الخميس، 27 يونيو 2024

علبة شوكلاتة علبة شوكلاتة علبة شوكلاتة

 

منقول أعجبني
 
قبل عدة اعوام وفي حارتي القديمة كان لي جار متحدث لبق , مستمع جيد , ومحاور هادئ , كان انسان اجتماعي و محبوب ... يعرف الجميع والجميع بعرفه , كل ما دخل الحارة او طلع منها يسلم ويرحب بالناس
وفي يوم التقيت فيه , كان يجهز السيارة وبيطلع مشوار ، وما اثار استغرابي ...... علب شوكولاتات فاخرة كانوا اكثر من عشرين علبة بالمقعد الخلفي للسيارة.
 
فطرحت عليه السلام ... و سألته : خير يا جار .... وين رايح ؟؟؟
 
فرد علي السلام وابتسم ابتسامة حلوة , بس انا ما فهمت معناها ,وقال : وش رأيك ترافقني ؟؟؟
 
قلت : أرافقك .... بس يارب المشوار ما يكون بعيد ..ههههههههه.
 
قال : طيب اطلع معي و ان شاء الله ما نتأخر...
 
وطلعت معاه في السيارة , و توجهنا إلى حي فقير جدا يبعد عن حارتنا مسافة ساعة الا ربع بالسيارة ..... صف السيارة و نزلنا منها , وحمل مجموعة من علب الشوكلاتة وتوجه الى مجموعة من البيوت 
 
 دق على الباب الاول , ففتح الباب اولاد صغار و لما شافوه قفزوا فرحا و ينادوا على امهم : ماما ... ماما .... الرجال حق الشوكولاتة جا وأعطاهم علبة الشوكولاتة و تكلم مع الأطفال واستأذن ودق الباب على البيت الثاني , ففتحت الباب إمرأة كبيرة بالعمر , وعندما رأته دعت له كثيرا..الله يفتحها عليك .... الله يطعمك من ثمار الجنة .... والله يا ابني انك تجبر خاطرنا .....الله يجبر خاطرك. 
 
واعطاها علبة الشوكلاته و استأذن ....وهكذا مع بقية البيوت , وكل بيت كان قصة بحد ذاته . وفي كل بيت كان في سيمفونية جميلة ورائعة من المشاعر و الاحاسيس.
 
المهم ...... انتهينا من توزيع علب الشوكولاتة ورجعنا على السيارة و ركبنا فيها وتوجهنا إلى البيت ,فسألته سؤال المتردد : الله يعطيك العافية يا #جار ... و الله شي حلو اللي صار ....بس انا حابب اسألك سؤال : ليش ما تعطيهم فلوس أفضل ؟؟؟ بالفلوس يقدروا يشتروا احتياجاتهم!!!
 
ضحك جاري ضحكة قوية , و كأن سؤالي أعجبه ....والتفت إلى الكرسي الخلفي و تناول علبة شوكولاته , وقدمها لي , وقال افتحها يا دكتور . 
 
فتحت العلبة .و انا مترقب , وكلي شوق لأرى ما تحتويه العلبة!! لقيت فيها بالاضافة للشوكولاته.... مغلف فيه مال , فزادت حيرتي .....: طيب ليش ما تعطيهم الفلوس مباشرة يا جار ؟؟؟
لماذا بداخل علبة الشوكولاتة ؟
 
فنظر إلي جاري , و ابتسم كعادته 
 
و قال : يا دكتور انا إنسان أحب الشوكلاته كثييييرا وآكل منها كل يوم 
 
 و الله جل علاه قال :
"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " .... يا دكتور
#الفقير_يشتهي _كما نشتهي

زيادة العمر للمؤمن زيادة في الخير له

 

زيادة العمر للمؤمن زيادة في الخير له
 
ما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه عن طلحة بن عبيدالله - رضي الله عنه -: "أن رجلين من بَلِيٍّ قَدِما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان إسلامُهما جميعًا، فكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستُشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم تُوُفِّي
 
 قال طلحة: فرأيت في المنام: بينا أنا عند باب الجنَّة، إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنَّة، فأَذِن للذي تُوُفِّي الآخِرَ منهما، ثم خرج، فأَذِن للذي استشهد، ثم رجع إليَّ، فقال: ارجع، فإنك لم يأنِ لك بعد، فأصبح طلحة يُحدِّث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحدَّثوه الحديث، فقال: ((من أي ذلك تعجبون؟))، فقالوا: يا رسول الله، هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا، ثم استشهد، ودخل هذا الآخِر الجنَّة قبله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أليس قد مكث هذا بعده سنة؟))، قالوا: بلى، قال: ((وأدرك رمضان، فصام وصلَّى كذا وكذا من سجدة في السنة؟))، قالوا: بلى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فما بينهما أبعد ممَّا بين السماء والأرض))؛ (صححه الألباني في صحيح ابن ماجه: 3171).
 
 
وسمع عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - رجلاً يتمنَّى الموت، فقال: "لا تتمنَّ الموت، فإنك ميت، لكن سلوا الله العافية"؛ (الزهد لهناد: ص255).
 
وأخرج البخاري ومسلم عن قيس قال: "أتيتُ خبَّابًا وقد اكتوى سبعًا، قال: لولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به".
 
وأخرج النسائي عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تدعوا بالموت، ولا تتمنَّوه، فمَن كان داعيًا لا بد، فليَقُل: اللهم أَحْيِني ماكانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي))؛ (صحيح الجامع: 7265).
 
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يتمنينَّ أحدُكم الموت لضرٍّ نزل به - وفي رواية: من ضرٍّ أصابه - فإذا كان لا بد فاعلاً - وفي رواية: "فإن كان متمنيًا - فليَقُل: اللهم أحيني ماكانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)).
 
((فإن كان لا بد فاعلاً)): فإن كان لا بد متمنيًا الموت، ((فليَقُل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي))
 
وهذا يدل على أن النهي عن تمنِّي الموت مقيد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة؛ لأن في التمني المطلق نوع اعتراض، ومراغمة للقدر المحتوم، وفي هذه الصورة المأمور به نوع تفويض وتسليم للقضاء.
 
قال النووي - رحمه الله -: "وفي الحديث أن مَن خاف ولم يَصبِر على حاله في بلواه بالمرض ونحوه، فليقل: ((اللهم أحيني إن كانت الحياة خيرًا لي...)) إلخ، والأفضل الصبر والسكون للقضاء.
 
قال السعدي - رحمه الله - في شرحه للحد
[22:48 27/6/2014] ابوعمر: قال السعدي - رحمه الله - في شرحه للحديث السابق:
هذا نهي عن تمنِّي الموت للضر الذي ينزل بالعبد؛ من مرض، أو فقر، أو خوف، أو وقوع في شدة ومهلكة... أو نحوها من الأشياء
 
 فإن في تمنِّي الموت لذلك مفاسد:
 
• منها: أنه يؤذن بالتسخط والتضجر من الحالة التي أصيب بها، وهو مأمور بالصبر والقيام بوظيفته، ومعلوم أن تمنِّي الموت ينافي ذلك.
 
• ومنها: أنه يُضعِف النفس، ويُحدِث الخَوَر والكسل، ويُوقِع في اليأس، والمطلوب من العبد مقاومة هذه الأمور، والسعي في إضعافها وتخفيفها بحسب اقتداره، وأن يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به، وذلك مُوجِب لأمرين: اللطف الإلهي لمَن أتى بالأسباب المأمور بها، والسعي النافع الذي يُوجِبه قوة القلب ورجاؤه.
 
• ومنها: أن تمنِّي الموت جهل وحمق، فإنه لا يدري ما يكون بعد الموت، فربما كان كالمستجير من الضرِّ إلى ما هو أفظع منه: من عذاب البرزخ وأهواله.
 
• ومنها: أن الموت يقطع على العبد الأعمال الصالحة التي هو بصدد فعلها، والقيام بها، فكيف يتمنَّى انقطاع عملٍ الذرةُ منه خيرٌ من الدنيا وما عليها؟!
 
• وأخص من هذا العموم: قيامه بالصبر على الضرِّ الذي أصابه، فإن الله يُوفِّي الصابرين أجرَهم بغير حساب.
ولهذا قال في آخر الحديث: ((فإن كان لا بد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي))
 
 فيجعل العبدُ الأمرَ مُفوَّضًا إلى ربه، الذي يعلم ما فيه الخير والصلاح له، والذي يعلم من مصالح عبده ما لم يعلم العبد، ويريد له من الخير ما لا يريده العبد لنفسه، ويلطف به في بلائه، كما يلطف به في نعمائه؛ اهـ. (بهجة القلوب الأبرار: ص 208).
 
والحاصل: أن تمنِّي الموت لضرٍّ دنيوي أمرٌ مكروه، ووجه كراهيته في هذا الحال أن المتمنِّي للموت لضرٍّ نزل به، إنما يتمنَّاه تعجيلاً للاستراحة من ضرِّه، وهو لا يدري إلى ما يصير بعد الموت، فلعله يصير إلى ضرٍّ أعظم من ضرِّه، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.
 
وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما يستريح مَن غُفِرَ له))[1]؛ فلهذا لا ينبغي له أن يدعو بالموت، إلا أن يشترط أن يكون خيرًا له عند الله - عز وجل - كما جاء في الحديث.
 
[1] والحديث أخرجه الإمام أحمد، وأبو نعيم في "الحلية" (8/290)، والبزار من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "قيل: يا رسول الله، ماتت فلانة واستراحت، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((إنما يستريح من غُفِرَ له))؛  .

الاثنين، 17 يونيو 2024

كربلاء لنزار قباني

 

مُواطنوانَ.. دُونَما وَطَنْ

مُطَاردُونَ كالعصافير على خرائطِ الزَمَنْ..

مُسَافِرُونَ دُونَ أوراقٍ

ومَوتي دُونما كَفَنْ.

نحنُ بغايا العصرِ.. كلُّ حاكمٍ

يبيعُنا، ويقبضُ الثَمَنْ!!

نحنُ جَوَاري القصرِ، يُرْسِلونَنَا

من حُجرَةٍ لحُجْرَةٍ

من قَبْضةٍ لقَبْضةٍ

من هالِكٍ لمالِكٍ

من وَثَنٍ إلى وَثَنْ

نركضُ كالكلاب كلَّ ليلةٍ

من عَدَنٍ لطَنجَةٍ

من طَنْجَةٍ إلى عَدَنْ

نبحثُ عن قبيلةٍ تَقْبَلُنا

نبحثُ عن عائلةٍ تُعيلُنا

نبحثُ عن ستارةٍ تستُرُنا

وعن سَكَنْ..

وحَولَنا أولادُنا

إحْدَودَبتْ ظهورُهُمْ، وشاخُوا

وهُمْ يُفتّشونَ في المعاجمِ القديمَهْ

عن جَنَّةٍ نضيرةٍ

عن كِذْبَةٍ كبيرةٍ كبيرةٍ..

تُدْعى الوَطَنْ..

*

مُواطنونَ نحنُ في مدائن البُكاءْ

قَهْوتُنا مصنوعةٌ من دمِ كَرْبَلاءْ

حِنْطتُنا معجونةٌ بلحم كَرْبَلاءْ

طعامُنا. شرابُنا

عاداتُنا. راياتُنا

صيامُنا. صَلاتُنا

زُهورُنا. قُبورُنا

جُلُودُنا مَخْتُومةٌ بخَتْم كربلاءْ..

لا أَحَدٌ يعرفُنا في هذه الصحراءْ

لا نَخْلةٌ. لا ناقةٌ.

لا وَتَدٌ.. لا حَجَرٌ

لا هِنْدُ.. لا عَفْرَاءْ

أوراقُنا مُريبةٌ

أفكارُنا غريبةٌ

فلا الذين يشربونَ النَفْطَ يعرفُونَنَا

ولا الذين يشربونَ الدمعَ والشقاءْ...

مُعتَقَلُونَ..

داخلَ النصّ الذي يكتُبُهُ حُكَّامُنَا

مُعتَقَلُونَ..

داخلَ الدين كما فَسَّره إمامُنا

مُعتَقَلُونَ..

داخلَ الحُزْن، وأحلى ما بنا أحزانُنَا

مُراقَبون نحنُ في المقهى.. وفي البيتِ..

وفي أرْحَامِ أمَّهاتِنا..

حيثُ تلفَّتْنَا، وجدنا المخبرَ السِريَّ في انتظارِنا

يَشْرَبُ من قهوتنا..

يَنَامُ في فِراشنا..

يَعْبَثُ في بريدِنا

يَنْكُشُ في أوراقنا

يدخُلُ من أنوفِنا

يخرجُ من سُعَالِنا

لسانُنا مَقْطوعْ..

ورأسُنا مَقْطُوعْ..

وخبزُنا مبلَّلٌ بالخوف والدموع..

إذا تظلَّمنا إلى حامي الحِمى

قيل لنا مَمنُوعْ..

وإن تضرَّعنا إلى ربِّ السَمَا

قيلَ لنا: مَمْنوعْ..

وإن هَتَفْنَا:

يا رسولَ الله، كُنْ في عَوْنِنَا

يُعطونَنَا تأشيرةً من غَيْرِ ما رُجُوعْْ

وإن طَلَبنَا قَلَماً

لنكتبَ القصيدةَ الأخيرَهْ

أو نكتبَ الوصيّةَ الأخيرَهْ

قُبَيْلَ أن نَمُوتَ شَنْقَاً

غَيَّروا الموضوعْ..

*

يا وَطَني المصلوبَ فوقَ حائطِ الكراهيَهْ

يا كُرَةَ النار التي تسيرُ نحو الهاوِيَهْ

لا أَحَدٌ من مُضَرٍ.. أو من بني ثَقِيفْ

أعطى لهذا الوطنِ الغارقِ بالنزيفْ

زُجَاجَةً من دمِهِ..

أو بَولِهِ الشريفْ!!

لا أَحَدٌ.. على امتداد هذه العباءة لمُرقَّعَهْ..

أهداكَ يوماً مِعْطَفَاً أو قُبَّعَهْ..

يا وَطَني المكسورَ مثل عشبة الخريفْ..

مُقْتَلَعُونَ نحنُ كالأشجار من مَكَانِنا..

مُهَجَّرونَ من أمانينا، وذكرياتِنَا

عُيونُنا تخافُ من أصواتِنا

حُكَّامُنا آلهةٌ يجري الدمُ الأزْرَقُ في عُرُوقِهِمْ

ونحنُ نَسلُ الجاريَهْ

لا سادةُ الحجاز يعرفُونَنَا..

ولا رَعَاعُ الباديَهْ.

ولا أبو الطيب يَسْتَضِيفُنا..

ولا أبو العتاهيَهْ.

إذا ضحكنا لعليٍّ مرةً..

يقتُلنا مُعاويَهْ..

5

لا أحدٌ يريدُنا

من بحر بيروتَ.. إلى بحر العَرَبْ..

لا الفاطميّونَ، ولا القرامِطَهْ.

ولا المماليكُ، ولا البرامكَهْ.

ولا الشياطينُ، ولا الملائكَه.

لا أحدٌ يريدُنا.

في المُدُن التي تقايضُ البترولَ بالنساءِ،

والديارَ بالدولارِ، والتُراثَ بالسُجَّادِ،

والتاريخَ بالقُرُوشِ، والإنسانَ بالذَهبْ.

وشَعْبُها يأكُلُ من نِشَارةِ الخَشَبْ!!

لا أحدٌ يريدُنا..

في مُدن المقاولينَ، والمضَارِبينَ، والمستَورِدينَ،

والمُصدِّرينَ، والمُلمِّعين جَزْمةَ السُلْطَةِ،

والمُثَقّفينَ حسبَ المَنْهَجِ الرسميِّ،

والمُسْتَأجَرينَ كي يَقُولوا الشِعرَ،

والمُقدِّمينَ للأمير عندما يأوي إلى فراشِهِ

قائمةً بأجمل النساءِ..

والموظَّفينَ في بَلاط الجِنْسِ..

والمُهرِّجينَ..

والمُخنَّينَ..

والمُخوِّضينَ في دِمائِنَا حتى الرُكَبْ..

لا أحدٌ يقرؤُنَا

في مُدُن المِلْح التي تَذْبَحُ في العام

ملايينَ الكُتُبْ..

لا أحدٌ يقرؤنا

في مُدُنٍ..

صارتْ بها مباحثُ الدولةِ

عرَّابَ الأدبْ..

6

مُسَافرونَ نحنُ في سفينة الأحزانْ

وشَيْخُنا قُرْصَانْ

مُكوَّمونَ داخلَ الأقفاص كالجُرْذَانْ

لا مرفأٌ يقبلُنا.

لا حانةٌ تقبلُنا.

لا امرأةٌ تقبلُنا.

كلُّ الجوازات التي نحملُها

أصْدَرَهَا الشيطانْ

كلُّ الكتابات التي نكتُبُها.

لا تُعْجِبُ السلطانْ..

مُسَافرونَ خارجَ الزَمَان والمَكَانْ

مُسَافرونَ ضَيَّعوا نقودَهُمْ..

وضَيَّعوا متاعَهُم، وضيَّعوا أبناءَهُمْ،

وضيَّعوا أسماءَهمْ، وضيَّعوا انتماءَهُمْ..

وضيَّعوا الإحساس بالأمانْ

فلا بَنو هاشمَ يعرفونَنَا، ولا بَنُو قَحْطَانْ

ولا بَنُو ربيعةٍ، ولا بَنو شَيْبَانْ

ولا بَنو (لينينَ) يعرفوننا.. ولا بَنُو (ريغانْ)..

*

يا وَطَني: كلُّ العصافير لها منازلٌ

إلا العصافيرَ التي تحترفُ الحريَّهْ

فهيَ تموتُ خارجَ الأوطانْ...

يا وَطَني: كلُّ العصافير لها منازلٌ

إلا العصافيرَ التي تحترفُ الحريَّهْ

فهيَ تموتُ خارجَ الأوطانْ...


الخميس، 6 يونيو 2024

أخطاء شائعة .. فيها سَعَة

 

أخطاء شائعة .. فيها سَعَة ..
*(حكم قص الاظافر والشعر في العشر من ذي الحجة)*
👇
📌 التفصيل في حكم حلق الشعر وقلم الأظافر لمن أراد أن يضحِّي:
لقد أكثر الناس من السؤال عن حلق الشعر وقلم الأظافر في عشر ذي الحجة، وذلك لمن أراد أن يضحي، فما الشيء الذي يجب اجتنابه في حقِّ من يضحي؟
 
إن الأصل في ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أم سلمه ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي".
 
والواقع أنَّ هذا الحديث ورد من طريق أم سلمه وحدها، ولم يروه أحد من الصحابة غيرها. 
 
وقد أنكرت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ على أم سلمة هذا الحديث مبينة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا في حق من أحرموا بالحج، وذلك لكون أهل المدينة يهلون بالحج عند طلوع هلال ذي الحجة،
قالت: ولقد فتلت قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمتنع من شيء كان مباحاً، أي لا من الطيب ولا من النساء، ولا غير ذلك من شعره وأظفاره ـ قاله في المغني. ولقد مكث ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المدينة عشر سنين وهو يضحي عنه وعن أهل بيته، ولم يثبت عنهم هذا النهي. 
 
ومن المعلوم أن السيدة عائشة هي أعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرف من أم سلمة بحديثه، ولو كان هناك نهي للمضحي عن أخذ الشعر وقلم الظفر لما خفي عليها أبداً، ولكان من لوازم هذا النهي أن يشتهر بين الصحابة، ولم نعلم أن أحداً قال به ما عدا انفراد أم سلمة بحديثه.
 
وقد عللوا هذا النهي بأنه تشبه بالمحرم ـ قاله في المغني ـ.
وقول السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ هو المعقول المطابق للحكمة، إذ لا يمكن أن ينهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم عن أخذ الشعر وقلم الظفر ويبيح ملامسة النساء والطيب، ولو كان هذا التشبه صحيحاً لوجب الكف عن الطيب والنساء. ولم يقل بذلك أحد .
 
وقد اختلف الأئمة في هذه المسألة:
 
فقال أبو حنيفة بجواز أخذ الشعر وقلم الظفر للمضحي بلا كراهة،
 
وذهب الإمام مالك والشافعي إلى أنه مكروه كراهة تنزيهية، 
 
وذهب الإمام أحمد في الرواية الراجحة في مذهبه إلى أنه حرام اعتماداً منه على حديث أم سلمة. 
 
فالقول بالتحريم هو من مفردات الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ التي خالف بها سائر الأئمة، كما قال ناظمها:
في عشر ذي الحجة أخذ الظفر *** على المضحي حرموا والشعر
 
وقال في الإنصاف 4/109 : الراجح الكراهة لا التحريم، اختاره القاضي وجماعة.
 
وعلى كلا القولين فإن الرجل والمرأة لو أخذ كل منهما من شعره أو قلم أظفاره وأراد أن يضحي فإن أضحيته صحيحة بلا خلاف، قاله في المغني بإجماع أهل العلم.
 
وقول الأئمة بكراهة أخذ الشعر هو تمشياًً منهم مع حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها. وقد جرى من عادة الفقهاء أن ينقل بعضهم عن بعض، فتتابعوا على القول بالكراهة ما عدا أبا حنيفة فقد قال: لا كراهة ولا تحريم في ذلك. 
 
وبمقتضى الترجيح يتبين أن قول السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ هو أصح وأصرح، حيث بيَّنت السبب المقتضي للنهي، وكون أخذ الشعر وقلم الظفر هما من محظورات الإحرام، والأدلة إذا تعارضت يقدم منها ما هو أقوى وأصح.
 
والحاصل أنَّ هذا الحديث عن أم سلمة خاص بمن أحرم للحج، حيث إن أهل المدينة يحرمون بالحج عند مستهل ذي الحجة، فسمعت أم سلمة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه نهى عن حلق الشعر وقلم الظفر حتى ينحر أضحيته، لكون دم النسك يسمى " أضحية "، كما في البخاري أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضحى عن نسائه بالبقر، يعني بذلك دماء النسك.
 
والصحيح أنه لا تحريم ولا كراهة في حلق الشعر وقلم الظفر لمن أراد أن يضحي، كما لا تحريم في ملامسة النساء وفي الطيب.
 
وقد قالوا: إنَّ النهي محمول على الكراهة. فإن هذه الكراهة تزول بأدنى حاجة، إذ هي كراهة تنزيه يثاب الإنسان على تركها ولا يعاقب على فعلها عكس المستحب الذي يثاب الإنسان على فعله ولا يعاقب على تركه، وأبعد الأقوال عن الصواب قول من يدَّعي التحريم.
 
فما شاع في بعض البلدان على ألسنة العامة من قولهم إن من أراد أن يضحي وَجَب عليه أن يحرم فهذا مما لا صحة له إطلاقاً إذ لا إحرام إلا لمن أراد الحج أو العمرة، وليس على أحد في غيرها إحرام.
 
لهذا يجوز في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي أن يفعل سائر المباحات من الطيب والنساء، وإن احتاج إلى حلق شعره أو قلم ظفره فعل ذلك ولا فدية عليه ولا كراهة فيه. وكذلك المرأة إذا احتاجت إلى نقض شعرها فتساقط منه شيء فإنه لا كراهة في ذلك وأضحيتها صحيحة.
 
هذا وإن الذي جعل الناس يتورعون عن أخذ شعرهم وقلم أظفارهم ويرونه أمراًَ كبيراً في أنفسهم هو كون الخطباء يخطبون الناس في عشر ذي الحجة بالتحريم، ولم يجدوا من يبين لهم طريق التيسير وكون الأمر سهلاً وليس عسيراً. 
 
وغاية الأمر أنه مكروه كراهية تنزيه، والكراهة تزول بأدنى حاجة. والله أعلم . 
 
بقلم فضيلة الشيخ: عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله تعالى ( منقول بتصرف) ..

الثلاثاء، 4 يونيو 2024

مقصد الحياة

 

مقصد الحياة
 
تدبرت كثيرًا في مسألة قيام الأمم، فلاحظت أمرًا عجيبًا،
وهو أن فترة الإعداد تكون طويلة جدًّا قد تبلغ عشرات السنين،
بينما تقصر فترة التمكين حتى لا تكاد أحيانًا تتجاوز .:-
 
فعلى سبيل المثال..
بذل المسلمون جهدًا خارقًا لمدة تجاوزت ثمانين سنة؛
وذلك لإعداد جيش يواجه الصليبيين في فلسطين،
وكان في الإعداد علماء ربانيون، وقادة بارزون،
لعل من أشهرهم عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي
رحمهم الله جميعًا، وانتصر المسلمون في حطين،
بل حرروا القدس وعددًا كبيرًا من المدن المحتلة،
وبلغ المسلمون درجة التمكين في دولة كبيرة موحدة،
 
 
ولكن -ويا للعجب- لم يستمر هذا التمكين إلا ست سنوات،
ثم انفرط العقد بوفاة صلاح الدين، وتفتتت الدولة الكبيرة بين أبنائه وإخوانه،
بل كان منهم من سلم القدس بلا ثمن تقريبًا إلى الصليبيين!!
كنت أتعجب لذلك حتى أدركت السُّنَّة، وفهمت المغزى..
 
 
إن المغزى الحقيقي لوجودنا في الحياة ليس التمكين في الأرض وقيادة العالم،
وإن كان هذا أحد المطالب التي يجب على المسلم أن يسعى لتحقيقها،
ولكن المغزى الحقيقي لوجودنا هو : عبادة الله ..
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]..
وحيث إننا نكون أقرب إلى العبادة الصحيحة لله في زمن المشاكل والصعوبات،
وفي زمن الفتن والشدائد، أكثر بكثير من زمن النصر والتمكين،
فإن الله -من رحمته بنا- يطيل علينا زمن الابتلاء والأزمات؛
حتى نظل قريبين منه فننجو، ولكن عندما نُمكَّن في الأرض ننسى العبادة،
ونظن في أنفسنا القدرة على فعل الأشياء،
ونفتن بالدنيا، ونحو ذلك من أمراض التمكين..
 
قال تعالى:
{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
 
ولا يخفى على العقلاء أن المقصود بالعبادة هنا ليس الصلاة والصوم فقط،
إنما هو في الحقيقة منهج حياة..
 
إن العبادة المقصودة هنا هي :
صدق التوجه إلى الله، وإخلاص النية له، وحسن التوكل عليه،
وشدة الفقر إليه، وحب العمل له، وخوف البعد عنه،
وقوة الرجاء فيه، ودوام الخوف منه..
 
إن العبادة المقصودة هي أن تكون حيث أمرك الله أن تكون،
وأن تعيش كيفما أراد الله لك أن تعيش،
وأن تحب في الله، وأن تبغض في الله، وأن تصل لله، وأن تقطع لله..
إنها حالة إيمانية راقية تتهاوى فيها قيمة الدنيا
حتى تصير أقل من قطرة في يمٍّ، وأحقر من جناح بعوضة،
وأهون من جدي أَسَكَّ ميت..
 
 
كم من البشر يصل إلى هذه الحالة الباهرة في زمان التمكين!!
إنهم قليلون قليلون!
 
ألم يخوفنا حبيبي عليه افضل الصلاه واتم التسليم من بسطة المال، ومن كثرة العرض، ومن انفتاح الدنيا؟!
ألم يقل لنا وهو يحذرنا:
"فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ
وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"؟!
إن المريض قريب من الله غالب وقته، والصحيح متبطر يبارز الله المعاصي بصحته..
والذي فقد ولده أو حبيبه يناجي الله كثيرًا، ويلجأ إليه طويلاً، أما الذي تمتع بوجودهما ما شعر بنعمة الله فيهما..
 
والذي وقع في أزمة، والذي غُيِّب في سجن، والذي طُرد من بيته،
 
والذي ظُلم من جبار، والذي عاش في زمان الاستضعاف،
 
كل هؤلاء قريبون من الله..
 
فإذا وصلوا إلى مرادهم، ورُفع الظلم من على كواهلهم نسوا الله،
إلا من رحم الله، وقليل ما هم..
 
هل معنى هذا أن نسعى إلى الضعف والفقر والمرض والموت؟
أبدًا، إن هذا ليس هو المراد..
 
إنما أُمرنا بإعداد القوة، وطلب الغنى، والتداوي من المرض،والحفاظ على الحياة.. ولكن المراد هو :
أن نفهم مغزى الحياة.. إنه العبادة ثم العبادة ثم العبادة.
 
مغزى الحياة والتمكين في الأرض
ومن هنا فإنه لا معنى للقنوط أو اليأس في زمان الاستضعاف،
ولا معنى لفقد الأمل عند غياب التمكين،
ولا معنى للحزن أو الكآبة عند الفقر أو المرض أو الألم..
إننا في هذه الظروف -مع أن الله طلب منا أن نسعى إلى رفعها- نكون أقدر على العبادة، وأطوع لله، وأرجى له،
 
وإننا في عكسها نكون أضعف في العبادة، وأبعد من الله..
إننا لا نسعى إليها،
ولكننا "نرضى" بها.. إننا لا نطلبها، لكننا "نصبر" عليها ..
إن الوقت الذي يمضي علينا حتى نحقق التمكين ليس وقتًا ضائعًا،
بل على العكس،
إنه الوقت الذي نفهم فيه مغزى الحياة،
والزمن الذي "نعبد" الله فيه حقًّا،
فإذا ما وصلنا إلى ما نريد ضاع منا هذا المغزى،
وصرنا نعبد الله بالطريقة التي "نريد"، لا بالطريقة التي "يريد"!..
أو إن شئت فقُلْ نعبد الله بأهوائنا،
أو إن أردت الدقة أكثر فقل نعبد أهواءنا!!
 
قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان: 43].
ولذلك كله فإن الله الحكيم الذي يريد منا تحقيق غاية الخَلْق، الرحيم الذي يريد لنا الفلاح والنجاح قد اختار لنا أن تطول فترة الإعداد والبلاء والشدة،
وأن تقصر فترة التمكين والقوة، وليس لنا إلا أن نرضى،
بل نسعد باختياره، فما فعل ذلك إلا لحبه لنا، وما أقرَّ هذه السُّنَّة إلا لرحمته بنا.
 
 
وتدبروا معي إخواني وأخواتي في حركة التاريخ..
كم سنة عاش نوح -عليه السلام- يدعو إلى الله ويتعب ويصبر، وكم سنة عاش بعد الطوفان والتمكين؟!
أين قصة هود أو صالح أو شعيب أو لوط -عليهم السلام- بعد التمكين؟!
 
 إننا لا نعرف من قصتهم إلا تكذيب الأقوام، ومعاناة المؤمنين، ثم نصر سريع خاطف، ونهاية تبدو مفاجئة لنا.
لماذا عاش رسولنا إحدى وعشرين سنة يُعِدُّ للفتح والتمكين، ثم لم يعش في تمكينه إلا عامين أو أكثر قليلاً؟!
وأين التمكين في حياة موسى أو عيسى عليهما السلام؟! وأين هو في حياة إبراهيم أبي الأنبياء ؟!
 
إن هذه النماذج النبوية هي النماذج التي ستتكرر في تاريخ الأرض، وهؤلاء هم أفضل من "عَبَدَ" الله ،
{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90].
 
والآن بعد أن فقهت المغزى لعلك عرفت لماذا لم يعش عمر بن عبد العزيز إلا سنتين ونصف فقط في تمكينه،
 
وأدركت لماذا قُتل عماد الدين زنكي بعد أقل من عامين من فتح الرُّها،
 
وكذلك لماذا قُتل قطز بعد أقل من سنة من نصره الخالد على التتار في عين جالوت،
 
 وكذلك لماذا قُتل ألب أرسلان بعد أقل من عامين من انتصار ملاذكرد التاريخي، 
 
ولماذا لم "يستمتع" صلاح الدين بثمرة انتصاره في حطين إلا أقل من سنة
 
ثم سقطت عكا مرة أخرى في يد الصليبيين،
 
ولماذا لم يرَ عبد الله بن ياسين مؤسس دولة المرابطين التمكين أصلاً،
 
ولماذا مات خير رجال دولة الموحدين أبو يعقوب يوسف المنصور بعد أقل من أربع سنوات من نصره الباهر في موقعة الأرك.
 
إن هذه مشاهدات لا حصر لها،
 
كلها تشير إلى أن الله أراد لهؤلاء "العابدين" أن يختموا حياتهم وهم في أعلى صور العبادة،
قبل أن تتلوث عبادتهم بالدنيا، وقبل أن يصابوا بأمراض التمكين.
 
إنهم كانوا "يعبدون" الله حقًّا في زمن الإعداد والشدة،
"فكافأهم" ربُّنا بالرحيل عن الدنيا قبل الفتنة بزينتها..
 
ولا بد أن سائلاً سيسأل:
أليس في التاريخ ملك صالح عاش طويلاً ولم يُفتن؟!
 
أقول لك: نعم، هناك من عاش هذه التجربة، ولكنهم قليلون أكاد أحصيهم لندرتهم! فلا نجد في معشر الأنبياء إلا داود وسليمان عليهما السلام،
 
وأما يوسف -عليه السلام- فقصته دامية مؤلمة من أوَّلها إلى قبيل آخرها، ولا نعلم عن تمكينه إلا قليل القليل.
وأما الزعماء والملوك والقادة فلعلك لا تجد منهم إلا حفنة لا تتجاوز أصابع اليدين، كهارون الرشيد وعبد الرحمن الناصر وملكشاه وقلة معهم..
 
إنني بعد أن فهمت هذا المغزى أدركت التفسير الحقيقي لكثيرٍ من المواقف المذهلة في التاريخ..
 
أدركت لماذا كان عتبة بن غزوان يُقْسِم على عمر بن الخطاب
أن يعفيه من ولاية البصرة!
 
وأدركت لماذا أنفق الصديق ماله كله في سبيل الله،
 
وأدركت لماذا حمل عثمان بن عفان وحده همَّ تجهيز جيش العسرة دون أن يطلب من الآخرين حمل مسئولياتهم،
 
وأدركت لماذا تنازل خالد بن الوليد عن إمارة جيش منتصر،
 
وأدركت لماذا لم يسعد أبو عبيدة بن الجراح بولايته على إقليم ضخم كالشام، 
 
وأدركت لماذا حزن طلحة بن عبيد الله عندما جاءه سبعمائة ألف درهم في ليلة، وأدركت لماذا تحول حزنه إلى فرح عندما "تخلَّص" من هذه الدنيا بتوزيعها على الفقراء في نفس الليلة!!
 
أدركت ذلك كله..
 
بل إنني أدركت لماذا صار جيل الصحابة خير الناس!
 
إن هذا لم يكن فقط لأنهم عاصروا الرسول ،
 
بل لأنهم هم أفضل من فقه مغزى الحياة،
 
أو قل: هم أفضل من "عَبَدَ" الله ؛
 
ولذلك حرصوا بصدق على البعد عن الدنيا والمال والإمارة والسلطان،
 
ولذلك لا ترى في حياتهم تعاسة عندما يمرضون،
 
ولا كآبة يُعذَّبون، ولا يأسًا عندما يُضطهدون،
 
ولا ندمًا عندما يفتقرون..
 
إن هذه كلها "فُرَص عبادة" يُسِّرت لهم فاغتنموها، فصاروا بذلك خير الناس.
إن الذي فقِه فقههم سعِد سعادتهم ولو عاش في زمن الاستضعاف!
 
والذي غاب عنه المغزى الذي أدركوه خاب وتعس ولو ملك الدنيا بكاملها.
إنني أتوجه بهذا المقال إلى أولئك الذين يعتقدون أنهم من "البائسين"
الذين حُرموا مالاً أو حُكمًا أو أمنًا أو صحة أو حبيبًا.
إنني أقول لهم:
 
أبشروا، فقد هيأ الله لكم "فرصة عبادة"!
فاغتنموها قبل أن يُرفع البلاء، وتأتي العافية، فتنسى الله،
وليس لك أن تنساه..