هل الاسلاميون أعداء الحياة؟
هذا الاتهام للاسلاميين يتردد كثيرا في الاوساط العلمانية وغيرها ممن يرون في التيار الاسلامي تخلفا وتراجعا عن ركب الحضارة ، وبالطبع لم ينشأ هذا التصور من فراغ بل له أسس وجذور انبنى عليها بصرف النظر عن خطئها أو صوابها .
من المهم أن نفقه أن التيارات المعادية للاسلاميين في الغالب تضع جميع الاسلاميين في سلة واحدة وتقيسهم بمقياس واحد وبالتالي تحكم عليهم جملة واحدة فتأخذ الصالح والطالح ، بينما الحقيقة على أرض الواقع أن التيارات الاسلامية تختلف فيما بينها اختلافا عميقا فهناك تيارات راشدة واعية وهناك تيارات جامدة ومتخلفة بل ومنحرفة في بعض الأحيان ، وهؤلاء هم الذين يقدمون الصورة المشوهة عن الاسلاميين وأغلب الانتقادات التي توجه من قبل التيارات المعادية للاسلاميين لهذه الفئة وليس للتيارات الراشدة التي تدعو على بصيرة ، فيتهمون الاسلام بالتخلف والرجعية والجمود جهلا أو عمدا وهم يقصدون هذه الفئة المنحرفة في الغالب لأنها هي التي تدعي الاسلام وتحتكره لها وتزعم أنها تمثل الاسلام الصحيح .
ويتصدى لهذه الاتهامات بعض الواعين والراشدين من التيارات الأخرى وهم يظنون أن هذه الاتهامات توجه لهم فيبينون الوجه المشرق للاسلام وأن هذه الاتهامات غير صحيحة ويفندونها ولكنهم في الغالب يتناسون أن يعترفوا أن بعض هذه الاتهامات صحيحة بالنسبة لبعض التيارات المتخلفة التي تحسب على التيار الاسلامي عموما ، وفي بعض الأحيان صحيحة وتنسحب على كل التيار الاسلامي
ولو أردنا أن نفهم هذه الاتهامات بصورة أخرى فيمكن أن نقول أن المجتمعات الاسلامية تنقسم في عمومها الى قسمين عامة وخاصة ، ويشكل العامة السواد الأعظم من المجتمع وهؤلاء ليس لهم توجه فكري محدد يملأ عقولهم ويجعلهم يشتغلون به عن غيره أو يسعون للاستزادة من ثقافة معينة بل هم أسرى لكل جديد ومتغير يجذبهم من وسائل إعلامية حديثة وتوجهات فكرية تسعى للتأثير عليهم أو ما شابه ذلك لذا تجدهم في تلهف وإقبال على كل ماهو جديد وغريب دون قيود أو شروط تمنعهم أو تردعهم لافتقادهم للخلفية الفكرية التي توجه سلوكهم .
أما الخاصة فهم يشكلون الفئة الأقل في المجتمعات وهؤلاء لديهم توجهات فكرية ولديهم ثقافات محددة يخدمونها ويلتزمون بها وتملأ فراغهم وعقولهم وتوجه سلوكهم ، ويشكل الاسلاميون أغلب هذه الفئة الخاصة وهؤلاء لايوجد لديهم ذلك التلهف والإقبال الموجود في فئة العامة باعتبار أن مالديهم من ثقافة وأفكار يملأ فراغهم ويسد احتياجاتهم ويوجه مسارهم في الحياة وبالتالي هم لايتأثرون بالمغريات والمؤثرات التي تتأثر بها فئة العامة .
ويقع الإشكال والامتحان والإزدواجية عندما تأتي الأمور الجديدة والحديثة بمختلف أطيافها وأنواعها وأشكالها وتغزو مجتمعاتنا من راديو ومسجل وتلفاز وانترنت وفضائيات وغيرها مما أتى أو سيأتي ، فردة الفعل تأتي مختلفة من الفئتين ، ففئة العامة تتلقف هذه الأمور الجديدة وتتلهف للوصول إليها غيرعابئة بشيء سوى الوصول إلى هذه الأشياء الحديثة ومعرفة محتوياتها والاستمتاع بها أو الاستفادة بما فيها أو التلهي بها حقا أوباطلا ، يدفعها إلى ذلك الفراغ الذي أشرنا إليه ، أما فئة الخاصة المتشبعة والمتأثرة بمخزونها الفكري فالغالب أنها تتوجس خيفة من كل جديد لذا فهي تحارب الأشياء الجديدة وتصدر الفتاوى في تحريمها وحرمة اقتنائها أو التعامل معها وما أشبه ذلك دون أي إشارة لما فيها من فوائد أو منافع وأحيانا دون فهم وتصورٍ واعٍ وكاملٍ لحقيقة هذه الأشياء .
وهذا الحال يتكرر دائما أمام كل أمر جديد ( عامة متلهفة وراغبة في كل جديد دون قيد أو شرط وخاصة يشكل الاسلاميين أغلبها تحرم كل جديد بوعي أو دون وعي ) ومع مرور الزمن تولد اقتناع عند عامة الناس وعند التيارات المناوئة للاسلاميين أن هؤلاء الاسلاميين أعداء الحياة باعتبار أن الحياة متطورة ومتغيرة ودائما تأتي بالمتغير والجديد والاسلاميون في غالب أحوالهم هم ضد كل جديد- وإن كان هذا الرفض يأتي من بعض التيارات وليس كلها _ لذلك هم أعداء الحياة ، وتزداد هذه القناعة رسوخا عند العامة عندما يمر الزمن وتبدأ الفئة الخاصة بعضها أو كلها و التي كانت تحارب هذه الأشياء الجديدة تبدأ في تغيير موقفها 180 درجة منها وتبدأ في اقتنائها والتعامل معها والتنافس فيها وهي التي كانت بالأمس تحرمها وتقف ضدها .
وخير مثال واقعي على موضوعنا ( القنوات الفضائية وأطباق الاستقبال ) في مجتمعنا ، فعندما ظهرت القنوات الفضائية تلقفتها العامة بشراهة كبيرة ولم تلفت إلى الفتاوى والمحاضرات والتحذيرات التي نشرت وعلقت في المساجد والتي تمثل ردة فعل الفئة الخاصة التي حرمتها وحرمت اقتناءها .
والغريب أن ردة فعل الفئة الخاصة لم تكن نابعة عن دراسة ووعي بقدر ماكانت استجابة و تأثرا بالموقف التقليدي المحارب لكل جديد بوعي أو دون وعي ، ويشهد على ذلك أن الكثير من شرائح الفئة الخاصة اكتشفوا بعد سنوات أنهم استعجلوا في مواقفهم وأحكامهم وأن هذه القنوات فيها جوانب ايجابية فعالة فمنهم من تراجع عن موقفه ومنهم استمر في ذلك ومنهم من هو محرج يرغب في اقتناء القنوات ولكن مواقفه في محاربتها قبل سنوات تحرجه الآن ، بل وظهرت قنوات اسلامية مثل إقرأ والمجد والرسالة وغيرها وفي هذا دليل واضح على التحول في الموقف ، ولو أن هذا الوعي في اتخاذ المواقف كان موجودا في بداية الأمر لكان هناك الآن مجموعة من القنوات والبرامج الاسلامية لها رصيد زمني وتقني ينافس القنوات والبرامج الأخرى التي انطلقت مع بداية السباق .
والخلاصة أن إتهام الاسلاميين بأنهم أعداء الحياة هو اتهام صحيح في بعض الجوانب وليس في كل الجوانب
هذا فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان وأستغفر الله منه
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية