة العسكريين أمام محاكم مدنية في القضايا التي تتعلق بالأمن القومي وانتهاك الدستور، ويمنع محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية إلا في حالتي إعلان الأحكام العرفية أو الحرب.
جاء القانون بعد أن تسارعت عجلة التحقيقات فيما يعرف في تركيا بملف 'إرغنكون'، التنظيم السري المفترض، الذي اكتشف اختراقه للدوائر العسكرية والمدنية، وارتكاب أعضائه جرائم قتل واغتيال، والتخطيط لانقلابات ضد الحكومة المنتخبة. كان القانون نقلة كبيرة ونوعية في تاريخ التطور الديمقراطي في تركيا، واعتبر مؤشراً حاسماً على بداية النهاية لنفوذ الجيش في الحياة السياسية. خلال الشهور القليلة الماضية، لم يقدم ضباط سابقون وعاملون لمحاكم مدنية وحسب، بل ودخل المحققون المدنيون ما يعرف بغرفة 'قدس الأقداس' في مقر قيادة الأركان، حيث يحتفظ الجيش بأكثر الوثائق والخطط سرية وحساسية.
ولكن القانون وجد معارضة منذ لحظة صدوره، سواء في أوساط الجيش أو أوساط الأحزاب السياسية المعارضة لحكومة العدالة والتنمية؛ وقدم بالفعل طلب للمحكمة الدستورية العليا بالنظر في دستورية القانون. وقد جاء قرار المحكمة ليؤكد عدم دستورية القانون؛ وهو قرار سيضع حداً لمحاكمة العسكريين أمام المحاكم المدنية، ويلقي بالعثرات في طريق تطور التحقيقات الخاصة بقضية تنظيم 'إرغنكون'.
لا يجب التقليل من أهمية قرار المحكمة الدستورية العليا، من جهة ما يمثله من انتكاسة لمسيرة الديمقراطية التركية ورسم حدود فاصلة بين المؤسسة العسكرية والحياة السياسية. ولكن من الضروري أيضاً ملاحظة أن قرار المحكمة الدستورية العليا ليس مؤامرة ضد حكومة إردوغان، أو أية جهة أخرى.
قضاة المحكمة الذين أصدروا القرار هم أنفسهم من رفض الدعوى بحل حزب العدالة والتنمية الحاكم قبل عامين. ليس ثمة شك في أن أغلب قضاة المحكمة الدستورية العليا جاء من خلفيات جمهورية تقليدية ومن ثقافة أتاتوركية؛ ولكن الدافع الرئيس خلف قرارهم الإجماعي هو طبيعة الدستور التركي الحالي وليس الانحياز الأعمى للمؤسسة العسكرية.
نظر القضاة إلى قانون حزيران/يونيو من وجهة نظر دستورية بحتة؛ والدستور الحالي وضعه النظام العسكري، نظام ما بعد انقلاب 1980. وما لم يتم تعديل الدستور في شكل جوهري، أو وضع دستور مدني جديد، المهمة التي يبدو أن حكومة إردوغان تجد صعوبة وعقبات في طريق إنجازها، فستظل المسيرة الديمقراطية تراوح بين تقدم وتعثر. ) مجلة العصر

 (  فيما تبذل تركيا أقصى جهودها للظهور بمظهر الدولة الديمقراطية الملتزمة الاصلاحات السياسية والاقتصادية الأساسية ومواثيق حقوق الإنسان، لإقناع دول الاتحاد الأوروبي بتخطّي تحفّظاتها في شأن ضم الدولة الإسلامية الكبيرة الى أحضان الاتحاد، يستمرّ الصراع الخفي بين المؤسّسة العسكرية العلمانية وبين المدنيين والحكومة التي يسيطر عليها «حزب العدالة والتنمية»، ليلقي بظلاله الثقيلة على الاستقرار الداخلي وجهود أنقرة الأوروبية ويهدّدها.
ضبّاط المؤسّسة العسكرية في تركيا لا يهدأون، منذ أن أضفى مؤسّس الدولة الحديثة كمال أتاتورك العلمانية على نظام الدولة وجعل الجيش حارساً أميناً لها. ومنذ رحيل الأب المؤسّس وحتى اليوم، نفّذوا تلامذته الضبّاط ثلاثة انقلابات مباشرة ومثلها غير مباشرة. كما أحبطت أكثر من محاولة انقلابية كانوا يخطّطون لتنفيذها، ومع ذلك لم ترتدع هذه المؤسّسة عن مخطّطاتها الهادفة الى إبقاء المدنيين والبلاد تحت رحمة «جزمتها»، رغم تقلّص نفوذها وتراجع دورها في السنوات الأخيرة. وقد يكون غياب المحاسبة بفعل الانحياز الأعمى للقضاء العسكري التركي، الى جانب العلمانية القومية الخاصة بتركيا والتي لا تشبهها أي علمانية أخرى في العالم، عاملاً مشجّعاً للضبّاط الكبار لممارسة ذهنيّتهم الانقلابية بمنأى عن أي مساءلة جدّيّة.
آخر اجتراحات العسكر الانقلابية حدث الشهر الماضي، عندما فجّرت صحيفة «طرف» التركية المقرّبة من الحكومة قنبلة مدوّية بنشرها تقريراً سرّيّاً نسبته إلى رئاسة أركان الجيش، يتضمّن خطّة عسكرية أعدّها الضابط الكبير في هيئة الأركان الكولونيل البحري دورسون تشيتشيك، تهدف الى إطاحة ما يسمّيه العسكر «التيار الرجعي» في السلطة، وهو المصطلح الذي يطلقه بعضهم على الإسلاميين في «حزب العدالة والتنمية» الحاكم. كما تهدف الى تصفية الزعيم الإسلامي المقيم في أميركا فتح الله غولين وجماعته الدينية الناشطة في الأراضي التركية.
وأخطر ما في الموضوع هو أن الخطّة موقّعة في تاريخ قريب نسبياً يعود الى نيسان (أبريل) الماضي، وقد وجدت في مكتب أحد أبرز المتّهمين في قضية «شبكة أرغينيكون» السرّيّة، وهو الضابط المتقاعد سردار أوزتورك الذي يواجه نزع ميداليّته للخدمة العامّة من الدولة بعدما ثبت دوره في المنظّمة السرّيّة.
و«شبكة أرغينيكون» هي عبارة عن تنظيم سرّي يضم عشرات الشخصيات التركية العلمانية الفاعلة، بينهم ضبّاط كبار متقاعدون وصحافيون وقضاة ومفكّرون ورؤساء أحزاب قومية صغيرة، بينهم مدير جهاز الدرك سابقاً الجنرال سينير أرويغور الذي ترأّس بعد تقاعده «جمعية فكرة أتاتورك»، وهي هيئة اضطلعت بدور كبير في العام ٢٠٠٧ في تنظيم تظاهرات ضخمة دعماً للعلمانية ومناهضة للحكومة.
وكانت «شبكة أرغينيكون» تخطّط لزرع الفوضى في البلاد عبر الاغتيالات والمواجهات المسلّحة والتفجيرات والقيام بتظاهرات في أرجاء البلاد تمهيداً لانقلاب عسكري جديد. وكشفت التحقيقات التي أجريت أثناء محاكمة نحو ٦٩ شخصاً من أفرادها، أنها كانت تملك مخابئ للأسلحة والمتفجّرات في أسطنبول وغيرها من المدن. ويبقى الهدف النهائي لـ«أرغينيكون» ـ وهو اسم واد في آسيا الوسطى مهد الشعب التركي التقليدي ـ طرد حكومة «حزب العدالة والتنمية» من السلطة، على اعتبار أن كوادر الحزب، حتى لو ابتعدوا عن ماضيهم كناشطين في الإسلام السياسي وباتوا يصنّفون أنفسهم على أنهم ديمقراطيون ومحافظون، فإن الأوساط المؤيّدة للعلمانية النافذة في الجيش لا تزال تشتبه في أنهم يسعون الى أسلمة البلاد.
بنود الخطّة ـ الوثيقة
أما «الخطّة ـ الوثيقة» الجديدة التي كشفتها صحيفة «طرف» فهي من أربع صفحات، وتؤكّد الصحيفة أنها أعدّت لمصلحة رئاسة العمليات في رئاسة الأركان تحت عنوان أن «حزب العدالة والتنمية» وجماعة غولين يريدون حكم الشريعة، ويجب كسر الدعم لهم وإنهاء نشــاطاتهم. وتدعو الى العمل على تفتيت الحزب الحاكم، من خلال نشر الأخبار المتناقضة عنه، وعبر إظهار عدم انسـجام الحكومة والحزب. وتحضّ على توسيع قاعدة الأحزاب القومية، وتحذّر من التقارب في العلاقات بين تركيا وكل من اليونان وأرمينيا. وبهذه الطريقة ستتوسّع الأحزاب القومية، ويظهر الحزب الحاكم في موقف حرج أمام الرأي العام. كما تقترح تشويه سمعة بعض المسلسلات الوطنية التي تنتقد أوساطاً عسكرية.
وفي القسم الخاص التنفـيذي، جاء في الخطّة ـ الوثيقة أنه يجب العمل على إنهاء نشاطات «حزب العدالة والتنمية» وجماعة غولين اللذين «يريدان هدم النظام العلماني وإقامة دولة إسلامية»، من خلال تشويه سمعة الحزب، وإظهار التناقض في سلوك نوابه وأعضائه الذين لا يتخلّون عن الحياة الفاخرة التي يعيـشونها رغم الأزمة الاقتصادية، وما يعنيه ذلك من تناقض مع المفاهيم والأخلاقيات الإسلامية.
وتدعو الوثيقة إلى نشر تسجيلات صوتية على شبكة الإنترنت كما لو أنها لشخصيات «رجعية»، أي إسلامية، وإظهار أحقـّيّة المؤسّــسة العسـكرية أمام الرأي العام. وتطالب بدهم مراكز الجمعيات التي يدعمها فتح الله غولين، وإظهار أنها مسلّحة، ومن ثم اتّهامها بأنها مقارّ لمنظّمات إرهابية مسلّحة يجب محاكمتها. كذلك إظهار أن جماعة غولين على ارتباط بـ«الموساد» الإسرائيلي، و«حزب العمال الكردستاني» المحظور والاستخبارات الأميركية، وإشاعة أن فتح الله غولين يتحرّك بجدول أعمال أميركي يريد هدم الإسلام الحقيقي. أيضاً من بين الوسائل المشوّهة لغولين، إظهار وثائق في مقارّ جماعته تعكس معاداة العلويين.
ومنذ كشفت الصحيفة عن الوثيقة، وردود الفعل تتلاحق وتنبئ باشتباك جديد وكبير بين السلطتين السياسية والعسكرية، وما بينهما من دور للقضاء الذي تتجاذبه القوى السياسية والعسكرية. وقال النائب عن «حزب العدالة والتنمية» شوكت غورصوي، إنه يجب الذهاب في التحقيق إلى النهاية، إذ ليس مفيداً تشويه سمعة الجيش، وهي المؤسّسة الأكثر وثوقاً في تركيا، لذا على رئاسة الأركان أن تنظّف هذا التلوّث.
أما الزعيم الديني فتح الله غولين المقيم في أميركا، فأصدر بياناً على موقعه الإلكتروني وصف فيه الوثيقة بالأمر القذر، معتبراً أن الهدف منها تشويه سمعة المؤسّسة العسكرية أمام الرأي العام، داعياً إلى تنظيف المؤسّسة من هذه الطوابير.
انقلاب السحر على الساحر
رغم أن رئيس الأركان الجنرال إيلكير باشبوغ عقد مؤتمراً صحافياً نفى فيه أن تكون الوثيقة قد أعدّت في رئاسة الأركان، ووصفها بأنها «مجرّد قصاصة ورق»، وشنّ هجوماً قاسياً على منتقدي المؤسّسة العسكرية، ورغم تأكيد القضاء العسكري أنه أجرى تحقيقاً داخلياً في الموضوع ولم يجد ما يستوجب فتح قضية، فإن السحر انقلب على الساحر، عندما استدعت المحكمة المدنية التي تحقّق في قضية «أرغينيكون»، الضابط تشيتشيك الذي تنسب إليه الوثيقة، للتحقيق معه في ورود اسمه كمشتبه فيه في قضية «أرغينيكون». وكانت المفاجأة الكبرى هي أمر المحكمة بوقف هذا الضابط مع ثلاثة ضبّاط آخرين وإيداعهم السجن، بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية. ودخل تشيتشيك التاريخ كونه أول ضابط عسكري يعتقل وهو في الخدمة، ويحاكم أمام محكمة مدنية. وكان القضاء العسكري قد أغلق ملف دورسون تشيتشيك لينفتح المجال أمام القضاء المدني بناء على دعوى تقدّم بها حزب أردوغان أمامه.
حتى الصحف العلمانية لم تتمكّن من الدفاع عن الضابط وعن المؤسّسة العسكرية في هذه القضية. وجاء اعتقال الكولونيل تشيتشيك بمثابة صفعة قويّة لرئيس الأركان، وتأكيد تصميم الحكومة عبر القضاء المدني على مواجهة «دولة أرغينيكون» داخل الدولة، والتي تسبّبت حتى الآن بإضعاف كبير لهيبة القوّات المسلّحة، كون العشرات من المعتقلين أو الذين يحاكمون هم من الضبّاط المتقاعدين، أو الذين لا يزالون في الخدمة.
وفي محاولة لتوجيه صفعة أخرى للمؤسّسة العسكرية، يسعى مجلس النواب الذي يهيمن عليه «حزب العدالة» الى سنّ قانون يقضي بمحاكمة العسكريين أمام المحاكم المدنية، لكنه لم يتمكّن من إقراره بعد، بسبب اعتراضات رئاسة الأركان والخوف من الانعكاس السلبي للتعديل ومضاعفاته على الأوضاع الاقتصادية الهشّة أصلاً.
وأمام الأخطاء المتلاحقة التي ترتكبها المؤسّسة العسكرية، والاحباط المتكرّر لمخطّطاتها، والهجوم المضاد الذي يضطلع به القضاء المدني على حساب القضاء العسكري، فإن تركيا دخلت مرحلة جديدة يشكو فيها العسكريون من تدخّل السياسيين في الشؤون العسكرية، بعد عقود من شكاوى مضادّة بتدخّل العسكر في السياسة. لكن رئيس تحرير «حرييت» أرطغرل أوزكوك حذّر من خطورة الحملة التي يتعرّض لها الجيش وتمزيق صورته وهيبته. وتساءل: «هل يمكن أن ينجح أصحاب الحملة في هذا الأمر؟ ويجيب: «ربما، ولكن حينها، هل يبادر الجيش إلى الاستيلاء على النظام ليحافظ على الثورة وفاقاً لما تحدّد له القوانين مهمّته بدلاً من المحافظة على الجمهورية كما كان يفعل سابقاً؟».
وفي أي حال، فإن المشهد التركي أمام جولة جديدة من الكباش العسكري ـ السياسي الذي تميل كفّته هذه المرّة لمصلحة السياسيين ولو إلى حين )            
«المشاهد السياسي» ـ لندن

( محاكمة منظمة" ارغينيكون": الإمتحان الأصعب للديمقراطية في تركيا
رغم الأزمة المالية العالمية، التي تترك آثارها أيضا على تركيا، وفي ظل تصاعُـد الهجمات الكردية المسلحة على الجيش التركي، ومع تجدّد التوتر بين التيارين، الإسلامي والعلماني بعد نشر قرار المحكمة الدستورية حول الحجاب واعتبار حزب العدالة والتنمية "بُـؤرة لمعاداة العِـلمانية"، رغم كل هذه التحدّيات، كان بإمكان "المخزون" التركي من المشكلات أن يفرغ حمولة فاقت نظائِـرها في جلب اهتمام الرأي العام وكل الطبقة السياسية والأمنية والاقتصادية، وحتى الفنية.

إنها، كما وُصِـفت في تركيا، "محاكمة العصر"، التي بدأت 20 أكتوبر 2008 والتي تَـطال منظمة "ارغينيكون"، الموصوفة بالإرهابية.

وقصة هذه المنظمة بدأت في 12 يونيو 2007 مع مُـداهمة عناصر قِـوى الأمن أحد المنازل والعثور على أسلحة وخرائط وأهداف للقتل والتفجير، من بينها اغتيال رئيس الحكومة نفسه، رجب طيب أردوغان.

ثم كرّت سبحة المُـداهمات والاعتقالات، التي بلغت ذِروة في مطلع يوليو 2008 مع اعتقال اثنين من كِـبار الجنرالات المتقاعدين: شينير اراويغور، القائد العام السابق للدرك، وخورشيد طولون، قائد البحرية السابق.

وإضافة إلى هذين، اعتقل أيضا عدد كبير من كبار الشخصيات، من بينهم سنان ايغون، رئيس غرفة تجارة أنقرة وصاحب صحيفة جمهورية الصحفي المعروف إيلهان سلجوق، ورئيس جامعة إسطنبول السابق كمال عالم دار اوغلو، ودوغو بيرينتشيك، رئيس حزب العمال التركي الصغير، والضابط السابق في الجيش ولي كوتشوك، المتهم بأنه رأس المنظمة وبعض الفنانين.

من الواضح أن المنظمة لم تكُـن عادية أو تقليدية، لم تكن تعبيرا عن تَـيار سياسي محدّد أو مجموعة أيديولوجية أو حزب، كما لم تكن منظمة صغيرة راديكالية تقوم بأعمال العنف.

تُهم خطيرة.. واعتقالات نوعية
منظمة أرغينيكون، أقرب إلى أن تكون "حالة" أو مناخا منها، إلى أن تكون مجرّد تنظيم له رئيس أو هيكلية معينة.

من هنا أهمية الكشف عمّـا تمثله المنظمة وعن امتداداتها وعن إمكانية وقوف أو وجود قِـوى أخرى خفِـية أو سرية خلفها، وما إذا كانت رأس جبل الجليد الذي بذوبانِـه سيماط اللِّـثام عن أسرار وأسرار.

كثافة عدد المتهمين (86 متّـهما) وتشعب انتماءاتهم، المهنية والوظيفية، يجعل المنظمة أشبه ببيت عنكبوت يحتاج تفكيكه إلى وقت طويل. وعلى هذا، لا يرى البعض أنها مسألة أسابيع أو أشهر، بل ربما سنوات.

الكشف عن المنظمة وتوقيت بعض عمليات الاعتقال، اعتُـبر انتصارا لحزب العدالة والتنمية، حيث للمرة الاولى تتجرّأ حكومة على اعتقال جنراليْـن كبيريْـن في الجيش، ولو في مرحلة التقاعد.

والدليل الأكبر على شعور الجيش بالارتباك والحرج والغضب، هو أن وفدا من رئاسة الأركان زار، وفي عهد الرئيس الجديد ايلكير باشبوغ، السجن الذي يقبع فيه الجنرالان انطلاقا من أنهما قدّما في السابق خدمات جلية للجيش والبلاد، وقد أكّـدت رئاسة الأركان في بيانها، أن هذا ليس تدخّـلا في شؤون القضاء الذي له الكلمة الفصل. إذن، أول مؤسسة يُـمكن أن تتأثر سُـمعتها، هي المؤسسة العسكرية، في حال أدِينَ هذين الجنرالين بالتّـهم الموجهة إليهما وإلى غيرهم من العسكريين والأمنيين.

مع الإشارة إلى أن لائحة المتّـهمين الأولى، لم تضم اسمي الجنراليْـن المذكوريْـن، في انتظار أن يضمّـهما ملحق في وقت لاحق، وقد اعتبر ذلك محاولة لتخفيف وقع بدء المحاكمة على هيبة المؤسسة العسكرية، لكن التهم الموجه للمتّـهمين تبدو كبيرة جدّا وذات مفعول رِجعي، قد يصعب التنصّـل منها أو طيّها، إلا في حال نشأت ظروف استثنائية في المستقبل.


فالادّعاء اتّـهم المنظمة بالتحضير لخلق مناخ من التوتر في الشارع وتحريض الرأي العام، لتقبل انقلاب عسكري يُـطيح بالسلطة السياسية، أي الحكومة. ويؤكِّـد اتهام الادّعاء ما كُـشِـف قبل سنتين عن محاولتين للقيام بانقلاب عسكري عام 2004 من جانب بعض القيادات العسكرية وعارضها رئيس الأركان حينها، حلمي اوزكوك.

ومن الوقائع التي يُـوردها الادّعاء، اتهام المنظمة بأنها هي التي كانت تقِـف وراء العديد من عمليات الاغتيال ضدّ عِـلمانيين، من أجل اتّـهام الإسلاميين بذلك واستمرار التّـحريض عليهم، وهكذا تمّ اغتيال الصحفي العلماني أوغور مومجو في مطلع التسعينيات، وكذلك تمّ نشر كاريكاتورات في صحيفة "جمهورييت" مستفزّة للتيار الإسلامي، وأعقبها إلقاء قنابل من جانب هذه المنظمة على مبنى الصحيفة أكثر من مرة، لإظهار الأمر على أنه انتقام من جانب الإسلاميين.

كذلك، قامت المنظمة بهجمات على مقار أو منازل قُـضاة أو الاعتداء عليهم شخصيا، للإيهام بأن إسلاميين قاموا بذلك. والمنظمة كانت تقف وراء تأسيس حزب الله التركي ليُـحارب الأكراد، علما أن تقارير عديدة خرجت في السنوات الماضية، كانت تشير إلى أن حزب الله التركي، هو صنيعة الأجهزة الأمنية التركية، وفي مقدمتها ولي كوتشوك.

والمنظمة نسجت علاقات مع أوساط حزب العمال الكردستاني، بل زوّدته بالسلاح بعض الأحيان، وكذلك تمّ اغتيال الصحفي الأرمني هرانت دينك، لتسعير نزعة قومية تصعّـد التوتّـر وتخرج السيطرة من يَـد حكومة حزب العدالة والتنمية.

ويتهم الادعاء المنظمة، بإقامة علاقات وممارسة ضغوط على القضاء، لفتح دعوى حظر حزب العدالة والتنمية، وإقامة المهرجانات المحرّضة ضد الإسلاميين في السنتين الأخيرتين.





تركيا.. ساحة لتصفية الحسابات!
في ظل هذه المناخات والمُـعطيات، تبدو تركيا مرشّـحة لتكون ساحة لتصفِـية حسابات عَـلنية وسرية بين تيارين، لا يمكن أن يلتقيا. تيار يمثله حزب العدالة والتنمية، ويدعو إلى ترسيخ الحريات والديمقراطية، وآخر يضمّ متشدّدين عِـلمانيين وقوميين وعسكريين، يعارضون توسيع الإصلاح السياسي. ومن الواضح أن التيارين يخوضان حربا بالنقاط، مستخدمين كل "ما ملكت أيمانهما".

العسكر والعِـلمانيون سلاحهم الأساسي، القضاء والمحكمة الدستورية، فيما سلاح العدالة والتنمية، الإصلاح السياسي وبعض الرّموز "النظيفة" في القضاء، وهو ما أتاح بدء محاكمة أرغينيكون.

وإذا كانت دعوى إغلاق حزب العدالة والتنمية إحدى أهم الأوراق ضد الحزب في هذه الحرب، فإن عدم إغلاقه لا يعني نهاية الطريق. فلعبة شدّ الحبال ستستمر في المرحلة المقبلة.

ورغم كثرة الأصوات التي تناولت تداعيات محاكمة المنظمة، فإن البعض يجِـدها فرصة لتركيا لكي تتحاسب مع ماضيها المُـمتد إلى عام 1908، تاريخ أول محاولة انقلابية في الشرق الأوسط على يد حزب الاتحاد والترقي ضدّ السلطان عبد الحميد الثاني.

ويقول وزير الثقافة السابق، فكري صاغلار، إن المحاكمة فُـرصة لترسيخ الديمقراطية وإنهاء الدولة العميقة، حيث ستبدأ بانكشاف البُـنى غير الشرعية داخل الدولة.

ويقول عمر فاروق غيرغيرلي اوغلو، رئيس إحدى جمعيات حقوق الإنسان، إن قضية أرغينيكون قد كشفت وجود بُـنى تتحكّـم بالمؤسسات في البلاد، والوقت قد حان لإقامة دولة المؤسسات والحريات والديمقراطية والقضاء التركي أمام مسؤوليات كبيرة.

ويرى الكاتب المعروف حسن جمال، أن دعوى أرغينيكون يمكن أن تشكل نقطة تحوّل من زاوية ترسيخ الديمقراطية والقانون.

التحدّي الأكبر أمام القضاء والديمقراطية
أكثر من ذلك، أن في تركيا تيارا يُـدافع عن النزعات القومية والوطنية المتشدّدة، ويرى في التقارب مع الاتحاد الأوروبي مدخلا لتقسيم تركيا، وعندها سيأتي الإسلاميون إلى السلطة، ويرى هذا التيار أن الحل بالتقارب مع اوراسيا والشرق، وليس مع الغرب.

وقد استطاع هذا التيار، التّـغلغل داخل المؤسسة العسكرية وإيجاد أنصار له فيها، ومنهم سكرتير مجلس الأمن القومي السابق تونجير كيليتش، بل أن معظم المتّـهمين في أرغينيكون الآن من أنصار الخروج من الناتو والانضمام إلى منظمة شانغهاي والتعاون مع روسيا، بل قام بعضهم بخطوات عملية عندما كان في مركز المسؤولية.

لكن مع ذلك، فإن المسألة الأساسية، هي في تفكيك الشبكات والذِّهنِـيات التي تريد التغيير عبر اللجوء إلى العنف والانقلابات، وهذا هو التحدّي الأكبر أمام القضاء والديمقراطية، ومن دونه لن تعرف تركيا الاستقرار.

وسنرى ما إذا كانت ستذهب الأمور إلى نهاياتها أم أن توازُن القِـوى سيفرِض تسوية تؤجِّـل الحسم إلى سنوات لاحقة.)

د. محمد نور الدين – بيروت


( نشرت صحيفة "يني شفق" التركية في عددها الصادر اليوم الجمعة علما لشبكة "أرغينيكون" الإجرامية عثرت عليها السلطات التركية.
وفاجأ العلم الذي يجمع رموز الصهاينة والقوميين الأتراك الرأي العام التركي وقالت الصحيفة إن العلم المذكور عثرت عليه شرطة مكافحة الجرائم المنظمة في مديرية أمن إسطنبول في بيت تونجاي غوناي، الذي لعب باعترافاته دورا هاما في كشف الشبكة.

وذكرت الصحيفة أن قادة الشبكة كانوا ينظمون اجتمعات سرية أمام هذا العلم الذي يحتوي على "نجم داوود" ورأس الذئب الذي يعتبره القوميون المتشددون رمزا للقومية التركية.
وقد بدأت محاكمة 86 متهما بالانتماء الى شبكة "ارغينيكون" المتهمة بالسعى الى الاطاحة بالحكومة التركية الشهر الماضي وتنسب لائحة الاتهام التي تقع في 2500 صفحة للشبكة المسؤولة عن هجوم استهدف المحكمة الإدارية العليا وقتل فيه قاض وهجمات بقنابل يدوية على صحيفة "جمهوريات" المقربة من الاوساط العلمانية.
كما تتهم الشبكة بالتخطيط للاعتداء على رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وقائد اركان الجيش السابق يشار بوكانيت والعديد من الشخصيات بينها حائز جائزة نوبل للآداب لعام 2006 اورهان باموك.

وبين الـ86 متهما ضباط وزعيم حزب قومي صغير ومحام من اليمين المتطرف نال شهرة بسبب دعاواه ضد مثقفين وناقد وصحفيين وعناصر مافيا.)
تايم تورك / إسطنبول


وهكذا من مجموع هذه الأخبار يرى العاقل بوضوح تأييد الله عزوجل لهذا الفريق من المؤمنين بفضح أعدائهم وإزالة العوائق من طريقهم دون أن يبذلوا جهدا أو يخطر على بالهم أن هذه العوائق كانت لهم بالمرصاد في وقت ما .
وقد اختار حزب العدالة والتنمية نفس تاريخ اليوم الذي فرض فيه ضباط الجيش الانقلابي الدستور الظالم يوم 12 سبتمر   ليكون موعدا لتصويت الأمة التركية على التعديلات الدستورية  وستكون معركة كسر عظم  لذا يحشد أردوغان لها الحشود الهائلة إذ لايمكن تعديل الدستور إلا بأغلبية مطلقة .
وفيما يلي مقابلة أجريت مع أحد مستشاري أردوغان حول تعديل الدستور وبعض القضايا الأخرى
(  كبير مستشاري أردوغان: لا نستهدف الجيش. لكن عليه أن يعرف حدوده
إبراهيم قالن: إسرائيل مسؤولة عن توتر العلاقات وتعرف ما يجب فعله لتصحيحها.. لكن قطعها ليس سهلا...
كشف البروفسور إبراهيم قالن، كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أن حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه الأخير سوف يبدأ في إعداد دستور جديد لتركيا إذا ما فاز في الانتخابات النيابية الصيف المقبل، معتبرا أن التصويت بـ«نعم» على الاستفتاء الذي سيقام حول التعديلات الدستورية المقترحة من قبل الحكومة سيؤدي بتركيا إلى مزيد من «التحديث والديمقراطية والشفافية والمدنية»، مؤكدا أن الحزب لا يستهدف الجيش مباشرة، لكنه شدد على أن على هذا الجيش أن «يعرف حدوده» وأن لا يتدخل في السياسة. معتبرا أن «نعم» ستكون رسالة إلى الجميع أن أي محاولة انقلاب أخرى لا يمكن أن تتم من دون عواقب، فالديمقراطية التركية لا يمكن أن تحتمل انقلابا أو احتمال انقلاب كل 10 سنوات، مشددا على أن أي جيش يتدخل في السياسة سيخلق تعقيدات كبيرة.
ورفض قالن في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في أنقرة تحميل حزب العدالة والتنمية مسؤولية تدهور العلاقة مع إسرائيل، مشيرا إلى أن أسبابا كثيرة أدت إلى هذا الوضع تتحملها إسرائيل بسياساتها، موضحا أن تركيا أوضحت للقادة في إسرائيل ما يجب عليهم فعله لإعادة الأمور إلى طبيعتها، مستبعدا أن تصل الأمور إلى حد قطع العلاقات لأن «الأمر ليس بهذه السهولة».
وفيما يأتي نص الحوار:
* بماذا تفسرون التحولات التركية الجديدة إلى الشرق بدلا من الغرب؟
- البعض يصف الدينامية الجديدة في السياسة التركية والتوسع في سياستها الخارجية بأنه تغيير في المحور الذي كانت فيه، ويدعون أن تركيا تفضل الآن الشرق والعالم الإسلامي على الغرب، أي أوروبا والولايات المتحدة. نحن ننظر إلى الأمر من زاوية مختلفة، فنرى أن ما يجري هو عملية إعادة الأمور إلى طبيعتها فيما يخص تركيا، التي تقوم الآن بترسيخ السلام مع كل جيرانها، وهذه السياسة تدعى «صفر مشكلات» مع كل الجيران كما رسم أطرها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو. ونحن نحاول تطبيق هذه الاستراتيجية مع كل جيراننا، وليس مع المسلمين منهم فقط. فقد حسنا علاقاتنا بسورية وإيران، فلو نظرنا إلى العلاقة مع سورية قبل 10 سنوات لوجدنا أننا كنا على حافة الحرب معها لأسباب تتعلق بقضايا المياه وحزب العمال الكردستاني وغيرهما من القضايا الخلافية. أما اليوم فلدينا علاقات ممتازة مع سورية.
كذلك حسنا علاقاتنا مع العراق، وتحديدا شماله، بعد عقود تأرجحت فيها هذه العلاقات بسبب قضية حزب العمال الكردستاني الذي اتخذ من شمال العراق مقرا له ومعبرا لضرب القوات التركية والاعتداء على المواطنين الأتراك وقوانا الأمنية والعسكرية. اليوم نحن نحسن علاقاتنا مع هذه الدول، لكن هذا الأمر لا يقتصر عليها فقط، فقد تحسنت علاقتنا مع اليونان بشكل ملحوظ جدا.
وعلى الرغم من استمرار وجود بعض القضايا الخلافية والتوترات، فإننا إذا نظرنا إلى ما كانت عليه العلاقات بيننا منذ 10 سنوات، نرى أننا نقيم اليوم نوعا مختلفا جدا من العلاقات مع اليونان. وعندما انتخب أندرياس باباندريو رئيسا للوزراء في اليونان العام الماضي، كانت أول زيارة رسمية يقوم بها هي إلى تركيا، ونحن قمنا بزيارة اليونان بدورنا، ونحن نتباحث معهم اليوم في الكثير من القضايا كالتعاون العسكري والتعاون الإقليمي، بالإضافة إلى قضايا اقتصادية وأخرى تتعلق بالطاقة والاتصالات والتبادل الثقافي وغيرها.
والوضع نفسه قائم مع بلغاريا التي تحسنت علاقاتنا معها بشكل ملحوظ، ونحن نحاول اليوم القيام بالشيء نفسه مع أرمينيا، وقد وقعنا العام الماضي برتوكولا لإعادة العلاقات فيما بيننا إلى طبيعتها. لكن للأسف، فإن هذه العملية صعبة، بسبب قضايا أرمينية داخلية وقضايا إقليمية في القوقاز، لكن المهم هو أن تركيا تحاول تحسين علاقاتها مع كل جيرانها، فمع روسيا – جارنا البحري – ومع جورجيا أيضا لدينا علاقات جيدة.
كخلاصة لا نجد أن تطوير علاقاتنا مع دولة ما سيكون على حساب دول أخرى، فإذا ما حسنا علاقاتنا مع جيراننا العرب المسلمين، فهذا لا يعني أننا سنخسر علاقاتنا مع الغرب والولايات المتحدة. هذا أمر نحاول أن نسير فيه بالتوازي بين الطرفين، ولهذا نسميها عملية إعادة الأمور إلى طبيعتها، ونسعى لتطوير منظور مناطقي، فنحن نعيش في هذا الجزء من العالم، وعلينا أن نكون على علاقة جيدة مع جيراننا لأسباب اقتصادية وسياسية وأمنية. تركيا هي دولة يافعة وديناميكية يبلغ عدد سكانها نحو 75 مليون نسمة معظمهم من الشباب بمعدل 60 إلى 65 في المائة من السكان، ولهذا علينا أن نقدم لهؤلاء التعليم والفرص، وإذا خلقنا جوا سلميا في المنطقة، فبالتأكيد يمكن أن نستفيد من ذلك، كما الجميع.
* لكنكم تركزون على الشرق الأوسط؟
- كأكاديمي وأستاذ جامعي، عارضت دوما النظر إلى منطقة الشرق الأوسط، كمنطقة صراعات وحروب ومشكلات وفقر. هذه المنطقة أنتجت بعضا من أعظم الحضارات في التاريخ، فإذا كانت هذه الجغرافيا قادرة على إنتاج هذا التاريخ المرموق، فإنها يمكنها أن تفعل ذلك مجددا، وما علينا سوى أن نمتلك الثقة بقدراتنا. نعم، هناك قضايا تحتاج إلى حل في الشرق الأوسط، لكن هناك مشكلات في كل مكان من العالم، في أوروبا والبلقان وشرق وجنوب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. والسؤال هو: هل نؤمن بقدرتنا على معالجة هذه المشكلات القائمة بمعالجتها بدلا من ادعاء النظر إليها بعين عمياء؟
نحن مهتمون بكل القضايا في منطقتنا، لأن السلام والاستقرار في المنطقة مهم جدا بالنسبة إلينا، والسلام سيؤثر إيجابا على المنطقة بأكملها، وليس فقط على العرب أو الإسرائيليين، لأن الصراع في الشرق الأوسط وما يحدث للفلسطينيين هو عبارة عن تاريخ من عدم الإنصاف، وهذا الواقع يؤثر على نظرة وتصرفات مئات الملايين من المسلمين في العالم حيال أوروبا والولايات المتحدة. فمعظم الحركات المعادية للأميركيين والأوروبيين في المنطقة أتت كنتيجة للقضية الفلسطينية، ولهذا ندعو إلى التعامل مع هذه القضية، وإيجاد حل عادل وقابل للتطبيق والاستمرار لها، وما يجب القيام به في هذا الشأن واضح جدا وسهل جدا، وليس عملا سحريا.
ما نحتاجه هو العودة إلى حدود عام 1967 وإنشاء دولة فلسطينية والمشاركة في القدس، باستثناء القدس الشرقية التي هي عاصمة الدولة الفلسطينية، والتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين لإعادتهم إلى ديارهم، وهذه هي المبادئ الأساسية للمبادرة العربية للسلام التي ندعمها. نحن نأخذ العملية السلمية في الشرق الأوسط بجدية كاملة، لكن هناك أيضا قضايا أخرى في المنطقة، كالمحادثات الإسرائيلية – السورية والعلاقات السورية – العراقية والوضع في جنوب لبنان ومستقبل العراق وتشكيل الحكومة العراقية واحترام وحدة أراضي العراق.
وفي المقابل هناك التوتر في القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، وهي مصدر اهتمام بالنسبة إلينا، وكذلك بالنسبة إلى الأوروبيين والأميركيين. ونحن نقول في هذا الإطار بضرورة إيجاد حل لقضية ناغورني كارباخ (المتنازع عليها بين الدولتين) بدلا من التعامي عنها. ومبادرتنا لتطبيع العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان كانت تهدف أيضا إلى الوصول إلى استقرار في المنطقة، ليشعر الجميع بالأمان. وهناك أيضا القضية الأفغانية، فمن المعلوم أن لدينا قوة مشاركة هناك تقدم التسهيلات اللوجيستية والدعم لقوة حلف شمال الأطلسي الموجودة هناك. ونحن نتعاون بالتحديد مع الأميركيين في العراق وأفغانستان.
وإذا نظرنا إلى الصورة العامة، نجد أننا اليوم نمتلك علاقات جيدة مع كل جيراننا وحلفائنا، وهذا لا يأتي على حساب علاقتنا مع أوروبا التي نسعى للانضمام إلى اتحادها كعضو كامل، وجهودنا للتوسط بين الأطراف في المنطقة تلقى تقديرا واسعا في أوروبا. بالطبع لدينا بعض القضايا مع فرنسا وألمانيا لمعارضتهما انضمامنا إلى الاتحاد الأوروبي، لكن علاقاتنا بالإجمال جيدة مع الجميع، فألمانيا هي شريكنا التجاري الثاني بعد روسيا، ولدينا نحو 25 مليون تركي في ألمانيا بعضهم أصبح يحمل الجنسية الألمانية ويتفاعل كمواطن مع القضايا الألمانية الداخلية، بالإضافة إلى نظرته إلى وطنه الأم.
* هل التوجه شرقا هو اعتراف بالخطأ؟
- ما حصل هو أننا – كأتراك – أهملنا العالم العربي لقرون ونحن الآن عائدون مع وجهة نظر مختلفة تقول لماذا نهمل العالم العربي؟ فليس هناك من أسباب اقتصادية أو سياسية أو ثقافية أو دينية أو آيديولوجية لذلك. بل على العكس، لدينا كل الأسباب لإقامة أفضل العلاقات مع العالم العربي، وهذا ما نقوم به الآن.
* ما هو مستقبل العلاقات مع إسرائيل التي يبدو أنها تتدهور منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة؟
- كثيرا أقمنا علاقات مع إسرائيل قائمة على الاهتمامات المشتركة. وعندما كنا نرى أن هذه العلاقات تتلاقى مع اهتماماتنا الوطنية كنا ندعم هذه العلاقات. لكن عندما كنا نحس أن السياسة الإسرائيلية لا تتفاعل مع السلام في المنطقة ولا تسير باتجاه العملية السلمية كنا نواجه الإسرائيليين بهذا، وهذا ما حصل مرات كثيرة في تاريخ العلاقات، ولا يعني هذا أننا كنا على علاقة جيدة بإسرائيل لعشرات السنوات، ثم أتى حزب العدالة ليؤثر عليها سلبا. إذا نظرنا إلى صورة الوضع الحالي وجمدناها ونظرنا إليها يمكن أن نقول إن هناك مشكلة كبيرة هنا، لكن إذا نظرنا إلى الصورة العامة نجد أن الأمور مختلفة.
* وكيف هي الصورة الكبرى؟
- عندما انطلقت العملية السلمية في أوسلو في التسعينات دعمناها، وكان هناك تفاؤل كبير يطفو في الهواء في العالم العربي وأوروبا حيال إمكانية الوصول إلى حل للصراع في المنطقة قائم على حل يؤدي إلى نشوء دولتين تعيشان بسلام جنبا إلى جنب، وبالتالي فإن الدول العربية الأخرى ستقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل. لكن بعد نحو 20 عاما لم يحصل الفلسطينيون عمليا على أي شيء، بل كانت هناك المزيد من المستوطنات والغزوات وسرقة أراضي الفلسطينيين والمزيد من اللاجئين وغيرها وصولا إلى الوضع الإنساني القائم في غزة الذي وصفه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأنه أشبه بسجن كبير.
وآخر جولة من التوتر بين إسرائيل وتركيا حصلت بسبب السياسة الإسرائيلية، ولم يكن خيارنا على الإطلاق. فتركيا سهلت محادثات بين إسرائيل وسورية لنحو سنة في أنقرة بين العامين 2007 و2008، وخلال هذه المحادثات كان رئيس الوزراء التركي مشاركا شخصيا في هذا الموضوع، وفي الجولة السادسة كان أمضى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ساعات مع الرئيس أردوغان في مقر رئاسة الحكومة يتحدثان عن التفاصيل النهائية، قبل الانطلاق إلى المحادثات المباشرة بين الطرفين، وكان هذا يشكل تطورا نوعيا ويخلق دينامية جديدة في المنطقة. لكن ما حدث أن أولمرت ترك أنقرة يوم الاثنين وشن حربا على غزة يوم الجمعة، وكان الجميع هنا مصدوما، ولم تفعل حكومة أولمرت أي شيء لتشرح لنا أو تعتذر على ما حصل من كذب على رئيس الوزراء التركي الذي أحس شخصيا بأنه خدع. كما أن ما حصل في غزة آنذاك لم يكن مقبولا على الإطلاق لجهة استهداف المدنيين وقتل الأبرياء.
كما أن الحصار الذي فرض على غزة لم يكن مقبولا بالنسبة إلينا من الناحية الإنسانية، بالإضافة إلى عدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات الفلسطينية التي أدت إلى فوز «حماس»، كمن يقول للفلسطينيين إنه إذا لم تعجبنا نتائج الانتخابات فلن ندع الفائز يحكم، فأي نوع من الديمقراطية هذا؟ هل يمكننا القول للأميركيين إنكم انتخبتم جورج بوش رئيسا ونحن لا نعترف به، فلن نتعامل معكم.. هذا بالضبط ما قام به الإسرائيليون والأميركيون وبعض أوروبا ما أدى إلى الانقسام بين غزة والضفة، وهذا يسأل عنه هؤلاء، بالإضافة إلى بعض العرب الذين دعموا هذا الانقسام للأسف.
وكنتيجة لهذا هناك حكومتان في الأراضي الفلسطينية، والرئيس الفلسطيني محمود عباس سيذهب إلى المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين مكبلا ولن يحصل على أي نتيجة على الأرجح. وما أريد قوله هنا هو أن كل هذه السياسات لن تؤدي إلى نتائج إيجابية، وهذا ما قلناه للإسرائيليين، وأكدنا لهم أن هذه السياسات لن تجعل إسرائيل أكثر أمنا. نحن نأمل أن الإسرائيليين سوف يغيرون سياساتهم ويبدأون بإزالة الحصار والمقاطعة ويبدأون محادثات سلام جدية، وليس محادثات من أجل المحادثات، تؤدي إلى وقف الاستيطان والعودة إلى حدود عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة والتعامل مع قضية اللاجئين، وعندها أنا متأكد من أن إسرائيل سوف تحظى بالسلام، وسوف يبدأ الجميع في المنطقة – حتى إيران – النظر إلى إسرائيل من وجهة نظر مختلفة.
وبالإضافة إلى الوضع الفلسطيني إثر ما حدث للسفينة مرمرة على العلاقات بين البلدين، والتي كانت – لسوء الحظ – لحظات مرة جديدة في علاقاتنا مع إسرائيل. فقد تمت مهاجمة السفن التي تضم عشرات من دعاة السلام وقتل 8 أشخاص في المياه الدولية. وقد طالبنا على الفور بإطلاق المحتجزين من أعضاء الأسطول الذي كان يحمل مساعدات إنسانية وبإطلاق السفن وتأليف لجنة تحقيق دولية ورفع الحصار عن غزة واعتذار إسرائيلي لتركيا التي فقدت عددا من مواطنيها في الاعتداء. وإذا نظرنا إلى التطورات التي تلت، نجد أن هذه المطالب تتحقق تباعا، فالمشاركين أطلقوا وكذلك السفن، كما تم تخفيف الحصار على غزة، وتم تشكيل لجنة بمشاركة الأمم المتحدة، والأمر يعود إلى الإسرائيليين لإعادة العلاقات مع تركيا إلى طبيعتها، نحن منفتحون لهذه الغاية، لكن لن يتم إلا إذا اتخذ الإسرائيليون خطوات فعلية لتغيير هذه السياسات.
* هل تعتقد أنهم سيعتذرون في نهاية المطاف؟
- لا أريد أن أتكهن. إنه قرارهم الخاص، لكني أعتقد أنه بعد أن تعلن لجنة التحقيق قرارها في هذا الشأن، فإننا سنرى ما سيحصل ونحدد خطواتنا المقبلة على ضوئها.
* هل يمكن أن نرى يوما في المدى المنظور تقطع فيه العلاقات مع إسرائيل؟
- ليس في المدى المنظور. قلنا للإسرائيليين بوضوح ما يجب أن يحصل لتحسين العلاقات. لكن لا يمكن أن نصل إلى هذه النقطة (قطع العلاقات) بهذه السهولة.
* لكن يبدو أن الإسرائيليين الآن يبحثون عن أصدقاء جدد بديلا لتركيا؟
- الأمر عائد إليهم، يمكنهم القيام بما يريدونه، وبما يرونه مناسبا ويتوافق مع مصلحتهم. هذه كانت سياسة إسرائيلية منذ أيام بن غوريون والتي تقضي بأنه بدلا من تحسين العلاقات مع الجيران، يبحثون عن توثيق علاقاتهم بمن هم أبعد في الخطوط الخلفية، فهكذا كانت إيران بالنسبة إليهم وكذلك إثيوبيا وتركيا. هم يبحثون عن «خيارات» كما هو واضح، لكن المنطقي هو أن تحسن علاقاتها بجيرانها الذين تعيش في محيطهم، فمن المنطقي أكثر السعي للسلام معهم، ثم الانطلاق إلى ما هو أبعد. ولهذا عليهم إعادة النظر بسياسات الفصل المتعمدة.
* كيف سيؤثر التطور الجديد في العلاقات مع اليونان على الجهود الرامية إلى إعادة توحيد قبرص؟
- سيؤثر إيجابا بالتأكيد. فنحن نسعى منذ عام 2004 إلى إعادة توحيد الجزيرة، وبذلنا جهودا حثيثة من أجل ذلك ودعمنا خطة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لإعادة التوحيد على أمل أن تصبح الجزيرة بأكملها عضوا كاملا في الاتحاد الأوروبي، وهذا من شأنه أن يسهل عضويتنا أيضا. وقد كانت الأجواء إيجابية مع اليونانيين الذين دعموا طلبنا للعضوية الدائمة في الاتحاد الأوروبي، لكن للأسف، فإن قضايا محلية قبرصية أعاقت العملية، ما جعل القرار صعبا للطرفين. فالحل يجب أن يكون عادلا ومقبولا من الطرفين، وقد صوت الجانب التركي من الجزيرة بالإيجاب على خطة أنان في الاستفتاء الذي جرى، لكن الجانب الآخر صوت بالرفض.
وللأسف، فإنه بعد ذلك، دعم الأوروبيون دخول قبرص اليونانية في الاتحاد الأوروبي، مكافئين اليونانيين ومعاقبين الأتراك، وهذا غير مقبول. والجميع يعترفون الآن أن ما حصل كان صحيحا تقنيا لكنه خاطئ أخلاقيا. وبدخول قبرص أصبح هناك من يمتلك قوة الـ«فيتو» على دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهم يستطيعون منع الكثير من القرارات التي تكون لصالحنا، فكيف يتم إعطاء هذا النوع من القوة لفريق دون الآخر؟ المحادثات قائمة بين الطرفين على الجزيرة واليونان وتركيا تواكبان الأمور وسنرى إلى أين تصل الأمور.
* هل نستطيع أن نصف الاستفتاء المقبل على أنه «تاريخي» بالنسبة إلى تركيا؟
- إنه أشمل تعديل للدستور القائم منذ العام 1982. وهو يحمل الكثير من التحديثات التي سوف تحسن من العملية الديمقراطية في البلاد، ومن سيادة القانون فيها. فهذه التعديلات سوف تلغي التمييز القائم ضد المرأة وبعض فئات المجتمع الأخرى، وهي تتضمن نوعا من نظام التدقيق داخل الدولة التي ستراقب الدولة نفسها، وهي ستعطي العاملين المدنيين، وكذلك في القطاعات الأخرى غير المدنية حق تشكيل النقابات والانتماء إليها، كما أنها سوف تعيد تشكيل المحكمة الدستورية بزيادة عدد أعضائها من 11 إلى 17 كما هو حاصل في أوروبا، كما أنه سوف يضيف تعديلات على نظام توزيع القضاة والمدعين العامين، وقضايا أخرى، وهي جميعها تقدم تحسينات للنظام الديمقراطي والقضائي في تركيا. وهذه التعديلات ضرورية لتحسين عمل المؤسسات، وللتوائم مع متطلبات الاتحاد الأوروبي.
* يصف بعض المحللين هذه التعديلات بأنها «الضربة القاضية» لنفوذ الجيش والمحكمة الدستورية في السياسة التركية!
- هذا النوع من التوصيف الذي يحاول البعض تقديمه هو أكثر دراماتيكيا من الواقع. الواقع ليس أن حزب العدالة والتنمية يريد توجيه الضربات إلى الجيش والمحكمة الدستورية، لكنها جزء من إعادة العملية الديمقراطية إلى الوضع الطبيعي. في عام 1980 قام العسكريون بانقلاب، هو غير شرعي بالنسبة إلى الدستور. لكنهم قدموا التبريرات بأنه من أجل مصلحة الشعب وما إلى ذلك، لكن هؤلاء الضباط أنفسهم أعطوا لأنفسهم المناعة من الملاحقة القضائية جراء ما فعلوه وهذا أمر غير مقبول في أي نظام ديمقراطي. التعديل الدستوري الجديد سيمكن المتضررين من مقاضاة هؤلاء أمام المحاكم المدنية، لكن هذا لا يعني أنه ستتم ملاحقتهم في اليوم التالي للاستفتاء.
قد يرفع البعض دعاوى، هذا لا يهم. المهم أننا بهذا نقدم رسالة إلى الجميع أن أي محاولة انقلاب أخرى لا يمكن أن تتم من دون عواقب. فالديمقراطية التركية لا يمكن أن تحتمل انقلابا أو احتمال انقلاب كل 10 سنوات. ما كان غير طبيعي ستتم إعادته إلى طبيعته من خلال هذا التعديل. وفي المقابل، فإن الجيش يجب أن يعرف حدوده، فهو ليس حزبا سياسيا، أو نظاما قضائيا أو برلمانا، الجيش هو الجيش. ويجب عليه حماية الحدود، وأي جيش يتدخل في السياسة سيخلق تعقيدات كبيرة.
* ماذا لو أتى الاستفتاء بـ«لا» للتعديلات؟
- لن تكون نهاية العالم، لكنها ستكون بالتأكيد سيئة لتركيا لأن الـ«نعم» ستعني أن تركيا جاهزة للمزيد من التحديث. وأعتقد أنه بعد الانتخابات المقبلة سنبدأ بإعداد دستور جديد للبلاد، لأن البلاد بحاجة ماسة إليه، فحتى لو أقرت التعديلات، فإن الأمر ليس كافيا.
* ماذا سيحمل؟
- المزيد من التحديث والديمقراطية والشفافية والمدنية.
* يقال إن السيد أردوغان يريد من خلال هذا التعديل إقامة نظام جمهوري والترشح لرئاسة البلاد بعد ذلك؟
- لا أعرف، إنها توقعات حتى الساعة. لم أسمع من رئيس الوزراء شيئا بهذا الخصوص. هناك الآن رئيس ورئيس وزراء سيبقى في منصبه حتى الانتخابات المقبلة، وإذا فاز الحزب في الانتخابات فهو سيكون رئيسا للوزراء من جديد، مما يعني أنه أمامنا نحو 5 سنوات، وأعتقد أنه في ذلك الحين سيتخذ قرارا بهذا الخصوص. )
المصدر: الشرق الأوسط
ويحاول الخصوم وعلى رأسهم الفاسدون في الجيش التركي عرقلة التصويت أو أن تكون النتائج مخيبة لحزب العدالة وبالتالي لايتمكن من تمرير إصلاحـــاته  ( وأرى من وجهة نظري أن الله سيخذل أعداء الحرية والعدل  وسينصر حزب العدالة والتنمية بإذنه سبحانه وتعالى وسيمكن لهم في الأرض لأنهم كما نحسبهم والله حسيبهم من عباد الله الصالحين الذين وعد الله بتوريثهم الأرض )
وأثناء كتابة هذه الأسطر نشر خبر جديد عن مدى الهلع الذي أصاب الفاسدين في تركيا من احتمال التصويت لصالح تعديل الدستور فقرروا أن يتصلوا بألد أعداء تركيا عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الذي سفك دماء أبناء مجتمعهم وسعى لتدمير دولتهم  قرروا أن يتصلوا به ليعرقل التصويت لصالح تعديل الدستور  مما يدل على أن هذه الطبقة قد وصلت إلى دركات كبيرة من الانحطاط  والنذالة  وإليكم الخبر

فضيحة سياسية لقاض تركي على Dailymotion
"إذا صوت الأكراد لصالح التعديلات الدستورية.. ضاع كل شيء"



أخبار العالم

نشر موقع Dailymotion تسجيلا صوتيا يقال أنه للقاضي حمدي ياور أقطان عضو محكمة العقوبات الثامنة، وفيه يروي لاثنين من كبار القضاة أنه قد استنفذ كل الطرق من أجل رفض التعديلات الدستورية.
ولهذا فإن الحاجة ماسة الآن إلى الزعيم الكردي عبد الله أوجلان. إذ ينبغي على حزب الشعب الجمهوري استمالة الحزب الكردي وإوجلان إلى صفه لرفض هذه التعديلات الدستورية عند الاستفتاء عليها. لأنه لو صوت الأكراد لصالح التعديلات الدستورية ضاع كل شيء.."

وقد أثار هذا التسجيل ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية والشعبية في تركيا، ومدى تدخل رجال القضاء في السياسية، ومحاولة توجيههم للعملية السياسية وتحطيط المناورات السياسية. )

وإذا تم تعديل الدستور فإن معركة المحكمة الدستورية والجيش ستكون التالية  ولله الأمر من قبل ومن بعد  ينصر من يشاء وهو القوي العزيز
العالم يكرم أردوغان
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله يسلم أردوغان جائزة الملك فيصل لخدمة الاسلام

وقد وضع الله محبة هذا الرجل في قلوب الناس ( نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحد )  فقد تم تكريمه في عدة دول وتم منحه شهادة الدكتوراة الفخرية من عدة جامعات  وقد توج ذلك التكريم بحصوله على جائزة الملك فيصل لخدمة الاسلام  وهي شهادة رفيعة لم يسع إليها ولكنها جاءته على قدميها ، ونتابع في الخبر التالي المزيد من أخبار التكريم
فاز أردوغان بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام
(لعام 2010 - 1430 هـ).
وقال عبد الله العثيمين الأمين العام للجائزة إن لجنة الاختيار لجائزة خدمة الإسلام التي يرأسها ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز اختارت أردوغان لقيامه بجهود بناءة في المناصب السياسية والإدارية التي تولاَّها، "ومن تلك المناصب أنه كان عمدة مدينة إسطنبول حيث حقَّق إنجازات رائدة في تطويرها. وبعد أن تولَّى رئاسة وزراء وطنه تركيا أصبح رجل دولة يشار بالبنان إلى نجاحاته الكبيرة ومواقفة العظيمة؛ وطنياً وإسلاميا وعالمياً".

وقد تم منحه شهادة دكتوراة فخرية من جامعة أم القرى بمكة المكرمة في مجال خدمة الإسلام بتاريخ 1431/3/23 هـ .

كما منح رجب طيب أردوغان شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الإسلامية في غزة .



فقد منحت الجامعة الإسلامية بغزة السيد رجب طيب أردوغان – رئيس وزراء الجمهورية التركية- شهادة الدكتوراة الفخرية، وقد سلم كل من النائب جمال ناجي الخضري- رئيس مجلس أمناء الجامعة الإسلامية بغزة، والدكتور كمالين كامل شعث- رئيس الجامعة الإسلامية بغزة، الشهادة للسيد أردوغان في حفل أقيم بمقر رئاسة الوزراء في العاصمة التركية أنقرة.

وقد جاء في حيثيات قرار مجلس الأمناء بمنح شهادة الدكتوراة الفخرية"بأن الجامعة تمنح هذه الشهادة للسيد رجب طيب أردوغان تقديراً لجهوده الكبيرة والمتواصلة في مساندة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة".


الشهادة من الجامعة الإسلامية لها معنى آخر
وقال السيد أردوغان في كلمته التي ألقاها في الحفل"إن الجامعة الإسلامية بغزة تواصل التعليم منذ 32 عاماً في ظروف قاسية، أحيي وأقدر الجامعة الإسلامية التي عملت تحت الاحتلال وأزيز الرصاص والقصف والظروف الصعبة وقدمت نموذجاً للأداء الفلسطيني، وأنا أهنئكم على نضالكم الأكاديمي في ظل هذه الظروف الصعبة بالنيابة عن شعبي ".


وأشار السيد أردوغان إلى أنه تسلم خلال رئاسته للوزراء شهادات دكتوراة فخرية عديدة من جامعات بالعالم إلا أن الشهادة التي منحتها الجامعة الإسلامية بغزة لها معنى آخر يميزها عن الشهادات الأخرى.
وخاطب السيد أردوغان النائب الخضري والدكتور شعث قائلاً: "إن مجيئكم هنا وعدم تمكني من الذهاب إلى غزة يثبت هذا المعنى بشكل واضح، وكما تعلمون أن تركيا وفلسطين ترتبطان بأواصر تاريخية وعاطفية، وكما كان في التاريخ، فإن آلام فلسطين آلامنا وفرحة فلسطين فرحتنا".

وشدد السيد أردوغان على ضرورة توحيد الفلسطينيين صفوفهم والتوصل إلى المصالحة بينهم؛ ليتمكنوا من إنهاء معاناتهم.
وطالب أردوغان بالقول:"لن تسقط القدس ولا المسجد الأقصى والضفة الغربية من أجندتنا"، مبينا أن قدر تركيا لا يختلف عن قدر فلسطين، ولا قدر القدس ورام الله وغزة يختلف عن قدر إسطنبول وأنقرة وإزمير.
وذكر السيد أردوغان أنه عاش مع وفد الجامعة الإسلامية بغزة لحظات لا تنسى، معبراً عن شكره على منحه شهادة الدكتوراة الفخرية واللوحة التذكارية التي رسمت عليها صورته.

وقد كان لأردوغان جهود ملموسة في نشر السلام والتقارب
( فقد راح بعد توليه الوزارة ينشط في مد يد السلام والتوافق في كل اتجاه: تصالح مع الأرمن بعد عداء تاريخي، وكذلك فعل مع أذربيجان، وأرسى تعاونا مع العراق وسوريا، ولم ينسى أبناء شعبه من الأكراد، فأعاد لمدنهم وقراهم أسماءها الكردية وسمح لهم رسميا بالخطبة بها وافتتح بنفسه محطة تلفزيونية رسمية ناطق بالكردية، ولم ينس اسرائيل وما تفعله بالفلسطينيين فانبرى لها بكل ما رأيناه في الأيام الماضية وأكثر، ثم تذكر العرب وقال عنهم في كلمة ألقاها قبل شهر حين افتتح قناة تلفزيونية بالعربية موجهة الى المنطقة: "إن العالم من دونهم لا معنى له، وإن مصير ومستقبل اسطنبول لا يختلف عن مصير ومستقبل أي مدينة عربية، وقد تكون الحدود السياسية خطت بين أوطاننا في التاريخ القريب، وربما الألغام قد زرعت بين دولنا، وربما الجدران والسدود قد شيدت بين أراضينا، إلا أننا نمتلك من القوة والإرادة ما يجعلنا نتجاوز كل هذه العقبات )






أربكان وتلاميذه الحكاية من البداية

قبل البدء في هذا الفصل المهم أود التنبيه أنني لا أتناول بنقدي الأشخاص بل الأعمال والأفكار وفق المباديء والقيم التي أومن بها شخصيا وقد يوافقني القاريء على ذلك وقد لا يوافقني ولكن لي حرية الرأي في التعبير .
لقد كانت العلاقة بين أربكان وتلامذته عبدالله جول ورجب طيب أروغان علاقة مميزة وكانا من أنجب تلامذته وكان يجري الحديث عن أن أردوغان سيخلف أربكان في قيادة الحزب كما أن جول كان من العقليات المميزة داخل الحزب  ولا أحد ينكر فضل أربكان على تلامذته  كما أن  كل مؤمن يعلم يقينا أن الفضل لله أولا وآخرا على أربكان وعلى تلامذته وعلى الناس جميعا 
فأربكان بفضل من الله تعالى أوجد نواة للعمل النظيف المؤمن في تركيا وساق الله الخير لأردوغان وعبدالله جول عبر طريق أربكان ولكن ليس هو المتفضل بذاتيته بل الفضل لله عزوجل على الجميع
 وقد عايش أردوغان كل التجارب المريرة لأربكان وكانت له ولعبدالله جول محاولات للتحرك داخل عباءة أربكان وتحت إشرافه ولكنه ارتكب خطأ جسيما في الوقوف أمام طموحاتهم المشروعة بطريقة غير مشروعة عندما تدخل شخصيا لإجهاض فوز مشروعهم الذي كاد أن ينجح ولذلك إن كان من لوم فلابد أن يوجهه لنفسه بالدرجة الأولى .
إنه من غير المقبول أن تربي أتباعك على الصدق ثم في لحظة من اللحظات تأمرهم بالكذب أو تربيهم على الأمانة ثم في لحظة تأمرهم بعكس ذلك ، ومن هاهنا أنتهت العلاقة التنظيمية واختار أردوغان وجول الانفصال وسلوك طريق مختلف في معالجة الوضع التركي .
إننى أرى تصرف أردوغان وعبدالله جول غاية في الحكمة والأدب مع أستاذهما المخطيء  لقد انسحبا بهدوء وكونا حزبا مختلفا تماما في جهة مختلفة حتى لايعتبر أستاذهما أنهما ينافسانه على مشيخة أو قيادة في نفس مجاله  وأعلنا صراحة أنهما سيسلكان وسيلة مختلفة تماما عما عرف عنهما .
( وقد تبين لاحقا صواب هذه الخطوة وأن الله سددهما ووفقهما في اتخاذها  لأن نفس الأحداث ستتكرر مع مجموعة أخرى بقيادة شخصية مميزة ظلت مع أربكان هو ( نعمان قورتلموش ) وفاز منذ أسابيع بقيادة حزب السعادة ولكن تيار الحرس القديم يحاول إفساد الأمور عليه لأن أربكان يرغب بترشح ابنه – وسنتكلم عن التفاصيل لاحقا )
كما التزم الإثنان بالأدب الجم مع أساتذهما ولم يتطاولا عليه مثلما فعل هو معهما وكان بإمكانهما الرد عليه  وعلى هجومه خاصة وأنهما يمتلكان القدرة والأدوات والإعلام  وفضلا الصمت  في خطوة تعبر عن معدن أصيل .
أما هو فسامحه الله فقد تطاول عليهما كثيرا واتهمهما بالخيانة والعمالة وبأشياء كثيرة  مع أن الأيام أثبتت بعد ذلك أن تلك الإتهامات غير دقيقة وباطلة  وسبحان الله كيف يستبيح القائد المسلم أعراض تلامذته وجنوده  إنهم مسلمون لهم حرمة المسلم قبل كل شيء ، ولايليق بالقائد أن تقوده الخصومة إلى ممارسة هذه الأفعال على الملأ وأمام الناس سامحه الله ( وإنا لله وإنا إليه راجعون ).
ويتعجب المرء في سلوك هذا المربي الكبير كيف ينتكس ويمارس أفعالا لاتليق به وبمكانته  وكأن قيادات الحركات الاسلامية في منزلة فوق النقد لاتسأل عما تفعل وغيرها يسأل  وإن من أشد الأفعال عجبا أنه يرشح ابنه بالقوة ليكون قائدا من بعده لحزب السعادة  على الرغم من ابنه - مع احترامنا له- لاتؤهله إمكاناته لقيادة الحزب ولكنه ينحاز لابنه ويدفعه بالقوة ليكون رئيس الحزب  وهذا هو مبدأ التوريث الذي تنكره الحركات الاسلامية على الحكام فإذا ببعض قياداتها الكبيرة تمارسها دون إنكار .
وسأعرض لكم بعض الأحداث التي حدثت وأترك للقاريء الحكم عليها
عندما صدر حكم المحكمة بسجن أربكان في المرة الأخيرة ومنع من العمل السياسي لمدة خمس سنوات ثم تولى حزب العدالة والتنمية الحكومة وبعد فترة أصبحت رئاسة الدولة في قبضته  تحرك بعض المقربين من أربكان لمخاطبة جول وأردوغان في عتاب جارح  لتركهما شيخهما أربكان في السجن والمنع  مع أن هؤلاء يعلمون أن الجيش والمعارضة بالمرصاد لكل تحركات حزب العدالة والتنمية وأن مثل هذا التدخل قد يضرهما أكثر مما ينفعهما  وإليكم المقالة التي نشرت وأمثالها موجهة لأردوغان وجول
اربكان وتركيا: لمن الكرسي النقّال ؟
د. محمد نور الدين
فضيحة أخرى تشهدها تركيا وكانت شاهدة عليها من دون ان يرف جفن لأحد. المنظر لم يكن غير مألوف في تركيا لكنه يزداد نفورا واشمئزازا اذا علمنا ان صاحبه هو رئيس سابق للحكومة في تركيا و... ابو الحركة الاسلامية الذي ادخل في تقاليدها مقارعة السلطة بالسياسة والابتعاد.
انه نجم الدين اربكان رمز الحركة الاسلامية في تركيا والحامل الصبور والعنيد لقضايا تركيا الاسلامية وهمومها والعامل دائما على ان تكون جزءا من محيطها وتاريخها والمناهض للسياسات الغربية والصهيونية في المنطقة والعالم.
اربكان هذا كان على موعد مع الكرسي النقال لكي يذهب الى منزل صيفي اختاره لكي يمضي عقوبة السجن سنتين وأربعة أشهر.
اربكان متهم بتبديد او اختلاس اموال اختفت وكانت مخصصة لحزب الرفاه بعد فوزه بالمركز الأول في انتخابات 1995 .
لكن بعد الاطاحة بأربكان كرئيس للحكومة التي ألفها بين عامي 1996 و1997 امرت المحكمة الدستورية بحظر حزب الرفاه وسجن بعض قادته ومنعهم من العمل السياسي. ثم ما لبثت ان ظهرت قضية اختفاء اموال خاصة بالحزب جاءته مساعدة من الدولة فكان ان اتهم اربكان وبعض القادة الاخرين باختلاسها. ويعترف اربكان انه لم يكن ممكنا جمع الوثائق الكاملة لنفي تهمة الاختلاس فكان حكم المحكمة الأخير بسجنه في منزله والسماح له بالخروج الى حديقة منزله وبإذن من القضاء يمكن له ايضا الذهاب الى خارج البيت.
تدخل كل حيثيات هذه القضية في اطار تشويه صورة اربكان الرجل الذي قضّ مضاجع النظام التركي الذي كان حليفا وثيقا لأمريكا واسرائيل طوال عقود القرن العشرين حتى نهاية التسعينيات.
وكثيرة هي الأحداث التي حصلت في تركيا وكانت رد فعل على خطوات كان يقوم بها اربكان.
فانقلاب12 سبتمبر1980 كان في جانب منه ردا على تصاعد النزعة الاسلامية بعد مهرجان القدس قبل ذلك بأيام والذي نظمه اربكان كما كان ردا على اسقاط وزير الخارجية في اليوم نفسه في البرلمان بعد استجواب قدّمه اربكان ضده لأنه وقف الى جانب اسرائيل بعد ضم هذه مرتفعات الجولان اليها.
يراد لأربكان ان يسقط بالتهمة الأسوأ اي سوء الأمانة والاختلاس وهو الذي ليس بحاجة بالطبع لأية اموال.
لكن ما يؤخذ في هذه المرحلة يقع على عاتق "الأتراك الآخرين". والمقصود هنا "تلامذة" نجم الدين اربكان الذين كبروا وأصبحوا في السلطة منذ العام 2002 .
كان يمكن لأربكان ان يمضي مثل هذه العقوبة حتى في السجن لكن كيف يمكن السماح بأن يفعل ذلك وقد اصبح في سن الـ83 ويعاني من امراض متعددة ومنها عدم قدرته على المشي وبالتالي استخدامه للكرسي النقال الخاصة بالمعوقين.
الصورة التي نشرتها الصحف التركية مؤخرا لأربكان على كرسيه النقال تدعو ليس الى الشفقة على اربكان الذي يبقى شامخا رغم كل محاولات الاذلال بل على تركيا التي يراد لها هي ان تكون معاقة وعلى كرسي نقال.
الصورة ليست برسم المتشددين من العلمانيين والعسكر الذين ينتشون اليوم من سكرة الانتقام ورؤية هذا الرجل يتمرغ بين اروقة السجن ولو كان منزلا.
الصورة هي برسم ابناء اربكان من زعماء الحركة الاسلامية في تركيا اليوم الذين انتفضوا على سياساته. وهذه وجهة نظرهم بمعزل عمن معه الحق. لكن ما هو مؤكد ان زعماء تركيا اليوم من الاسلاميين ليس لهم الحق في رؤية زعيمهم التاريخي واحد رؤساء الحكومة السابقين وفي سن الثالثة والثمانين والأمراض تفتك بجسده ليس لهم الحق ان يتركوه لهذا المصير وهو الذي صنع لهم مجدهم وأخذ بيدهم ودرّبهم واخرجهم من منازلهم ليصبحوا لاحقا اسياد تركيا غير المنازعين.
نعم ليس افتراء ولكن من حق كل تركي بل حتى عربي ومسلم ان يطالب حزب العدالة والتنمية ان يتحرك ويحول دون تنفيذ هذه العقوبة بحق اربكان .وإذا كان هذا يعتبر تدخلا في شؤون القضاء فإن الأحكام الدستورية تعطي صلاحية لرئيس الجمهورية اصدار عفو خاص مراعاة للظروف الصحية لأربكان. وهو عفو ، اذا صدر، سيكون انتصارا للقيم الانسانية قبل ان ان يكون مراعاة لظرف صحي. وكلنا ثقة ان الرئيس عبدالله غول لن يتأخر في اصدار مثل هذا العفو الذي هو اضعف الايمان.  )
الشرق القطرية

هذا هو مانشر في الصحف وبالفعل لم يتأخر الرد فقد سارع عبدالله جول إلى تدبير أمر اصدار عفو عن أربكان وإعادة حقوقه
ولكن الذي حصل أن الأمر كان أشبه بخديعة إذ سرعان ما أعلن أربكان عودته للسياسة  ولممارسة أعماله في خطوة شكلت إحراجا كبيرا لعبدالله جول الذي برر إصداره العفو بالحالة الصحية المتدهورة لأربكان وإليكم بعض مانشر عن عودة أربكان وبعض سياساته وتوجهاته داخل حزب السعادة  والتي تدل بوضوح على خلل شديد .

( أعلن رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حركة "مللي غوروش"، نجم الديم أربكان الجمعة في المؤتمر الصحفي الذي عقده بالعاصمة التركية، عودته إلى المشهد السياسي، بعد غياب دام 11 عاما.
وقد غُيب أربكان بعد إغلاق حزب الرفاه، الذي كان يرأسه في عام 1998م، من قبل المحكمة الدستورية، وانتهى إبعاده بعد خمس سنوات عجاف، وكان الرجل يتشوق بشغف إلى ممارسة العمل السياسي بشكل فعال، ولكن محكوميته بتهمة التزوير في الأوراق الرسمية في قضية ما يعرف بـ"التريليون المفقود"، حالت هذه المرة دون عودته إلى الظهور في المعترك السياسي. وكان خروجه من الساحة السياسية بقرار المحكمة الدستورية، وها هو اليوم يعود إليها مرة أخرى بقرار محكمة أخرى، يقضي برفع الحظر عن ممارسته للعمل السياسي.
أربكان البالغ من العمر 83 عاما، من الطراز الذي لا يفارق الكرسي إلا بمفارقة الحياة، ولا يرحل من الحياة السياسية إلا بالرحيل من دار الفناء إلى دار الخلد والبقاء. وهو بهذه الصفة يشبه معظم زعماء الدول العربية من الرؤساء والملوك والأمراء، وما يعزز هذا التشابه، رغبة "التوريث" لدى أربكان الأب، حيث رأينا أربكان الابن، وهو عضو في اللجنة المركزية لحزب السعادة مع شقيقته، يقف بجوار والده في المؤتمر الصحفي، وكانت تلك "لحظة تاريخية"، بينما غاب عنها رئيس حزب السعادة، نعمان كورتولموش نفسه، بسبب عدم توجيه الدعوة له ـ حسب رواية وسائل الإعلام التركية ـ لحضور المؤتمر. وردا على سؤال حول التوريث، قال أربكان إنه "يريد لابنه ما يريده لنفسه"، في إشارة واضحة لرغبته في التوريث.
في الحقيقة، أربكان الذي تولى الجمعة رئاسة اللجنة الاستشارية العليا، كخطوة أولى، وأعطى إشارة استعداده لاستعادة كرسي رئاسة الحزب، لم يترك زمام الإدارة في حزب السعادة حتى في أيام غيبته، وكان يديره من وراء الستار. وعودته إلى المشهد السياسي ما هي إلا ظهور على حلبة المسرح من جديد.
بقرار عودته إلى المعترك السياسي، أساء أربكان أولا إلى رئيس حزب السعادة الشاب نعمان كورتولموش، حيث لا معنى لجلوسه على كرسي رئاسة الحزب بعد عودة أربكان إلى العمل السياسي الفعال، وأساء ثانيا إلى الأوساط الشبابية التي طالبت بإلحاح بالتغيير في قيادة الحزب والأسلوب المتبع في المعارضة، ضاربا كل الأصوات الداعية إلى بقاء أربكان في بيته كزعيم روحي وفتح الطريق أمام الشباب، عرض الحائط.
يرد أربكان على من يُذَكِّره بكبر سنه، قائلا إن أبا أيوب الأنصاري خرج للقتال في سبيل الله في محاولة الجيش الإسلامي لفتح القسطنطينية، وهو في الثمانينات من عمره، وها هو أربكان يخرج للعراك السياسي "في سبيل الله" لينقذ البشرية من الظلم والعدوان، على حد تعبيره.
بقرار عودته، أحرج أربكان رئيس الجمهورية التركي عبد الله غول، الذي رفع الإقامة الجبرية عن أربكان، بسبب تدهور حالته الصحية. وبعد ظهور أربكان أمام العدسات بكامل حيويته ،ليعلن أنه عاد إلى المعترك السياسي، وأنه يسافر اليوم التالي إلى طهران في أول زيارته، بدأت الصحف التركية تطرح تساؤلات حول حقيقة تدهور صحة أربكان.

غادر أربكان السبت تركيا باتجاه العاصمة الإيرانية في زيارة، تستغرق أسبوعا كاملا يلتقي خلالها المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وعيرهم من المسؤولين. وأول زيارة أربكان الرسمية بعد توليه رئاسة الوزراء في الحكومة الائتلافية في عام 1995م، كانت أيضا إلى إيران.
وقبل مغادرته، عقد مؤتمرا صحفيا مع رفاقه الشيوخ، شرح فيه أنه كيف سيشكل مع إيران تحالفا في حال تولى رئاسة الوزراء، ومن ثم تتبع الدول الإسلامية الأخرى هذا التحالف، وحسب رؤية أربكان ورغبته، ستقود تركيا العظمى هذا التحالف في محاربة الإمبريالية الصهيونية.
وقال أربكان إنه تلقى دعوة من خامنئي وأحمدي نجاد، إلا أن وكالة مهر الإيرانية ذكرت أن أربكان سيزور إيران تلبية لدعوة حزب الله الإيراني، وأنه طلب عقد لقاءات مع بعض المسؤولين الإيرانيين، وأنهم يدرسون طلبه.
فحزب الله الإيراني الذي هبّ أربكان لتلبية دعوته، يرأسه رجل الدين المتشدد، آية الله سيد محمد باقر خرازي، الذي أكد أن حزبه "تواق إلى التحول إلى تنظيم عملاق يكون في خدمة النظام والقيادة"، مضيفا أن مهمة هذا التنظيم تتلخص في "صيانة مستقبل النظام والحكم في إيران على أساس النموذج الديني"، والسعي لـ"انتشار الثورة في كافة أنحاء العالم". وهو القائل: "ما الفرق بين فلسطين وإسرائيل إن لم تسر في طريق أهل البيت؟" فلا أدري، هل يعرف أربكان كل ذلك أو لا؟
كان أربكان يبالغ دوما في أطروحاته، ويرسم خططا مستقبلية براقة ولكنها بعيدة كل البعد عن الواقعية وغير قابلة للتطبيق، ينبهر بها المستسلمون له، كالميت بين يدي الغسال، وها هو اليوم يسبح في عالم الخيال، متجاهلا الواقع والتنافس الإقليمي بين إيران وتركيا. أما طهران المنزعجة من تصاعد الدور التركي في المنطقة بقيادة غول وأردوغان، فستفرح بأربكان، ومحاولته لإضعاف حكومة أردوغان، التي تدرك أبعاد الدور الإيراني.
لم يكن خافيا على المتابع لأنشطة جماعة أربكان عن كثب، تحالفها في الآونة الأخيرة مع فعاليات التبشير الشيعي، حيث فتحت لهم أبوابها على مصراعيها ليلقوا المحاضرات أمام شبابها ويكتبوا في مجلاتها.
ويرى محللون أن اختراق جماعة "مللي غوروش"، التي يتزعمها أربكان خيار إستراتيجي للعاملين لصالح إيران، باعتبارها من أكبر الجماعات الإسلامية في تركيا، وأرضا خصبة تصلح للاستثمار والتوظيف، خاصة في ظل تراجع اهتمام القيادة بمؤسسات وجمعيات الجماعة، بعد هزيمتها أمام حزب العدالة والتنمية. وبالتالي هناك مخاوف من ارتماء شباب حزب السعادة في أحضان التشيع السياسي إن لم يكن العقائدي، نظرا لغياب الوعي لدى الجيل الناشئ بحقيقة الشيعة.
ولا يهم العاملون لصالح إيران من يتولى رئاسة حزب السعادة وفوزه أو خسارته في الانتخابات، وإنما يهمهم أن يحشدوا الجماهير لدعم إيران. ونتيجة لعمل هؤلاء الدؤوب منذ قيام الثورة الخمينية، وشيطنة الأنظمة العربية، فإن الجماهير الإسلامية في تركيا، بما فيها شباب جماعة أربكان، ستقف بلا شك في أي مواجهة عربية ـ إيرانية، على أي صعيد كانت، بجوار إيران.
لا شك أن هجمات أربكان في هذه المرحلة أمر مطلوب للقوى الانقلابية المعادية لحكومة أردوغان، وهم يحتاجون إلى أي مساعدة يمكن أن تسهم في إضعاف شعبية أردوغان ولو بنسبة واحد بالمائة، ويدركون تماما أن حزب السعادة هو الأقدر على خطف شعبية الحزب الحاكم، فنتائج الانتخابات المحلية خير دليل على ذلك، حيث رفع حزب السعادة شعبيته من 2.34 بالمائة إلى 5.2 بالمائة، بينما تراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية من 46.58 بالمائة إلى 38.8 بالمائة. ويمكن أن نجزم بأن أغلبية الأصوات التي رفعت شعبية حزب السعادة هي الأصوات التي مُنحت لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة.
وكان أربكان قد بنى لنفسه خلال السنوات الطويلة التي قاد فيها الإسلاميين في المعراك السياسية، سمعة طيبة في الأوساط الإسلامية، إلا أنه شرع في هدمها، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، وذلك بعد خروج أردوغان ورفاقه من تحت عباءته وتأسيسهم حزبا ناجحا؛ ولم يتقبل أربكان ورفاقه الشيوخ تفوق حزب العدالة والتنمية على حزب السعادة، ولم يعترفوا ـ رغم اعتراف العالم بأكمله ـ بنجاح حكومة أردوغان الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية.
ولكن السؤال المطروح الآن، هو: هل تؤدي عودة أربكان للمعترك السياسي إلى تراجع أكثر في شعبية أردوغان وحزبه؟، يقول فريق من المحللين إن عودة أربكان ستعطي دفعا لحزب السعادة الذي رفع شعبيته في الانتخابات الأخيرة، وتعمق تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، بينما يرى آخرون ـ وأميل إلى رأيهم ـ أن عودة أربكان لن تؤثر على حزب العدالة والتنمية سلبيا ما لم يتراجع أداء الحزب الحاكم، لسبب بسيط، وهو أن الشارع التركي بدأ يمل من تصريحات أربكات النارية، التي يتهم فيها مرة حكومة أردوغان بالعمالة لأمريكا، ويصف مرة أردوغان وغول بأطفال يفتقرون إلى الخبرة، بالإضافة إلى كم هائل من الكلام الذي سمعوه منه ألف مرة.
ويرون أن تصريحات أربكان ستُنَفِّرُ الناخبين من حزب السعادة، وأن خروج الزعيم الشاب نعمان كورتولموش من المعادلة، سيسهل مهمة الحزب الحاكم في كسب عموم الناخبين، الذين لا يريدون أن يروا حتى وجوه أحد من الزعماء السياسيين من جيل أربكان. ) مجلة العصر
ولنقرأ بعض المعلومات عن المؤتمر الذي عقد لاختيار قيادة جديدة لحزب السعادة  وبداية الأحداث المؤسفة التي ستتوالى بعد ذلك
( اجتمع أعضاء حزب السعادة يوم الحادي عشر من الشهر الجاري في المؤتمر العام الرابع المنعقد بالعاصمة التركية لاختيار إدارة جديدة برئاسة الزعيم الشاب نعمان كورتولموش، الذي كان هو المرشح الوحيد للرئاسة.
وكانت هناك تسريبات تشير إلى ضغوط يمارسها رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان على "كورتولموش" ليقبل بضم بعض الأسماء إلى قائمته، ما جعل المؤتمر يسترعي اهتمام الإعلام والمتابعين لمعرفة ما سيؤول إليه الأمر.
في البداية كان الوضع عاديا، حيث ألقى كورتولموش كلمته وبث الأمل في نفوس أعضاء الحزب وأنصاره، ثم جاء أربكان ليلقي هو الآخر كلمة، هاجم كعادته الحزب الحاكم، وشبَّه الحكومة بـ"طائر محنط".
وبعد الكلمات، قدَّم الزعيم الشاب قائمته التي تضم أسماء المرشحين لإدارة الحزب، إلا أن قائمة أخرى ظهرت فجأة ترشح كورتولموش لرئاسة الحزب، ولكنها تحتوي على أسماء يرفضها الزعيم الشاب، مثل فاتح أربكان، نجل الزعيم التاريخي نجم الدين أربكان وشقيقته أليف أربكان. وأعلن كورتولموش انسحابه من القائمة الثانية، التي أعدها أربكان وأعوانه، ووقع أعضاء الحزب في حيرة شديدة، وقام عدد من الشبان بالاستيلاء على المنصة وتدخلت الشرطة لحماية أمن وسلامة المؤتمر.
وعلى خلفية هذه الأحداث، غادر كثير من الأعضاء القاعة وقاطعوا التصويت، ولم ينجح كورتولموش في الفوز بالرئاسة إلا في الجولة الثالثة بالحصول على 310 أصواتـ بعد تصويت 316 عضوا من أصل 1250 عضوا ومقاطعة الآخرين.
انتهى المؤتمر، ولكن تداعياته وأصداءه ما زالت مستمرة. وتذكر المتابعون أحداث انشقاق رجب طيب أردوغان ومجموعته من تيار أربكان وولادة حزب العدالة والتنمية، وكان السؤال المثار بإلحاح آنذاك: "هل يؤدي هذا الانقسام الجديد في صفوف حزب السعادة إلى ولادة حزب جديد على غرار حزب العدالة والتنمية؟
يبدو أننا لن ننتظر كثيرا لمعرفة الجواب، بعد أن ظهرت مؤشرات قوية تشير إلى أن حزب السعادة مقبل على الانقسام وأن التصالح يبدو بعيدا جدا إن لم يكن مستحيلا. ومن أهم تلك المؤشرات تصريحات فاتح أربكان، نجل رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، بالإضافة إلى تصريحات شقيقته أليف أربكان، ومطالبتهما نعمان كورتولموش بالاستقالة، ومن ثم خروج نجم الدين أربكان نفسه ليطالب أعضاء الحزب بإعادة المؤتمر وانتخاب قيادة جديدة.
حتى هذه اللحظة يسعى الزعيم الشاب نعمان كورتولموش مع فريقه للتهدئة والحيلولة دون الانشقاق، إلا أن الطرف المقابل أعلن عزمه لاستعادة الرئاسة من يد كورتولموش، المتهم بـ"الخيانة" و"الخروج على أربكان"، وأنه شرع في جمع التواقيع من الأعضاء للمطالبة بإعادة المؤتمر.
كان كورتولموش يراهن على بقاء أربكان محايدا بينه وبين معارضيه، ولكن رهانه كان خاسرا، وحسم أربكان الوضع بإعلان دعمه الصريح لمعارضي كورتولموش، وهذا ما يرجح بالتأكيد كفة المطالبين بإعادة المؤتمر ومعاقبة نعمان كورتولموش وفريقه بالإقصاء من قيادة الحزب.
المشكلة وإن تمثلت حاليا في شطب كورتولموش بعض الأسماء، بما فيها نجل أربكان وشقيقته من القائمة المعروضة لتولي اللجنة الإدارية، فإنها في الحقيقة تكمن في اختلاف النهج السياسي الذي يتبناه نجم الدين أربكان عن النهج الذي يراه كورتولموش مناسبا للمرحلة الراهنة.
فبينما يطالب كورتولموش بالانفتاح المنضبط والتجديد بأسلوب يحافظ على الخطوط العامة والاحترام لميراث وشخصية الزعيم المؤسس نجم الدين أربكان، يتهم معارضوه بأنه يسعى لإبعاد حزب السعادة عن الأسس والمبادئ التي التزمت بها أحزاب الحركة إسلامية السياسية بزعامة نجم الدين أربكان وتحويله إلى حزب مماثل لحزب العدالة والتنمية.
جوهر المشكلة في حزب السعادة أنه جماعة إسلامية في ثوب حزب سياسي، ولذا نجد مثلا لدى أنصار أربكان شعارات تدل على وجوب الطاعة لولي الأمر ـ يعني أربكان ـ وعدم الخروج عليه وما إلى ذلك، وأن الزعيم التاريخي البالغ من العمر 85 عاما عندما أعطى لكورتولموش ضوءا أخضر في المؤتمر الثالث الذي انتخب فيه الزعيم الشاب بالإجماع، أراد فقط ـ على ما يبدو ـ وضعه في الواجهة كصورة فقط ليدير الحزب هو وعائلته مع رفاقه المسنين من وراء الستار.
ولكن نعمان كورتولموش، وهو بروفيسور في الاقتصاد، ليس من النوع الذي يقبل الوصاية، أو أن يكون رئيسا مسلوب الإرادة وغير القادر على تعيين فريق عمله، ولذا رأيناه يؤكد على هذه النقطة حين اتهموه بالتغيير في القائمة، حيث قال: "إن كنت أنا الرئيس، فدعوني أختار بعض الأشخاص الذين سوف أعمل معهم".
الكل يرى نفسه على الصواب ومعارضه على الخطأ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من المحق في نظر أعضاء الحزب وأنصاره والناخبين؟
تعليقات القراء على الأخبار المنشورة في المواقع الالكترونية، المتعلقة بالأزمة التي تعصف بحزب السعادة، تشير إلى أن الأغلبية الكاسحة من المعلقين، بالإضافة إلى الكتاب، ترغب في تولي كورتولموش رئاسة الحزب، ولكن الأمر في نهاية المطاف بيد أعضاء الحزب الذين سيقررون من سيتولى الرئاسة في حزب السعادة، وليس بيد الناخبين أو الكتاب أو المعلقين على الأخبار، كما أن معظم أعضاء حزب السعادة يخضعون لسلطة أربكان إلى درجة أنهم يعتبرون رأيه عين الصواب، وطلبه أمرا يجب الامتثال به. ) مجلة العصر

(        مؤتمر حزب السعادة.. الولاء أم التغيير!؟
أصر قورتولموش على اختيار فريق عمله بنفسه رافضا لائحة جاهزة أريد فرضها عليه سميت باللائحة الخضراء...
 لا تزال أصداء وانعكاسات المؤتمر العام لحزب السعادة مستمرة رغم مرور عشرة أيام على انعقاده .. هذا الحزب يعتبر الحلقة الخامسة في سلسلة الأحزاب التي أسسها نجم الدين أربكان بعد كل من حزب النظام ,السلامة , الرفاه , الفضيلة , وآخرها السعادة .. خلال مسيرة استمرت أربعين عاما من النضال والكفاح السياسي تحولت إلى مدرسة فكرية سياسية تخرج منها قادة كبار شغلوا مناصب حساسة ولعبوا أدوارا هامة في تاريخ تركيا المعاصر .. لكن المدرسة الأربكانية أو المللي جوروش بدأت تعيش في سنواتها الأخيرة حالة من الانكماش والانغلاق على الذات , إذ لم تعد جاذبية شخصية أربكان الكاريزمية كافية لكسب المؤيدين أو الحفاظ على الكوادر العاملة الشابة منها على وجه الخصوص .. هذه المدرسة التي تعتبر الولاء لشخص أربكان وعائلته قبل الولاء لأفكاره مادة قبول أولى انحسر مدها السياسي كما انحصر أفقها في عالم الماضي والذكريات .. أما الكوادر الشابة التي نضجت سياسيا فقد جربت العمل والإصلاح من الداخل لكن قوة وتماسك وتراص الحرس القديم حول أربكان حال دون نفوذ تلك العناصر التي تتطلع للتغيير إلى مواقع القيادة .. بل لاقت صدا عنيفا ودفاعا مستميتا أدى إلى انفصال عبد الله جول ورفاقه بعيد مؤتمر حزب الفضيلة قبل عشرة أعوام مما مهد الطريق لتأسيس حزب العدالة والتنمية . ليحكم الحرس القديم سيطرته على حزب السعادة الذي حل مكان حزب الفضيلة بعد إغلاق الأخير على حساب انحسار كبير في نسبة التأييد الشعبي لتتدنى نسبة أصواته دون الواحد بالمائة .. 
مع تردي الحالة الصحية لنجم الدين أربكان بعد وفاة زوجته , تردت أحوال حزب السعادة أيضا . وقد برز ذلك جليا من خلال النتائج المتواضعة التي حصل عليها الحزب في الانتخابات الأخيرة مما أدى إلى ازدياد الضغوط  وتعالي الأصوات المطالبة بالتغيير , فقبلت القيادة ترشيح البروفسور الشاب نعمان قورتولموش الذي تم انتخابه رئيسا للحزب لكن تحت إشراف ورقابة الحرس القديم .. هذا التغيير برغم محدوديته كان كافيا لارتفاع أصوات الحزب بما يقارب الخمسة بالمائة أي ضاعف أصواته خمسة مرات رغم قوة تيار العدالة والتنمية الجارف . 
في هذه الأجواء الايجابية إلى حد كبير انعقد المؤتمر الدوري العام للحزب بمرشح واحد لرئاسته هو البروفسور نعمان قورتولموش .. لكن الواقعة وقعت والطامة حلت عندما أصر قورتولموش على اختيار فريق عمله بنفسه رافضا لائحة جاهزة أريد فرضها عليه سميت باللائحة الخضراء تضم اسم فاتح أربكان نجل نجم الدين أربكان كان الحرس القديم قد أعدها , لكن قورتولموش قدم لائحة أخرى سماها اللائحة البيضاء تضمنت دماء جديدة لكن لم تضم اسم فاتح أربكان استطاعت كسب ثقة أعضاء الحزب .. هنا قامت القيامة ولم تقعد , وبدأ التهديد والوعيد فظهر فاتح أربكان في الصحافة والإعلام مهددا متوعدا مطالبا قورتولموش بالتنحي عن قيادة الحزب فورا متهما له بخيانة العهد والتنكر للجميل , أما شوكت قازان وزير العدالة الأسبق فقد توعده بعقوبات كبيرة إن هو أصر على تنكره لعائلة أربكان . و بدأت الجهود لجمع تواقيع الأعضاء لتنظيم مؤتمر استثنائي للحزب تعاد فيه الانتخابات من جديد . 
المستغرب في الأمر موقف نجم الدين أربكان ! فبدل أن يلوم ابنه الشاب على أسلوبه القاسي الفج ويدعو الجميع للهدوء والصبر والحكمة أعلن عن بداية حملة لعقد مؤتمر استثنائي للإطاحة بقيادة الحزب الجديدة بدعوى أنها عاجزة عن النهوض بمتطلبات المرحلة القادمة .! 
نعمان قورتولموش الذي صرح بأنه وفيٌ لقائده أربكان وملتزم بنظرية ومبادىء المللي جوروش يبدو الآن أمام خيارات صعبة وعلى مفترق طرق وعرة فهو : إما أن يسعى للحيلولة دون عقد المؤتمر الاستثنائي وهذا لا يبدو ممكنا بعد أن دخل نجم الدين أربكان بنفسه على الخط , وحتى لو نجح في ذلك فستبقى قيادته للحزب ضعيفة هزيلة .. وإما أن يتنحى ويرقب الأمور عن بعد , وإما أن يشكل تيارا سياسيا جديدا , أو ينضم إلى حزب سياسي آخر.. الاحتمال الأبعد هو استمراره وإصراره على قيادة الحزب بعد أن حصل ما حصل .. والأضعف انضمامه لحزب آخر في هذه الظروف .. يبقى خيار انزوائه قائما لتخسر الساحة السياسية الإسلامية التركية قائدا شابا بقي وفيا لمبادئه , ونجح في مضاعفة أصوات حزبه خمس مرات .. أما مصير حزب السعادة فلا خوف عليه لأنه سيعود إلى سابق عهده "KÜÇÜK OLSUN BENİM OLSUN" المهم أن " يكون ملكي حتى لو بقي صغيرا"  .
 في عالم الرياضة هناك مصطلح الاعتزال في القمة .. يعني أن يعتزل الرياضي وهو في أوج نجاحه قبل أن يبدأ مستواه وشعبيته بالتراجع والانحدار فيبقى محبوبا لدى جماهيره .. وفي المجتمعات الراقية كذلك يعتزل القائد عند أول بادرة تراجع في شعبيته .. أما في مجتمعاتنا الشرقية وحركاتنا الإسلامية تحديدا فتقترن الجماعة باسم قائدها , وبمرور الزمن يصبح هناك نوع من المزج والتداخل بين الجماعة والقائد فلا يستطيع أحد تصور تلك الجماعة بدون ذلك القائد الرمز .. مما يؤدي إلى إصابة الحركة بالعقم القيادي فلا تستطيع إنجاب قادة جدد إلا نسخا عن القائد الرمز وعلى طريقته قلبا وقالبا فتنظر القيادة في المرآة فلا ترى سوى نفسها , وتصاب هي بدورها بعقم في الأفكار والأدوار لأن المدخلات نفسها فمن الطبيعي أن تكون مخرجاتها أي نتائجها نفسها .. فتمر السنون والأعوام والكل راض بما قسم الله له !.. ويصبح ليس في الإمكان أحسن مما كان !.. أما الكوادر والحركات الشابة التي تبرز هنا وتظهر هناك كردة فعل لا نتيجة فكر وعقل فإما أن تقبل التسيير ( بالريموت كونترول ) .. أو تتهم في ولائها والتزامها فتضطر للانشقاق أو الانعزال والتلاشي بعد الفراق .. هذه الحالة البائسة ليست عرضية بل أضحت مرضا عضالا عاما ما زال يفتك في جسم الحركة الإسلامية ويحول دون وصولها جماهير الشعب العريضة .. اللهم إلا ما كان من استثناء حركة حماس التي استطاعت على الدوام تقديم كوادر شابة ودماء جديدة أثبتت جدارتها في قيادة الأحداث وإدارة الأزمات . 
  إن أشد ما تعاني منه الحركة الإسلامية لدى تعاطيها العمل السياسي العام هو بعد الهوة بين الأقوال والأفعال .. ففي التربية الحركية نلحظ كلمة الشورى الملزمة والايثار وحق الانتخاب وأمانة الاختيار المفردات الأكثر شيوعا واستعمالا .. بينما ترى على أرض الواقع العجب العجاب .. ترى رجالا كبارا ودعاة مجاهدين يؤجرون عقولهم – نترفع عن قول ضمائرهم – لحساب آخرين بداع من عصبية قوم أو بلد أو مدينة أو قرابة نسب أو غير ذلك !.. حتى غدت نتائج الانتخابات شبه معروفة سلفا لأن زلم فلان أو شلة علان بلغ تعدادها كذا وكذا !.. أما البرامج و المشاريع والرؤى والخطط فذاك ضرب من الترف الفكري النظري ليس إلا !.. 
  مرة أخرى تتحفنا الساحة التركية بمزيد من التجربة على أرض الواقع .. لتؤكد لنا ضرورة فصل الدعوة عن السياسة .. فإذا كان مقام الشيخ أو المرشد أو الداعية هيبته واحترامه وقدره مصونا في العمل الدعوي مهما بلغ به السن وتغيرت به الحال , فإن ذلك غير مضمون لدى مزاولته السياسة لأنها بحاجة مستمرة إلى دماء جديدة وتغيير للواجهة بما يناسب أذواق الجهور .. الأمر الذي فطن له مؤسسوا حزب العدالة والتنمية فوضعوا مادة تمنع ترشح قائد الحزب لأكثر من دورات ثلاث .. ربما رحمة بالشعوب التي سئمت قادة حكموها عقودا . )
المصدر: الوحدة العمل الوطني
 (  مؤيدو أربكان داهموا مائدة إفطار حزب السعادة وسببوا فوضى
داهم فريق من مؤيدي نجم الدين أربكان برنامج إفطار كانت تنظمها حزب السعادة في مدينة اسطنبول في أحد الفنادق..
داهم فريق من مؤيدي نجم الدين أربكان برنامج إفطار كانت تنظمها حزب السعادة في مدينة اسطنبول في أحد الفنادق وسببوا فوضى مكسرين طاولات والكراسي وهتفوا شعارات تأييد لأربكان ضد زعيم الحزب نعمان كورتولموش.

بدأ فريق المداهمين أعمال الشغب أثناء قراءة القرأن في بداية البرنامج وهاجموا أيضا ممثلي الإعلام والذين حضروا المكان كضيوف ليغطوا برنامج الإفطار، وكانت هناك عدة ممثلين لمختلف الدول الإسلامية أثناء الحادث.

وقد أراد بعض الشباب مهاجمة نعمان كورتولموش زعيم حزب السعادة بسبب رفضه إقامة مؤتمر من جديد بعد مؤتمر الأخير الذي رفض كورتولموش فيه تسجيل نجل ونجلة وعريس أربكان وبعض من الحرس القديم إلى إدارة الحزب.

وقد أصر كورتولموش في المؤتمر الأخير على اختيار فريق عمله بنفسه رافضا لائحة جاهزة أريد فرضها عليه سميت باللائحة الخضراء وكان الحرس القديم قد أعدها.

ونشر بعض الصحف التركية بأن وراء أحداث الشغب شوكت كازان وأوغوز خان أصيل تورك الرجلان المقربان لنجم الدين أربكان، وكان عدد المشاغبين ما يزيد خمسين شخص من الشباب.)
المصدر: أخبار العالم
وللحق كتب بعض المفكرين عتابا رقيقا لا يتناسب مع ما حدث من وجهة نظري ولكنني أورده ليقف القاريء على ماحدث
(  رسالة مفتوحة من الأستاذ رشيد بن عيسى إلى نجم الدين أربكان
كتب رشيد بن عيسى المفكر الإسلامي رسالة مفتوحة إلى سيد نجم الدين أربكان دعاه فيها إلى منع أهل الأهواء من التلاعب باسمه...
كان الأستاذ رشيد بن عيسى المفكر الإسلامي الجزائري من بين الحضور في برنامج الإفطار الذي دعا إليه حزب السعادة، وقد كتب عيسى الذي هو من أقرب تلامذة المفكر مالك بن نبي رسالة مفتوحة إلى سيد نجم الدين أربكان دعاه فيها إلى منع أهل الأهواء من التلاعب باسمه:
كتاب مفتوح الى المجاهد أربكان
شيخنا و أستادنا الحبيب
سلام عليكم و رحمة الله و بركاته-و بعد-
إنني أكتب اليكم و قلبي مملوء حسرة لماجرى باسمكم في حفل الافطارالذي دعا اليه وريثكم المنتخب السيد نعمان -فما ان كسرنا حدة جوعة الصوم حتي قامت في القاعة جماعة تردد شعارات تشيد بشخصكم الكريم الأهل لكل تكريم"مجاهد أربكان مجاهد أربكان" وصفق الناس و صفقت معهم اعترافا بفضل باعث النهضة الأسلامية في تركيا الحديثة –
ثم اشتدت حدة عصابة أنصاركم -وقلت في نفسي ما لهم يصرخون في وجوهنا بشعارات ليس فينا أحد ينكرها - وقليلا قليلا تحول الحماس الى عداء موجه ضد وريثكم الشرعي السيد نعمان-ونادت شعارات باستعفاءه- ففهمت أن في الامرغرضا غير ما فهمت أول الامر-ثم استعرت عصبية الجماعة و بدات تعتدي على من كان يحاول تهدءتهم و لم يكن لهم مخالفا-وبدأت تقلب الطاولات المملوءة بطعام الصايمين و تكسر الأواني وحاول أفراد يحبونكم تهدئة المشاغبين -بدون جدوى-انهم جاؤوا للتخريب وحده-ثم دخلني حزن كبير-هل من المعقول أن تفعل أشياء منكرات مثل هذه باسم المجاهد الكبيرو الزعيم المحبوب أربكان ؟
ثم تذكرت أني شهدت قبل سنتين تقريبا-احتفالا حاشدا حضره نحو سبعين ألفا من انصار الحزب و محبيه-و كان بجنبكم وزيركم و رفيق الدرب الوفي السيد نعمان-ونادى الجمهور بمل ء فيه باسمكم مؤسسا و باسم نعمان خليفة و راعيا للأمانة- فقلت في نفسي-الحمد لله وفق أربكان الي استخلاف  رجل من غيرأهله - كما هو الجاري في منطقتنا كلها -ليس لريبة في أقاربكم الذين نكن لهم  كل محبة-ولكن بعدا عن الشبهات و نزولا عند اختيار أعضاء الحزب-سيدنا و أستادنا أربكان
كان أستادي مالك بن نبي الذي أرسلني الى أستنبول- لتجديد العهد-قبل أربعين سنة-وقد كنت اذاك رئيس اتحاد الطلبة-يرى فيكم وريثا من سلاطين ءال عثمان-وكان يشيد بجهودكم- فنعم ما زرعتم و نعم ما شيدتم-وقد يزرع المرء و يحصد خلفه-فنعم الأب كنتم ونعمت الذرية-و نريد نحن تلاميذكم و مسلمي الممالك العثمانية المشتاقين الى التوحد-أن نحفظ في ذاكرتنا صورة الأب أربكان- الجامع غير المفرق-المؤسس غير المنافس لذريته السياسية-
اسمكم  شريف وعزيز علينا- فامنعوأهل الأهواء من التلاعب به- انها سنة الله أن ينشئ أفراد وآباء انشائات ثم يأتي من بعدهم من يكمل أو يبني فوق ما بنوا-لظروف شتى- و محمدة  الخليفة المكمل ليست منقصة في المؤسس-وهذا حال ذرية أربكان من نعمان كورتولموش. )
رشيد بن عيسى الجزائري العثماني- خبير في اليونسكوسابقا
المصدر: أخبار العالم
 (  محمود عثمان: زعيم حزب السعادة كورتولموش غادر المكان درءا الفتنة
كل هذه القيامة قامت لأن السيد كورتولموش لم يدخل نجل أربكان فاتح وأخته وصهره في تشكيلة مجلس إدارة الحزب..
هجوم شنته مجموعة احتكرت لنفسها حب أربكان والولاء له على مأدبة إفطار نظمها الحزب يوم السبت الماضي في أحد فنادق اسطنبول .. الهجوم كان قبيل الافطار بلحظات قليلة فيما كان القرآن الكريم يتلى والحضور رافعي أكف الضراعة لربهم راجين المغفرة والقبول .. إذا بمجموعة تقتحم الصالة وتقلب الطاولات بما فيها وترشق رئيس الحزب نعمان كورتولموش بوابل من الممالح والملاعق وشوك الأكل والسكاكين مرددة : "الولاء والإخلاص لأربكان شرفنا".."الذي يبيع أربكان نبيعه".
فيما كان نصيب ضيوف الشرف سفراء كل من الباكستان والبوصنة والعراق وايران وفلسطين والسودان من المقذوفات وافرا .. بعد فترة من الهرج والمرج اضطرت الشرطة لاستعمال الغاز المسيل لدموع العيون بعد أن سالت دموع القلوب دما وبعد أن باءت جهود السيد بولنت يلدرم رئيس IHH  وغيره من رؤساء منظمات المجتمع المدني لتهدئة الموقف بالفشل مما اضطر رئيس الحزب نعمان كورتولموش لمغادرة المكان درءا للفتنة.
قد يبدو الخلاف الذي هو من طبع البشر أمرا عاديا خصوصا بعد مؤتمر عام عاصف كانت موازين القوى فيه شبه متقاربة .. لكن أدبيات مستوردة وتصرفات دخيلة غير معهودة طرأت على ساحة مدرسة إسلامية "المللي جوروش " كانت حتى البارحة مضرب مثل للممارسة السياسية المدنية السلمية الإسلامية , كما تخرج منها وتفرع عنها قيادات وأحزاب وحركات سياسية كانت ولا تزال تمارس أدوارا هامة في قيادة تركيا , ..
أما قولنا أدبيات مستوردة وتصرفات دخيلة فنقصد به تحديدا ذهاب السيد شوكت قازان وزير العدل ونائب رئيس الحزب سابقا إلى "أوندر صاف" سكرتير حزب الشعب الجمهوري وقائده الحقيقي من خلف الستار , وطلبه المشورة منه , وأخذه التكتيكات والحيل والمكائد التي يجيدها الأخير ببراعة بل له قصب السبق فيها , حيث الشقاق والسباب والعراك وقلب الطاولات من أهم ميزات مؤتمرات حزب الشعب الجمهوري , وحيث نجح السيد صاف في ترتيب الانقلاب الأخير على رئيس حزبه السابق دنيز بايكال وتنصيب الرئيس الحالي كمال قلجدار أوغلو !.
هذه الأدبيات المكيافيلية الغريبة استنكرتها الساحة الإسلامية بكل فئاتها كتابا ومثقفين وأناسي عاديين من محبين وشفقين .. بل إن بعض الكتاب الإسلاميين أنحى باللائمة على نعمان كورتولموش نفسه , لأنه خاطر بمستقبله السياسي فزج بنفسه في أرض وعرة وسلك طريقا مسدودة .. إذا لا أمل ولا إمكانية في تخطي الجدار العازل الذي ضربه مجلس شيوخ أربكان ومحاربيه القدامى من شوكت قازان إلى اوغوزهان أصيل تورك ممن يعتبرون حزب السعادة وما سبقه من أحزاب ملكا شخصيا حلالا زلالا لأربكان وعائلته يعزل من يشاء ويؤوي إليه من يريد .. ومن يخرج منهم عن طاعته فمصيره أليم العذاب وعاجل الانتقام .. هذه المرة بكل الوسائل المتاحة حتى لو كانت ضرب الصائمين ساعة الإفطار ووقت تلاوة القرآن !!.
ورغم مرور أيام أربعة كاملة إلا أنه لم يصدر أي تصريح عن جبهة الشيوخ تستنكر ما حدث أوتحيله إلى مجموعة من الشباب العاطفي المتحمس !! وكأن ماحدث طبيعي ومأذون به !. كل هذه القيامة قامت لأن السيد كورتولموش لم يدخل نجل أربكان فاتح وأخته وصهره في تشكيلة مجلس إدارة الحزب . والأنكى !من ذلك كله رفضه وصاية الشيوخ , إذ كان العرف -التكتيك – السائد يقضي تعيينه رئيسا شابا للحزب محاطا بالحرس القديم ومسيطرا عليه من قبلهم بحيث لا يخرج عن تعاليمهم قيد أنملة !. وليس مهما بعدئذ حسابات النجاح والفشل وتأييد الشعب من عدمه !.
نبش الدفاتر القديمة قد يكون له مسوغاته الصحفية الإعلامية لكن لا ينظر إليه بعين الرضا في أدبياتنا الإسلامية .. بعض تلك الدفاتر تروى أن نجم الدين أربكان تأخر بعض الوقت في فصل رجل أدعى أنه - أربكان - هو المهدي المنتظر وآمن معه رجال ليسوا بالقليلين ..
اختزال أمة في رجل , وحزب في قائد لا زال طبيعيا غير مستغرب ولا مستهجن في أدبيات العمل الإسلامي وساحة الشرق الأوسط خصوصا.. وحزب السعادة ليس بدعا من غيره في هذا الميدان إذ لا تزال عائلة أجاويد تسيطر على مقاليد الأمور في حزب اليسار الديمقراطي رغم وفاة مؤسسه بولند أجاويد .. هذا في بلد ينعم أهله بقدر من الثقافة الديمقراطية ..
أما البلدان التي يكون الحزب فيها قائدا للدولة والمجتمع فقد أتحفتنا بمصطلح سياسي جديد ذو ماركة مسجلة لحساب الأمة العربية هو "النظام  الجمهولكي "  حيث حاكمه ينادي : ما علمت لكم من إله غيري سوى ولدي ..
قبل حوالي عقد من الزمان يممت وجهي شطر المطار قاصدا باريس عاصمة فرنسا . صديق السفر قال لي بأنه لمح "رحمي كوج" أغنى رجل في تركيا وصاحب أكبر مجموعة صناعية فيها مع جملة المسافرين . لكنني ماريته على ما رأى فقلت له : رحمي كوج مالك المليارت من الدولارات , وصاحب المصانع والشركات العابرة للقارات , واليوخوت والطائرات يدخل من باب المواطنين العاديين ويترك ال VIP .. أعاقل أنت أم جننت ؟ وأين الحرس والعسس ؟!. لكن بعد دقائق قليلة تبين لي أن صاحبي كان محقا فبعد اجتياز الجوازات ووصولنا لصالة الانتظار وجدت الرجل وزوجه واقفين مع ثلة من الرجال يتبادلون أطراف الحديث ..
بعد فترة الانتظار ركبنا جميعا الباص الذي أقلنا للطائرة .. ثم صعد مقدمة الطائرة درجة رجال الأعمال بينما كان مقعدنا مع الخوالف في مؤخرتها .. عندما وصلنا باريس واتجهنا لاستلام الأمتعة وقفت زوجه تنتظر حقائبهما بينما توجه هو لإحصار العربة اليدوية .. وبعد أن وضع حقائبه عليها توجه نحو باب الخروج حيث كانت سيارة سوداء فخمة مع حرسها بانتظاره .. ثم لأرى شركته بيكو BEKO  تغطي صور دعايتها غالبية سيارات الأجرة في باريس .. رحلة الرجل تلك كانت بعد خروجه للتقاعد بناء على قانون في شركته يقضي بإحالة كل من يتجاوز سنه الستين للتقاعد وترك كل وظيفة أو منصب إجرائي . ليتحول بعدها إلى مستشار فقط !. 
صورتان متقابلتان في أدبيات الإدارة وفن التعامل .. ما أردت من خلالهما تفضيل علماني على إسلامي .. لكن ثمة بعد حضاري إنساني يميز بينهما .. نحن - كأمة - في أمس الحاجة إليه .!. )
وهكذا نرى أخطاء بالجملة تدل على تدهور الأمور في حزب السعادة بقيادة أربكان   وإنني أتمنى أن يعود هذا المربي الكبير إلى صوابه وينزل من عليائه ويعترف بأخطائه ولن يضيره ذلك شيئا  ( فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم )  وأسأل الله أن يختم له بخير وأن لايفسد ما بناه .
وإن مثل هذه الأحداث تجعل المرء يدرك حكمة الله في أنه لايمكَن في الأرض لأمثال هذه الحركات والزعامات  التي يبدو ظاهرها الخير والصلاح  ولكنها تحمل في طياتها أمورا لا تظهر إلا في الشدائد .
وإليكم هذا المقال التحليلي الرائع من المفكر المشهور د. محمد الأحمري  يضع فيه النقاط على الحروف في بعض الملامح المهمة في تجربة أردوغان
 ( جاء طلب المقالة عندما أنهيت كتابًا عن أتاتورك وبدأت آخر لأحمد داود أوغلو، كان بين الرجلين فارق قريب من القرن بين الشخصيتين والنظريتين، وبين تفسيرين وزمنين وحكومتين، كان الأول يرى أن بلاده شبعت من الإسلام، ومن التصوف والتخلف، ومن الفساد، ومن القرب من عالم المسلمين، وكان عليها أن تتجه إلى الغرب وتُولِي قلوبها وعقولها ولغتها ولباسها وسائر ثقافتها نحوه، إذ كان يرى في الشرق "والإسلام" ثقلا يجب الخلاص منه بكل ما فيه، فحقق بالقوة والحسم والإرهاب ما خطر بباله، حتى إنه شنق المئات لأنهم تباطأوا في لبْس القبعة، وكان صارمًا مستعجلا حتى إن من لم يجد قبعة رجالية ألجأه إلى سرقة دكان للقبعات النسائية ولبسها الرجال.
لم تذهب تركيا بعيدًا بعد سلوك الثورة التغييرية المستوحية للعنف من ثورة فرنسا التي تشرَّب بعض أفكارها الحاكم نفسه، وقد أصبح، بحكم تسلّمه للحكم، فيلسوفًا للثورة، كعساكر العالم الثالث يتحولون بعد القبض على الحكم الأدنى إلى متحدثين بمبادئ الفلسفة العليا، وكذا كان معاصرًا للثورة البلشفية، فصنع صورة للتجربتين في تركيا، والصورة غالبا ما تكون شكلا مستنبتًا ومؤذيًا وغير عميق في المجتمع، كما يشير أوغلو في كتاباته عن الفكرة والسلوك المستنبت الذي يموت عاجلا، وهذه الفكرة ليست بعيدة عن رأي مالك بن نُبي في الفكرة المحلية الميتة والفكرة الأجنبية القاتلة.
بعد مائة عام، صنعت تركيا أو تصنع ثورة أخرى، والفرق أن هذه الثورة هادئة بلا صخب ولا زعيم إله، كما لينين وستالين وأتاتورك، بل فكرة وتجربة مقنعة بهدئها، فيها روح الدين وإنجاز الدنيا، وفيها الروح الذاتية وثمرة تجربة الغرب، وفيها وعي بمصائب الدرب الطويل المرير الذي عاشوه، من نتاج ثورة دامت زمنًا طويلا تكبت الأنفاس ويحميها العساكر ـ أو يتظاهرون بحمايتها بسبب القانون لا بسبب القبول ـ بعد أن ماتت في القلوب، بلا تجديد ولا روح ولا معاصرة، دامت برحمة الخضوع للناتو وللغرب، دامت بحماسة قومية طاغية، ولأسباب أوهمت بأنها إنقاذ وتعويض عن مهانة سقوط إمبراطورية، ودامت بمن ينقلبون على كل من شكك في عقيدة المؤسس، ودامت لأن شرًّا تعرفه خيرٌ من خيرٍ لا تعرفه.
العقيدة الجديدة، فيها مستوى فكري أعلى مما كان للثورة الأولى، وقراءة أفكار هؤلاء تؤكد أنها من نبْت الأرض التركية التي تخصَّبت بالعلمانية الأتاتوركية الفرنسية، وبالحركة الإسلامية المعاصرة، وبنتاج خبرة معاناة ومسايرة الفكرتين المتضادتين، فأنتجوا وسطًا، وتبين الرغبة في الحفر في القديم لمعرفة الجذر السياسي والخلقي والعقدي والعملي، في بحث عن جذور في تركيا وفي المُخيِّلة والروح عن صخور صلبة تنصب عليها أعمدة القصر الجديد، ولن يكون القصر جديدًا إلا برؤية النماذج الحديثة والأساليب والمخترعات والزينات، فيتابع الجديد في العصر وفي الجوار وفي العالم الحي المتحرك وفي المصلحة القائمة يظهر هدف المعاصرة، والوعي الذي لا يشغله الماضي عن اللحظة.
إن ما حدث لم يكن ليبدأ إلا بشجاعة في أن تتبع الخطوة العملية الفكرة البارقة، وأن يتحلى هؤلاء بشجاعة التمرد على الثقافة الذاتية، أي ثورة على النفس وأفكارها، وثورة على الشيخ المؤسس (أربكان) وعلى آرائه، وقد رأى في فعلهم عمالة أو ربما خيانة ـ وهو موقف يمكن فهمه ـ ومتسق مع جهاده وتاريخه وإخلاصه، وهنا يحسن أن نقبل بحق الرأيين أن يوجدا، فالتخوين خطاب المُحافظ والتقدم شعار المُجدِّد، ويبقى المهم هو العمل التنفيذي المفسر فكريًّا قبل وبعد، وليست مجرد الأفكار المؤثرة، فالنجاح لحكومة حاسمة صادقة يحتاج الأمن والمساكن والمعيشة والعدالة والحرية والديمقراطية.
المُجدد يمسك بالزمان باللحظة الحاضرة يسايرها ويسيّرها كما يتوقع أنه يفعل، والمحافظ وفيٌّ للقيم الجميلة التي يصعب بقاؤها، أفكار شاخت بالرغم من أنها قد كانت طيبة جميلة لها وقْع، وللنفس حنين إليها، ولكنها كأحبابنا الكبار الذين لا بد أن يفارقوا لسبب أو لآخر، وهم يحرصون على أن يبقوا أحياء بل أن يشبّوا في الجسوم الجديدة وهيهات.
الخطاب الجديد في بدن جديد، خطاب شباب، وإنه ليصعب أن يكبروا عليه وأن يسايروه، وقد قاربوا الستين، وهو خطاب مخيف، ولكنهم جعلوا من الخوف منه سلامًا وأمانًا يقدمونه على طبق من التنفيذ في العالم، مع أوروبا وأمريكا وأرمينيا وإيران وسوريا، وطبق خدمات رائعة في الداخل، منها أنهم مدّوا من الطرق في خمس سنوات، بعدد ما مدَّته الجمهورية التركية في نحو قرن، وبنوا بيوتًا للناس لا خطابات ولا دعاية بل مساكن حقيقية، ونشروا سياسة تصفير الأزمات، أي الوصول إلى عدم وجود أزمات داخلية ولا خارجية، خطاب مثالي، إن لم يكن مغرقًا في مثاليته، ولكنه سيحمل ويْلاته في بطنه، لأنه جاء من خارج الغابة، ويقول إن هذه ليست غابة بل جنة عاجلة يسكنها الجميع بأمان.
إن هذه الحكومة وفلسفتها شجاعة في بلاد لم تتعود هذه الشجاعة منذ قرن، مرنة في منطقة لم تتعود إلا الصلابة، قاطعة مع الماضي في زمن يذهب للوراء الشرقي أو الوراء الغربي، فيتكئ على الماضي في حروبه ومواجهاته في الغرب وفي بلاد المسلمين، إنها حكومة عملية في منطقة تحب الخيال وبقايا البلاغة.
هذا الذكاء والنشاط يصنعان الخبثاء ويثيران الأحقاد، فلسفة خاسرة في الداخل تبحث عن انتقام، وجوار فاشل وموْتور من النجاح أو الاختلاف، فيستعد لينتقم من النجاح، أو يوقفه أو يحفر في طريقه حفرًا كردية وإسرائيلية وعلمانية وإسلامية ووطنية وإيرانية وأوروبية وعربية وإسرائيلية، إن حيلة التصفير وصناعة جنة فكرة ذكية، ولكنها قد تربي الوحوش في الغابة، ولهذا فقد تضطر غير بعيد إلى أتاتورك جديد يتكئ على الماضي أو على المستقبل، والمواجهة ستعطيه أساس الشرعية. ) مجلة العصر





أسطول الحرية وتداعيات الأزمة
نظمت مؤسسة مللي جوروش التي يرعاها أربكان تسيير أسطول الحرية لحمل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة  وقد توحد الشعب التركي بكامله مع هذه القافلة التي ضمت نشطاء من كل أنحاء العالم ثم اعتدت اسرائيل بوحشية وهمجية على الأسطول في المياه الدولية  مما أثار ردة فعلة عنيفة تجاه اسرائيل في العالم كله وفي تركيا على وجه الخصوص حيث حدث مايشبه الزلزال الذي نسف كل العلاقات بين الشعب التركي والاسرائيلي .
لقد قتل الاسرائيليون تسعة نشطاء أتراك ممن كانوا على متن السفينة فهاج الشعب التركي بأكمله وقامت حكومة العدالة والتنمية بترجمة ذلك الغضب بسلسلة إجراءات شديدة ضد الدولة الاسرائيلية لم تنته فصولها حتى كتابة هذه الأسطر وإن أهم مايمكن قوله في حادثة أسطول الحرية أنها نقلت الشعب التركي إلى حالة العداء العام لإسرائيل بعد أن كانت العلاقة في السابق علاقة غير معروفة اللون بين الصداقة والعداوة.
كما أن هذه الأزمة كسرت الحاجز بين الشعوب العــربية والشعب التركي نهائيا
 ( فالتقى الماء على قدر ) وكانت الخطبة التي ألقاها أردوغان أمام البرلمان التركي خطبة تاريخية سجلها التاريخ بمداد من ذهب ونور ونقلها العالم أجمع على الهواء مباشرة  ومترجمة ( ألقى الخطبة باللغة التركية )  ولم أملك عيناي من البكاء  حين قال ( لو أدار العالم كله ظهره لفلسطين فلن نفعل ) 
وكان لتلك الخطبة ردات فعل في كل أنحاء العالم تدل على طيب معدن الرجل إن شاء الله تعالى أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحد
وعندما أعيدت أجساد الشهداء الأتراك شارك في تأبينهم ولم يستطع كبح جماح دموعه  فأخفى وجهه بيديه  وكانت الصورة التي تشاهدونها





وفي الختام أقول
اللهم ماكان في عملي هذا من صواب فمنك وحدك وهديتني إليه بفضلك ورحمتك
اللهم وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان واستغفر الله منه


وكان الفراغ منه ليلة الثاني والعشرون من رمضان المبارك  لعام 1431هـ بالمدينة المنورة  على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التسليم

والحمدلله رب العالمين 

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية