الأربعاء، 16 أكتوبر 2024

بمن تقارن نفسك؟ فهد عامر الأحمدي..

 

شعرت بصفعة على مؤخرة رقبتي من شخص يقول "كيفك يا ولد لطيفة"
الأربعاء 11 محرم 1438 هـ 
 
 
حول العالــــم
بمن تقارن نفسك؟
فهد عامر الأحمدي..
 
 
قـبل أيام كنت في السوق حين قابلني شاب مؤدب ومثقـف أخبرني أنه معجب بـي.. أسمعني مديحا وكلمات إشادة أصابتني بالدوار ورفعت رأسي فوق السحاب.. وفيما كنا نتحضر لالتقاط سلفي شعرت بصفعة على مؤخرة رقبتي من شخص يقول "كيفك يا ولد لطيفة"..
 
كان صديقا مزعجا من أيام الحارة يعرفني حق المعرفة ولم يعترف يوما أنني من يكتب في صحيفة الرياض..
أصبحت لدقائق بين رجلين ينظران إلي بطريقة مختلفة؛ الأول يعرفني من بعـيد ورسم لشخصي المتواضع صورة مثالية ونموذجية رائعة (لا أستحقها بدون شك).. والثاني يعرفني منذ الطفولة ويعتبرني مجرد صديق قديم يحتفظ له بمواقف محرجة (وذكريات تفشل) ولا يعنيه كيف أصبحت اليـوم..
 
 
هذه المفارقة تفسر لماذا نتهاون ونتطاول على أقرب الناس إلينا؛ فـمعرفتنا له عن قرب تجعلنا نستخف بآرائه وأفكاره وإنجازاته.. لا يعترف عقلنا الباطن بنجاحه وتفوقه علينا لأن اعترافنا يعني تلقائيا تخـلفنا عنه، ونحن الذين انطلقنا معه من خط واحد..
 
 
لهذا السبب تلاحظ ــ حتى في قصص الأنبياء ــ أنه "لا كرامة لنبي في وطنه".. ولهذا السبب قال أبو لهب لنبينا الكريم "تـبا لك ألهذا جمعتنا".. ولهذا السبب طرده أهل مكة في شعب بني طالب في حين استقبله أهل المدينة بالأناشيد والأهازيج وقاسموه أرضهم وأموالهم..
 
 
تأمل سـير العباقرة والمبدعين تلاحظ أن كثيرا منهم حظي بالتكريم والتقدير في غير مجتمعه الذي ولد فيه (وخذ كمثال ابن سينا والرازي والبخاري ودافنشي الذي غادر ايطاليا وحظي برعاية ملك فرنسا حتى مات)..
 
 
طبيعتنا البشرية تجعلنا لا نقارن أنفسنا بمن لا نعرفهم شخصيا (كأثرياء العالم الذين تنشر مجلة فوربس أسماءهم كل عام).. ولكننا نقارن أنفسنا بأصدقائنا وأبناء عمومتنا الذين حققوا ثروة كبيرة أو نجاحا مميزا -ـ في حين لاتزال أنت ثابتا في مكانك..
 
 لا يهمك إن نـال مراهق فرنسي الدكتوراة من جامعة السوربون، أو تحدث طفل صيني عشر لغات، المهم ألا يفعل ذلك قريبك الذي تربيت معه أو صديقك الذي تشيد به والدتك دائما..
 
وما يبدو لي أن هناك علاقة بين مستوى القرب، واعـترافنا بتفـوق الآخرين.. فكلما ارتفع مستوى قربك من أحدهم كنت ميالا لتجاهل نجاحه وتفوقه، وكلما ابتعد عـنك قدرته بشكل أفضل ورسمت له صورة أجمل!
والحقيقة هي أن هذه الظاهرة ملاحظة حتى بين أفراد العائلة الواحدة..
 
 
فقد تجد شيخا أو فقيها أو مفكرا يملك تأثيرا قويا على آلاف الأتباع الذين لا يعرفهم، في حين يعجز عن التأثير على أبنائه الذين يراهم كل يوم (بل وقد يعتبرونه رجلا فاته الزمن).. 
 
أنا شخصيا لدي ستة كتب ناجحة ــ لا تكاد تظهر في السوق حتى تختفي بسرعة ــ ومع هذا لم يقرأها أحد من أبنائي.. ابنتي مياس تقـرأ روايات عالمية بثلاث لغات، وابني حسام قرأ كتاب عبدالله الجمعة الرائع (حكايا سعودي في أوروبا) عدة مرات، في حين لم يقرأ أحد منهم كتابي "حول العالم في 80 مقالا" الذي يغطي ربع قرن من الرحلات الموثقة بالصور!!!
 
... على أي حال؛
لست أفضل من الإمام أبي حنيفة الذي كانت والدته لا تعترف بفتاويه وتذهب مسافة طويلة لأخذ الفتوى من فقـيه يدعى زرعة القاص الذي كان يستمع لها ثم يبتسم في وجهها ويقول لها "القول ما قاله أبو حنيفة"..
 
.. وما يهمك تذكره من مقال اليوم ثلاث أفكار أساسية:
 
الأولى: وجود علاقة بين مستوى القرب، ومدى اعـترافنا بتفـوق الآخرين علينا..
 
والثانية: ضرورة تمتعنا بروح رياضية تجاه أقراننا وارتفاعنا فوق مشاعر الغـيرة منهم..
 
أما الثالثة... حين تصادف صديقك في السوق، لا تذكر اسم والدته بصوت مرتفع أو تصفع رقبته أثـناء التقاطه سيلفي..

شـعب الله الـمحـتار فهد عامر الأحمدي

 

شـعب الله الـمحـتار فهد عامر الأحمدي
 
لم يتعرض (عـرب الجزيرة) لما يهدد هويتهم ووجودهم الثقافي سـوى مرتيـن خلال التاريخ:
 
ـــ المرة الأولى حين حملوا رسالة الإسلام الى الشعوب الأخرى فحدث تلاقـح فكري أثـر على أفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم العربية (لدرجة كثر الاستعجام فأمر علي أبن أبي طالب بوضع قواعد النحو)..
 
ـــ أما المرة الثانية ففي عصرنا الحديث حين اكتشف النفط ومرت الشعوب الخليجية بطفرة مادية جعلتها تـستغني بطيب خاطر عن عاداتها وتقاليدها ومهاراتها القديمة..
 
.. فـحتى وقت قريب (زمن جدي وجدك) كنا مكتفين ذاتياً ولم نحتج لاستيراد شيء من منتجات الشعوب الأخرى. كانت جداتنا يصنعن السجاد والسلال والسمن وكافة احتياجاتهن الأسرية، في حين كان أجدادنا يبنون منازلهم بأنفـسهم ويحرثون أرضهم بسواعدهم ويصنعون كل شيء تقريبا من أشجار النخيل ومنتجات الماشية وطـين الأرض.. غير أن هذه المهارات (التي تبلورت خلال أجيال طويلة) فـقـدناها خلال جيل واحد فـقط بفضل الطفرة النفطية وتحولنا لمجتمعات استهلاكية..
 
 
قــد لا يأسف معظمنا على فقد مهارات الآباء والأجداد، ولكن المشكلة أننا لم نأتِ ببديل معاصر لها أو تصنيع ما هو خير منها (فأصبحنا مثل الغراب الذي ضيع مشيته ومشية الحمامة)..
 
 
وياليت الأمر اقتصر على تضييع المهارات اليدوية كوننا أضعنا بنفس المستوى (عادات وأعرافاً وأخلاقيات) تبلورت خلال قرون فأصبحنا بالفعل "شـعـب الله المحـتار" الذي دخل مرحلة نضج جديدة ولم يستقر حتى الآن على خـيار حضاري واضح..
 
 
فنحن مثلاً مازلنا حائرين بين عاداتنا البدوية القديمة وحياتنا المدنية الحديثة.. نبني أفخم القصور ولكننا نعشق التخـييم في الصحراء.. نفرش بيوتنا بالرخام الإيطالي والأثاث السويدي، ثم نبني ملحقاً بالطين يتوسطه موقد للنـار والحطب.. مازلنا حائرين هـل نلبس ثوباً وشماغاً وجزمة أم بنطالاً وقميصاً وشبشباً؟ 
 
.. هل نأكل بالشوكة والسكين على الطاولة؛ أم نضرب بالخمس قعوداً على الأرض.. نلبس داخل الوطن ثـياباً (ويتصنع بعضنا أخلاقاً) مختلفة عما نلبسه ونصنعه حين نسافر للخـارج.. نخلع العباءة والثوب في الدول البعيدة ولا يشغـل بالنا خلال هذه الفترة القصيرة غير "لا يشوفـنا سعودي"..
 
 
نتحدث كثيراً عن الزهـد وعـدم الإسراف وإكرام النعمة، ولكن الواقع يؤكد أننا أكثر شعوب الأرض استعراضاً وإسرافـاً وتطبيقاً لمبدأ "لا تفشلونا قدام الناس".. 
 
نعيش في منطقة جافة قاحلة ــ لا أنهار فيها ولا زرع ــ ومع هذا لا يجارينا أي شعـب في استهلاك المياه ورمي الأطعمة.. 
 
نبدي إعجابنا بمدن أوربا القديمة وبيوت سويسرا الجبلية ومساجد تركيا الأثرية، ولكننا ننسى أننا كنا نملك كل هذا قبل أن تكتسحه جرافات البلدية ـــ وتصبح مدننا وبيوتنا بلا طعم أو هوية.. 
 
 
يمكنك تسميتنا ببلد المليون واعظ على وزن المليون شهيد في الجزائر، أو المليون شاعر في موريتانا ولكن واقع النزاهة لدينا لا يثبت أننا اتعظنا أو أصبحنا أفضل البشر.. 
 
نتحدث عن الديموقراطية والشفافية، ولكننا مازلنا نفكر بعقلية القـبيلة ونفضل التعاملات السرية ونتحدث بطريقة: "يقولك خوينا وش سويت بموضوع فلان اللي أنت خابر"..
 
 
ورغم أننا نعيش عالة على الشعوب المنتجة (حتى في ملابسنا وحليب أطفالنا) مازلنا نحـتفظ بأنفـة الأعراب ونعـتبر غـيرنا "عـجـماً" سخرهم الله لخـدمتـنا ــ وكأننا شعب الله المخـتار..
 
 
الحقيقة هي أننا "شعـب الله المحتار" الذي لم ينضج بعـد، ومايزال يعيش مرحلة مراهقة متقـلبة..!

أبو تمام وعروبة اليوم عبد الله البردوني

 

أبو تمام وعروبة اليوم
عبد الله البردوني 
 
ما أصدق السيف إن لم ينضه الكذبُ
وأكذب السيف إن لم يصدق الغضبُ
 
بيض الصفائح أهدى حين تحملها
أيد إذا غلبت يعلو بها الغلبُ
 
وأقبح النصر نصر الأقوياء بلا
فهم سوى فهم كم باعوا وكم كسبوا
 
أدهى من الجهل علم يطمئن إلى
أنصافِ ناس ٍطغوا بالعلم واغتصبوا
 
قالوا: هم البشر الأرقى وما أكلوا
شيئاً كما أكلوا الإنسانَ أو شرِبوا
 
ماذا جرى يا أبا تمام؟ تسألني!
عفواً سأروي ولا تسأل وما السببُ؟
 
يدمي السؤالُ حياءً حين نسأله:
كيف احتفت بالعِدا (حيفا) أو(النقبُ)
 
من ذا يلبي؟ أما إصرار معتصم
كلا وأخزى من (الأفشين) ما صلبوا
 
اليوم عادت علوج (الروم) فاتحة
وموطن العرب المسلوب والسلبُ
 
ماذا فعلنا؟ غضبنا كالرجال ولم
نصدق وقد صدق التنجيم والكتبُ
 
فأطفأت شهب (الميراج) أنجمنا
وشمسنا وتحدت نارها الحطبُ
 
وقاتلت دوننا الأبواق صامدة
أما الرجال فماتوا ثم أو هربوا
 
حكامنا إن تصدوا للحمى اقتحموا
وإن تصدى له المستعمر انسحبوا
 
هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم
ويدعون وثوباً قبل أن يثبوا
 
الحاكمون و(واشنطن) حكومتهم
واللامعون وما شعوا ولا غربوا
 
القاتلون نبوغ الشعب ترضيةً
للمعتدين وما أجدتهم القرب
 
لهم شموخ (المثنى) ظاهراً ولهم
هوى إلى (بابك الخرمي) ينتسب
 
ماذا ترى يا (أبا تمام) هل كذبتُ
أحسابنا, أو تناسى عرقه الذهب؟
 
عروبة اليوم أخرى لا ينم على
وجودها اسم ولا لون ولا لقب
 
تسعون ألفاً لـ(عمورية) اتقدوا
وللمنجم قالوا: إننا الشهب
 
قيل: انتظار قطاف الكرم ما انتظروا
نُضج العناقيد, لكن قبلها التهبوا
 
واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا
نضجاً, وقد عصر الزيتون والعنبُ
 
تنسى الرؤوسُ العوالي نار نخوتها
إذا امتطاها إلى أسياده الذنب
 
(حبيبُ) وافيتُ من صنعاءَ يحملني
نسرٌ وخلف ضلوعي يلهثُ العرب
 
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي؟
مليحة عاشقاها: السلُّ والجربُ
 
ماتت بصندوق (وضاح) بلا ثمنٍ
ولم يمتْ في حشاها العشقُ والطربُ
 
كانت تراقبُ صبحَ البعث فانبعثتْ
في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقبُ
 
لكنها رغم بخل الغيثِ ما برحت
حبلى وفي بطنها (قحطان) أو (كرب)
 
وفي أسى مقلتيها يغتلي (يمنٌ)
ثانٍ كحلم الصبا، ينأى ويقتربُ
 
(حبيب) تسألُ عن حالي وكيف أنا؟
شبابةٌ في شفاهِ الريحِ تنتحبُ
 
كانت بلادك (رحلاً)، ظهر (ناجية)
أما بلادي فلا ظهر ولا غببُ
 
أرعيت كل جديب لحم راحلة
كانت رعته وماء الروض ينسكبُ
 
ورحت من سفر مضن إلى سفرٍ
أضنى… لأن طريق الراحة التهب
 
لكن أنا راحلٌ في غير ما سفر
رحلي دمي وطريقي الجمر والحطبُ
 
إذا امتطيت ركاباً للنوى فأنا
في داخلي… أمتطي ناري وأغترب
 
قبري ومأساة ميلادي على كتفي
وحولي العدم المنفوخ والصخب
 
(حبيب) هذا صداكَ اليوم أنشدهُ
لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب؟
 
ماذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟
إني ولدت عجوزاً كيف تعتجب؟
 
واليوم أذوي وطيش الفن يعزفني
والأربعون على خدي تلتهب
 
كذا إذا ابيض إيناع الحياة على
وجه الأديب أضاء الفكر والأدبُ
 
وأنت من شبت قبل الأربعين على
نار (الحماسةِ) تجلوها وتنتخبُ
 
وتجتدي كل لص مترفٍ هبة
وأنت تعطيه شعراً فوق ما يهبُ
 
شرقت غربت من (والٍ) إلى (ملك)
يحثك الفقر أو يقتادك الطلب
 
طوفت حتى وصلت (الموصل) انطفأت
فيك الاماني ولم يشبع لها أرب
 
لكن موت المجيد الفذ يبدأه
ولادة من صباها ترضع الحقب
 
(حبيب) ما زال في عينيك أسئلة
تبدو وتنسى حكاياها فتنتقب
 
وماتزال بحلقي ألف مبكيةٍ
من رهبة البوح تستحيي وتضطرب
 
يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا
ونحن من دمنا نحسو ونحتلب
 
سحائب الغزو تشوينا وتحجبنا
يوماً ستحبلُ من إرعادنا السحب
 
ألا ترى يا (أبا تمام) بارقنا
(إن السماء تُرجى حين تحتجب)
 
 *******************