الأربعاء، 16 أكتوبر 2024

بمن تقارن نفسك؟ فهد عامر الأحمدي..

 

شعرت بصفعة على مؤخرة رقبتي من شخص يقول "كيفك يا ولد لطيفة"
الأربعاء 11 محرم 1438 هـ 
 
 
حول العالــــم
بمن تقارن نفسك؟
فهد عامر الأحمدي..
 
 
قـبل أيام كنت في السوق حين قابلني شاب مؤدب ومثقـف أخبرني أنه معجب بـي.. أسمعني مديحا وكلمات إشادة أصابتني بالدوار ورفعت رأسي فوق السحاب.. وفيما كنا نتحضر لالتقاط سلفي شعرت بصفعة على مؤخرة رقبتي من شخص يقول "كيفك يا ولد لطيفة"..
 
كان صديقا مزعجا من أيام الحارة يعرفني حق المعرفة ولم يعترف يوما أنني من يكتب في صحيفة الرياض..
أصبحت لدقائق بين رجلين ينظران إلي بطريقة مختلفة؛ الأول يعرفني من بعـيد ورسم لشخصي المتواضع صورة مثالية ونموذجية رائعة (لا أستحقها بدون شك).. والثاني يعرفني منذ الطفولة ويعتبرني مجرد صديق قديم يحتفظ له بمواقف محرجة (وذكريات تفشل) ولا يعنيه كيف أصبحت اليـوم..
 
 
هذه المفارقة تفسر لماذا نتهاون ونتطاول على أقرب الناس إلينا؛ فـمعرفتنا له عن قرب تجعلنا نستخف بآرائه وأفكاره وإنجازاته.. لا يعترف عقلنا الباطن بنجاحه وتفوقه علينا لأن اعترافنا يعني تلقائيا تخـلفنا عنه، ونحن الذين انطلقنا معه من خط واحد..
 
 
لهذا السبب تلاحظ ــ حتى في قصص الأنبياء ــ أنه "لا كرامة لنبي في وطنه".. ولهذا السبب قال أبو لهب لنبينا الكريم "تـبا لك ألهذا جمعتنا".. ولهذا السبب طرده أهل مكة في شعب بني طالب في حين استقبله أهل المدينة بالأناشيد والأهازيج وقاسموه أرضهم وأموالهم..
 
 
تأمل سـير العباقرة والمبدعين تلاحظ أن كثيرا منهم حظي بالتكريم والتقدير في غير مجتمعه الذي ولد فيه (وخذ كمثال ابن سينا والرازي والبخاري ودافنشي الذي غادر ايطاليا وحظي برعاية ملك فرنسا حتى مات)..
 
 
طبيعتنا البشرية تجعلنا لا نقارن أنفسنا بمن لا نعرفهم شخصيا (كأثرياء العالم الذين تنشر مجلة فوربس أسماءهم كل عام).. ولكننا نقارن أنفسنا بأصدقائنا وأبناء عمومتنا الذين حققوا ثروة كبيرة أو نجاحا مميزا -ـ في حين لاتزال أنت ثابتا في مكانك..
 
 لا يهمك إن نـال مراهق فرنسي الدكتوراة من جامعة السوربون، أو تحدث طفل صيني عشر لغات، المهم ألا يفعل ذلك قريبك الذي تربيت معه أو صديقك الذي تشيد به والدتك دائما..
 
وما يبدو لي أن هناك علاقة بين مستوى القرب، واعـترافنا بتفـوق الآخرين.. فكلما ارتفع مستوى قربك من أحدهم كنت ميالا لتجاهل نجاحه وتفوقه، وكلما ابتعد عـنك قدرته بشكل أفضل ورسمت له صورة أجمل!
والحقيقة هي أن هذه الظاهرة ملاحظة حتى بين أفراد العائلة الواحدة..
 
 
فقد تجد شيخا أو فقيها أو مفكرا يملك تأثيرا قويا على آلاف الأتباع الذين لا يعرفهم، في حين يعجز عن التأثير على أبنائه الذين يراهم كل يوم (بل وقد يعتبرونه رجلا فاته الزمن).. 
 
أنا شخصيا لدي ستة كتب ناجحة ــ لا تكاد تظهر في السوق حتى تختفي بسرعة ــ ومع هذا لم يقرأها أحد من أبنائي.. ابنتي مياس تقـرأ روايات عالمية بثلاث لغات، وابني حسام قرأ كتاب عبدالله الجمعة الرائع (حكايا سعودي في أوروبا) عدة مرات، في حين لم يقرأ أحد منهم كتابي "حول العالم في 80 مقالا" الذي يغطي ربع قرن من الرحلات الموثقة بالصور!!!
 
... على أي حال؛
لست أفضل من الإمام أبي حنيفة الذي كانت والدته لا تعترف بفتاويه وتذهب مسافة طويلة لأخذ الفتوى من فقـيه يدعى زرعة القاص الذي كان يستمع لها ثم يبتسم في وجهها ويقول لها "القول ما قاله أبو حنيفة"..
 
.. وما يهمك تذكره من مقال اليوم ثلاث أفكار أساسية:
 
الأولى: وجود علاقة بين مستوى القرب، ومدى اعـترافنا بتفـوق الآخرين علينا..
 
والثانية: ضرورة تمتعنا بروح رياضية تجاه أقراننا وارتفاعنا فوق مشاعر الغـيرة منهم..
 
أما الثالثة... حين تصادف صديقك في السوق، لا تذكر اسم والدته بصوت مرتفع أو تصفع رقبته أثـناء التقاطه سيلفي..

شـعب الله الـمحـتار فهد عامر الأحمدي

 

شـعب الله الـمحـتار فهد عامر الأحمدي
 
لم يتعرض (عـرب الجزيرة) لما يهدد هويتهم ووجودهم الثقافي سـوى مرتيـن خلال التاريخ:
 
ـــ المرة الأولى حين حملوا رسالة الإسلام الى الشعوب الأخرى فحدث تلاقـح فكري أثـر على أفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم العربية (لدرجة كثر الاستعجام فأمر علي أبن أبي طالب بوضع قواعد النحو)..
 
ـــ أما المرة الثانية ففي عصرنا الحديث حين اكتشف النفط ومرت الشعوب الخليجية بطفرة مادية جعلتها تـستغني بطيب خاطر عن عاداتها وتقاليدها ومهاراتها القديمة..
 
.. فـحتى وقت قريب (زمن جدي وجدك) كنا مكتفين ذاتياً ولم نحتج لاستيراد شيء من منتجات الشعوب الأخرى. كانت جداتنا يصنعن السجاد والسلال والسمن وكافة احتياجاتهن الأسرية، في حين كان أجدادنا يبنون منازلهم بأنفـسهم ويحرثون أرضهم بسواعدهم ويصنعون كل شيء تقريبا من أشجار النخيل ومنتجات الماشية وطـين الأرض.. غير أن هذه المهارات (التي تبلورت خلال أجيال طويلة) فـقـدناها خلال جيل واحد فـقط بفضل الطفرة النفطية وتحولنا لمجتمعات استهلاكية..
 
 
قــد لا يأسف معظمنا على فقد مهارات الآباء والأجداد، ولكن المشكلة أننا لم نأتِ ببديل معاصر لها أو تصنيع ما هو خير منها (فأصبحنا مثل الغراب الذي ضيع مشيته ومشية الحمامة)..
 
 
وياليت الأمر اقتصر على تضييع المهارات اليدوية كوننا أضعنا بنفس المستوى (عادات وأعرافاً وأخلاقيات) تبلورت خلال قرون فأصبحنا بالفعل "شـعـب الله المحـتار" الذي دخل مرحلة نضج جديدة ولم يستقر حتى الآن على خـيار حضاري واضح..
 
 
فنحن مثلاً مازلنا حائرين بين عاداتنا البدوية القديمة وحياتنا المدنية الحديثة.. نبني أفخم القصور ولكننا نعشق التخـييم في الصحراء.. نفرش بيوتنا بالرخام الإيطالي والأثاث السويدي، ثم نبني ملحقاً بالطين يتوسطه موقد للنـار والحطب.. مازلنا حائرين هـل نلبس ثوباً وشماغاً وجزمة أم بنطالاً وقميصاً وشبشباً؟ 
 
.. هل نأكل بالشوكة والسكين على الطاولة؛ أم نضرب بالخمس قعوداً على الأرض.. نلبس داخل الوطن ثـياباً (ويتصنع بعضنا أخلاقاً) مختلفة عما نلبسه ونصنعه حين نسافر للخـارج.. نخلع العباءة والثوب في الدول البعيدة ولا يشغـل بالنا خلال هذه الفترة القصيرة غير "لا يشوفـنا سعودي"..
 
 
نتحدث كثيراً عن الزهـد وعـدم الإسراف وإكرام النعمة، ولكن الواقع يؤكد أننا أكثر شعوب الأرض استعراضاً وإسرافـاً وتطبيقاً لمبدأ "لا تفشلونا قدام الناس".. 
 
نعيش في منطقة جافة قاحلة ــ لا أنهار فيها ولا زرع ــ ومع هذا لا يجارينا أي شعـب في استهلاك المياه ورمي الأطعمة.. 
 
نبدي إعجابنا بمدن أوربا القديمة وبيوت سويسرا الجبلية ومساجد تركيا الأثرية، ولكننا ننسى أننا كنا نملك كل هذا قبل أن تكتسحه جرافات البلدية ـــ وتصبح مدننا وبيوتنا بلا طعم أو هوية.. 
 
 
يمكنك تسميتنا ببلد المليون واعظ على وزن المليون شهيد في الجزائر، أو المليون شاعر في موريتانا ولكن واقع النزاهة لدينا لا يثبت أننا اتعظنا أو أصبحنا أفضل البشر.. 
 
نتحدث عن الديموقراطية والشفافية، ولكننا مازلنا نفكر بعقلية القـبيلة ونفضل التعاملات السرية ونتحدث بطريقة: "يقولك خوينا وش سويت بموضوع فلان اللي أنت خابر"..
 
 
ورغم أننا نعيش عالة على الشعوب المنتجة (حتى في ملابسنا وحليب أطفالنا) مازلنا نحـتفظ بأنفـة الأعراب ونعـتبر غـيرنا "عـجـماً" سخرهم الله لخـدمتـنا ــ وكأننا شعب الله المخـتار..
 
 
الحقيقة هي أننا "شعـب الله المحتار" الذي لم ينضج بعـد، ومايزال يعيش مرحلة مراهقة متقـلبة..!

أبو تمام وعروبة اليوم عبد الله البردوني

 

أبو تمام وعروبة اليوم
عبد الله البردوني 
 
ما أصدق السيف إن لم ينضه الكذبُ
وأكذب السيف إن لم يصدق الغضبُ
 
بيض الصفائح أهدى حين تحملها
أيد إذا غلبت يعلو بها الغلبُ
 
وأقبح النصر نصر الأقوياء بلا
فهم سوى فهم كم باعوا وكم كسبوا
 
أدهى من الجهل علم يطمئن إلى
أنصافِ ناس ٍطغوا بالعلم واغتصبوا
 
قالوا: هم البشر الأرقى وما أكلوا
شيئاً كما أكلوا الإنسانَ أو شرِبوا
 
ماذا جرى يا أبا تمام؟ تسألني!
عفواً سأروي ولا تسأل وما السببُ؟
 
يدمي السؤالُ حياءً حين نسأله:
كيف احتفت بالعِدا (حيفا) أو(النقبُ)
 
من ذا يلبي؟ أما إصرار معتصم
كلا وأخزى من (الأفشين) ما صلبوا
 
اليوم عادت علوج (الروم) فاتحة
وموطن العرب المسلوب والسلبُ
 
ماذا فعلنا؟ غضبنا كالرجال ولم
نصدق وقد صدق التنجيم والكتبُ
 
فأطفأت شهب (الميراج) أنجمنا
وشمسنا وتحدت نارها الحطبُ
 
وقاتلت دوننا الأبواق صامدة
أما الرجال فماتوا ثم أو هربوا
 
حكامنا إن تصدوا للحمى اقتحموا
وإن تصدى له المستعمر انسحبوا
 
هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم
ويدعون وثوباً قبل أن يثبوا
 
الحاكمون و(واشنطن) حكومتهم
واللامعون وما شعوا ولا غربوا
 
القاتلون نبوغ الشعب ترضيةً
للمعتدين وما أجدتهم القرب
 
لهم شموخ (المثنى) ظاهراً ولهم
هوى إلى (بابك الخرمي) ينتسب
 
ماذا ترى يا (أبا تمام) هل كذبتُ
أحسابنا, أو تناسى عرقه الذهب؟
 
عروبة اليوم أخرى لا ينم على
وجودها اسم ولا لون ولا لقب
 
تسعون ألفاً لـ(عمورية) اتقدوا
وللمنجم قالوا: إننا الشهب
 
قيل: انتظار قطاف الكرم ما انتظروا
نُضج العناقيد, لكن قبلها التهبوا
 
واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا
نضجاً, وقد عصر الزيتون والعنبُ
 
تنسى الرؤوسُ العوالي نار نخوتها
إذا امتطاها إلى أسياده الذنب
 
(حبيبُ) وافيتُ من صنعاءَ يحملني
نسرٌ وخلف ضلوعي يلهثُ العرب
 
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي؟
مليحة عاشقاها: السلُّ والجربُ
 
ماتت بصندوق (وضاح) بلا ثمنٍ
ولم يمتْ في حشاها العشقُ والطربُ
 
كانت تراقبُ صبحَ البعث فانبعثتْ
في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقبُ
 
لكنها رغم بخل الغيثِ ما برحت
حبلى وفي بطنها (قحطان) أو (كرب)
 
وفي أسى مقلتيها يغتلي (يمنٌ)
ثانٍ كحلم الصبا، ينأى ويقتربُ
 
(حبيب) تسألُ عن حالي وكيف أنا؟
شبابةٌ في شفاهِ الريحِ تنتحبُ
 
كانت بلادك (رحلاً)، ظهر (ناجية)
أما بلادي فلا ظهر ولا غببُ
 
أرعيت كل جديب لحم راحلة
كانت رعته وماء الروض ينسكبُ
 
ورحت من سفر مضن إلى سفرٍ
أضنى… لأن طريق الراحة التهب
 
لكن أنا راحلٌ في غير ما سفر
رحلي دمي وطريقي الجمر والحطبُ
 
إذا امتطيت ركاباً للنوى فأنا
في داخلي… أمتطي ناري وأغترب
 
قبري ومأساة ميلادي على كتفي
وحولي العدم المنفوخ والصخب
 
(حبيب) هذا صداكَ اليوم أنشدهُ
لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب؟
 
ماذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟
إني ولدت عجوزاً كيف تعتجب؟
 
واليوم أذوي وطيش الفن يعزفني
والأربعون على خدي تلتهب
 
كذا إذا ابيض إيناع الحياة على
وجه الأديب أضاء الفكر والأدبُ
 
وأنت من شبت قبل الأربعين على
نار (الحماسةِ) تجلوها وتنتخبُ
 
وتجتدي كل لص مترفٍ هبة
وأنت تعطيه شعراً فوق ما يهبُ
 
شرقت غربت من (والٍ) إلى (ملك)
يحثك الفقر أو يقتادك الطلب
 
طوفت حتى وصلت (الموصل) انطفأت
فيك الاماني ولم يشبع لها أرب
 
لكن موت المجيد الفذ يبدأه
ولادة من صباها ترضع الحقب
 
(حبيب) ما زال في عينيك أسئلة
تبدو وتنسى حكاياها فتنتقب
 
وماتزال بحلقي ألف مبكيةٍ
من رهبة البوح تستحيي وتضطرب
 
يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا
ونحن من دمنا نحسو ونحتلب
 
سحائب الغزو تشوينا وتحجبنا
يوماً ستحبلُ من إرعادنا السحب
 
ألا ترى يا (أبا تمام) بارقنا
(إن السماء تُرجى حين تحتجب)
 
 *******************

الخميس، 26 سبتمبر 2024

حكاية المياه البيضاء ( جزء 2 )

 

حكاية المياه البيضاء ( جزء 2 )
 
وبعد شهر تقريبا عزمت على الذهاب لمستشفى مشهور وطبيب مشهور في هذا المجال له سمعة طيبة ، وذهبت مبكرا وانتظرت بالدور وفوجئت بالأعداد الكبير من النساء والرجال وأغلبهم كبار السن يعانون مما أعاني منه بدرجات متفاوتة 
 
وبعد الكشف الدقيق أكد الطبيب ما أخبرني به الطبيب السابق وأخبرته بالفوبيا التي لدي فطمأنني ان البنج الموضعي مناسب ولا يحتاج الوضع لبنج كامل وأن طبيب التخدير سيتولى هذه المسألة وكلفت العين اليسرى 12500 ريالا حيث أنني لا أمتلك تأمينا للأسف ومع أنني متقاعد قدموا لي تخفيضا بسيطا 
 
ويوم العملية كان يوما مميزا هو أول السنة الميلادية 1/1/2022م وكنت أشعر بتوتر شديد والعملية بعد الثانية ظهرا 
 
وبدأت إجراءات التحضير والرهبة تملأني أدخلوني الى غرفة وطلبوا مني خلع الثوب والحذاء وألبسوني رداء العمليات الأزرق ووضعوا على رأسي كمامة بيضاء ووضعوني على كرسي متحرك ثم قامت الممرضة بدفعي عبر ردهات المستشفى صعودا الى غرفة العمليات 
 
وأحسست بالضعف والعجز الحقيقي لأول مرة في حياتي فالحمدلله لم يسبق لي أن دخلت أي مستشفى في حياتي إلا زائرا لقريب أو كشفا لوظيفة أو عمل أما هذه المرة فأحسست بمرارة العجز والضعف والحمدلله على كل حال 
 
وأدخلت غرفة العمليات وطلب مني النوم على سرير العملية وجاء طبيب التخدير وحانت أولى اللحظات الصعبة حيث إبرة البنج في طرف العين مابين العين والأنف وقبضت بأصابعي على أطراف السرير للتقوي وشد العزم وتم الأمر ولله الحمد 
 
ثم وضعوا فوقي غطاء لا يظهر منه الا موضع العين التي ستجري فيها العملية بعد أن قاموا بتثبيت رأسي في السرير بأربطة مطاطية
وكان السواد يملأ عيني اليسرى ولم أشاهد شيئا وتساءلت عن قول أخي ترى كل شيء بعينك وحمدت الله أن طبيب التخدير فعل الواجب 
 
ولم أشعر إلا بحركات الطبيب فوق رأسي دون أي ألم وبعد دقائق قال الطبيب الحمد لله انتهينا مبروك وتنفست الصعداء 
 
وبدأت إجراءات الخروج وعدت الى نفس الغرفة وارتديت ثيابي ووضع شريط لاصق على عيني وفوقه قطعة بلاستيكة لحماية العين وطلب مني عدم لمس العين وعدم الانحناء والصلاة جلوسا مع الايماء ركوعا وسجودا لمدة ثلاثة أيام وعدم النوم على الجانب الأيسر وتجنب أي ضغط على الرأس وأعطيت نوعين من القطرات الأولى لمدة أسبوعين والثانية لمدة شهر 
 
وعدة الى المنزل والأفكار تعصف بي ذات اليمين وذات الشمال ولم أكن أشعر بعيني اليسرى تماما بفعل البنج ولا أرى بها شيئا ولا أشعر بجفني الأيسر أبدا وبعد 6 ساعات تقريبا أغلقت الإضاءات في غرفتي وبدأت أشعر قليلا بجفني الأيسر فنزعت قطعة البلاستيك ومن ثم اللاصق الذي على جفني وفتحت عيني اليسرى ببطء فرأيت النوافذ والأشياء مائلة وكأنني أحول فسارعت الى وضع اللاصق وقطعة البلاستيك وقلت لنفسي والخوف يملأني يبدو أن تأثير البنج لا يزال مؤثرا فلأنتظر حتى الصباح 
 
وفي الصباح بعد ليلة لم أنم فيها على جنبي الأيسر أبدا وبعد صلاة الفجر على الكرسي إيماء ركوعا وسجودا أخذت أزيل قطعة البلاستيك التي تجعلني أشبه قراصنة البحار القدماء وأزلت اللاصق من جفني وقد أصبحت أحس بجفني الأيسر تماما 
 
وفتحت عيني اليسرى على صورة صافية جميلة HD كما يقال ولدقائق بدوت مندهشا من جمال المنظر بالعين اليسرى بعد سنوات من الضباب والغبش والزغللة وشبه إنعدام الرؤية وحمدت الله كثيرا ولم أستطع السجود شكرا لله على النعمة والفضل ولكني فعلتها لاحقا 
 
وسبحان الله تغيرت نفسيتي للأفضل كثيرا وأحسست براحة كبيرة ولكن ظهر الفرق بين العينين واضحا فاليمنى صارت مشوشة مقارنة باليسرى الصافية والواضحة وكنت في البداية قد عزمت على عمل العملية في العين اليسرى فقط ثم أعمل نظارة لليمنى مع أن اليمنى بها نفس المشكلة ولكن بدرجة يمكن التعايش معها 
 
ولكنني عندما رأيت الفرق قررت عمل العملية في العين اليمنى أيضا 
 
وبعد أسبوع كان لدي مراجعة عندالطبيب للإطمئنان على نتائج العملية وعندما ذهبت وجدتهم يجهزون لعمل نظارة لي للتغلب على فارق النظر بين العينين الذي حدث بعد العملية فقلت لهم لا داعي لذلك أريد عمل العملية في العين اليمنى أيضا 
 
وعلى الفور تم حجز موعد في اليوم التالي وتمت الإجراءات بالصورة السابقة وزالت تلك الرهبة التي انتابتني سابقا ولكن المفاجأة التي مادارت بخلدي أنني بعد إبرة البنج في العين اليمنى لم يحدث السواد الكامل للرؤيا كما حصل في العين اليسرى 
 
 فمازلت أرى بشكل شبه واضح غرفة العمليات وما يحدث فيها وشعرت بالذعر وأسقط في يدي وعزمت من فوري على الصبر الشديد لبضع دقائق حتى ينتهي الأمر فلا مفر من هذه المواجهة المرعبة 
 
وجاء الطبيب وأدخل الأدوات في عيني وأنا أنظر ولكن لا ألم والحمدلله وقبضت بيدت على جوانب السرير لأفرغ التوتر الشديد وأحاول تقوية نفسي للثبات 
 
وبعد دقائق جاء صوت الطبيب مبشرا الحمد لله انتهينا مبروك وأغلق الجفن الأيمن باللاصق وانقطع النظر من العين مثل نهاية الفيلم 
 
وتمت الإجراءات نفسها عندما عدت إلى المنزل وانتظرت حتى صباح اليوم التالي ونزعت اللاصق وشاهدت أجمل رؤيا للأشياء من حولي بعينين رؤياها واضحة HD كما يقولون 
 
وتغيرت نفسيتي تماما وبدأت ألاحظ أشياء لم أرها من سنوات منها على سبيل المثال المطبات والحفر على الطريق أثناء قيادة السيارة ففي السابق كنت أسير خلف أي سيارة لتكون بمثابة المرشد أمامي فألاحظ اهتزازها فأعلم بوجود خطب ما على الطريق وعندما لا تكون هناك سيارة أمامي أمشي متمهلا لئلا يكون التأثير شديدا عند أكل المطب فأنا أرى سوادا أمشي عليه دون رؤية التفاصيل .
 
والحمد لله أنعم الله علي الآن بنظر سليم ودون نظارات فاللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك

حكاية المياه البيضاء (جزء1)

 

حكاية المياه البيضاء (جزء1)
ترددت في نشر هذه التجربة الواقعية التي عشتها خلال سنوات من عمري
وشرح الله صدري لعرضها ونشرها شكراً لنعمة الله وتحدثاً بها ولعلها تكون سلواناً أو محفزاً أو فائدةً لمن عافاه الله من خوضها 
 
أنعم الله علي بنظر سليم 6/6 حتى قرابة الأربعين من عمري وكنت أستخدم الكمبيوتر بكثرة لولعي به واهتمامي الكبير باستخدامه في مجال التدريس وتطوير النفس وطلب العلم وكنت أقضي الساعات الطوال أما الشاشة لا أشعر بمرور الوقت وربما جلست 7 ساعات متواصلة وأنا منهمك في عملي لا أشعر بمرور الزمن 
 
لذا بدأ النظر يضعف شيئا يسيرا لكن ليس بذي بال ولكن مع مرور السنوات أصبح الخط الصغير على الشاشة لا يرى الا بصعوبة مع تقريب العين للشاشة و تكبير حجمها 
 
وفي النهاية عملت نظارة للكمبيوتر وبعد سنوات عملت ثانية ثم بعد فترة ثالثة وسارت الأمور على مايرام حتى تجاوزت الثالثة والخمسين من العمر فبدأت المسألة تأخذ منحى آخر حيث أصبح شبه ضباب خفيف جدا في العين اليسرى ولكن لا يؤثر بشيء على حياتي 
 
وذات يوم اصطدم بي شيء رغما عني وأصابني على الجزء الأيسر من رأسي والحمدلله لم يحدث شي ولكن بعد سنوات بدأت أشعر بنوع من الخيال على عيني اليسرى ولكني لم أعر الأمر أي اهتمام 
 
وعند السابعة والخمسين من العمر بدأت المسألة في مسار آخر حيث الزغللة الخفيفة في النظر ولكنها أشد في العين اليسرى 
 
وبدأ النظر يضعف حتى مع وجود النظارة وتذكرت أبي رحمه الله ونظاراته السميكة ( كباية الشاي ) فقلت هذا من الوراثة وذهبت لعمل نظارة أقوى 
 
ولاحظت أن الكشف على العين اليمنى تم سريعا ولكن العين اليسرى كلما حاول المختص ضبط الدرجة أقول له الرؤيا غير واضحة وبعد محاولات عدة عملت نظارة كانت هي الأخيرة لأنني عندما استعملتها لم أجد أي فرق بالنظارة وبدون نظارة فتركت النظارة وكنت على وشك التقاعد ومضت الأمور كما هي ولم أحتج لنظارة وكنت أقرب وجهي من شاة الكمبيوتر وتمضي الأمور 
 
وبعد التقاعد ومع اضطراري لأخذ لقاح كورونا الأول والثاني أحسست بانحدار شديد في النظر وخاصة العين اليسرى 
 
وحاولت بالعلاجات الطبيعية وغيرها ولكن شيئا لم يتحسن وكابرت قليلا لعدة أشهر محاولا التكيف مع الوضع موهما نفسي أنني يمكن المضي مع هذه المشكلة 
 
وأصبحت لا أخرج ليلا لأن النظر يزداد سوءا في الليل أما في النهار فالأمور طيبة 
 
وأحمد الله أنني جددت رخصة القيادة قبل أن يتدهور النظر 
 
وبعد شهور ساءت الأمور أكثر فأصبح الوضع في النهار يزداد سوءا وخاصة العين اليسرى واذا كنت أقود السيارة وصادفتني شمس الصباح في شارع ما في مواجهتي فإنني لا أكاد أرى شيئا حتى يتحول الطريق
وذات يوم شكوت لبعض إخوتي الأمر فأخبرني إثنان منهم أنهم قد أجروا عملية المياه البيضاء وتحسن النظر لديهم وتركوا النظارات 
 
وتذكرت أن والدتي رحمها الله أجرت عملية المياه البيضاء فالوراثة إذن حاضرة وبقوة 
 
ولكن أخي أخبرني عندما سألته عن كيفية العملية فقال إنه أجرى الأولى ببنج كامل لم يشعر فيه بشيء أما الثانية فأجراها بعد سنة بتخدير موضعي فاستفهمت عنه فقال لا تشعر بأي ألم ولكنك ترى العملية بعينك حين يدخل الطبيب الأدوات في عينك 
 
وكانت عبارته ( ترى كل شيء بعينك ) القشة التي كسرت ظهر البعير فأصابني خوف شديد فأنا أعاني فوبيا شديدة في هذه المسألة 
 
ومضت عدة أشهر وسط مكابرة ومحاولة تعايش وتأقلم مع الوضع حتى سافرت ذات يوم نهارا وكان هناك بعض التحويلات في الطريق ولم أكن أميزها بسهولة وكدت اصطدم بخراسانات التحويلة لولا لطف الله بي 
 
وعندها قررت أن أذهب لطبيب لمحاولة اجراء العملية وذهبت عند عودتي لعيادة متخصصة وتم الكشف واتضح أن العين اليسرى متدهورة بشدة والنظر من خلالها في حدود 10% او أقل أما اليمنى فكانت في حدود 60% 
 
وسألت الطبيب عن علاج أوقطرات أو نظارات سميكة فأجاب لا علاج إلا إجراء العملية فأخبرته أن لدي فوبيا من العمليات وأنني أريد تنويما كاملا فأجاب أن التنويم الكامل في المستشفيات ولا يوجد في العيادات الا تخدير موضعي

الأربعاء، 25 سبتمبر 2024

 

*اللاءات التسعة في سورة ”الكهف.. تعرف عليها لتصحيح منهج حياتك والفوز بالجنة لاحظوا وتدبروا في لاءات *"الكهف"*
*- لتصحيح المسار:*
رااااااائعة....ستجعلك توقن أننا ما قدرنا القرآن حق قدره فيارب عفوك.
*- تعرف على اللاءات التسعة التي وردت في سورة الكهف وخاتمتها:*
*1. اللاء الأولى:*
﴿ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَآءً ظَٰهِرًا﴾. (الآية ٢٢)
في حواراتك مع الناس .. لا تدعي امتلاك الحقيقة، ولا تجادل جدالاً عقيماً زُرع في تربة الجهل وسقي بماء الظنون.. كن حكيما واسال الله الحكمة
2. اللاء الثانية:
﴿ وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا ﴾. (الآية ٢٢)
فيما يُشكل عليك من أمور .. لا تطلب الفتوى من شخص غابت عنه حقيقة ذاك الشيء.فاسألو اهل الذكر كل باختصاصه
3. اللاء الثالثة:
﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ﴾. (الآيتان ٢٣ و ٢٤).
وأنت ترسم لحظاتك القادمة.. لا تعِدْ نفسك أو غيرك بعمل شيء في المستقبل دون أن تعلق الأمر على مشيئة الله.ولا تجزم فقط أدع
4. اللاء الرابعة:
﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ﴾. (الآية ٢٨).
وأنت تسير في قافلة الصالحين ..لا تصرف نظرك عنهم إلى غيرهم طمعاً في دنيا تصيبها. لا تصاحب الا مؤمنا ولا يأكل طعامك الا تقي
5. اللاء الخامسة:
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا﴾. (الآية ٢٨).
تعرّف على العنوان الذي كتبت نفسك تحته، وتحقق من كل شيء لا يقربك إلى الله؛ لأنه يشغلك عن السعي إليه .. وحينئذ لا تُطِعْ من كان غافلا عن ذكر الله وآثَرَ هواه على طاعة مولاه، وصار أمره في جميع أعماله ضياعًا وهلاكًا.ياليتني لم أتخذ فلانا خليلا
6. اللاء السادسة:
﴿فلَا تَسْـَٔألنى عَن شَىْءٍ حَتَّىٰٓ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ (الآية ٧٠).
في ممارستك لفضولك المعرفي .. لا تستعجل السؤال عن شيء قبل أن تُستكمل لك تفاصيله. ولا تحكم قبل التأكد واصبر في طلب العلم كموسى عليه السلام
7. اللاء السابعة:
﴿لا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ ﴾. (الآية ٧٣).
وأنت تطور اتجاهاتك نحو الناس تذكر أنهم بشر .. فلا تحاسبهم على سهوهم ونسيانهم أو ما استُكرهوا عليه ولا تنس ان تعتذر عند الخطأ مهما كان بسيطا
8. اللاء الثامنة:
﴿ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِى عُسْرًا﴾. (الآية ٧٣).
هناك طاقة استيعابية لكل فرد.. فلا تطلب منه مالا يستطع ولا تحمّله ما لا يطيق. رحم الله امرا عرف قدر نفسه فوقف عندها
9. اللاء التاسعة:
﴿فَلا تُصاحِبني قَد بَلَغتَ مِن لَدُنّي عُذرًا﴾.(الآية ٧٦).
في بناء علاقات قيمة.. لا تصاحب من استنفذت معه مقومات الديمومة
وشخصيته سامة لا تهدر طاقتك وحياتك مع من لا يستحق اذكر الله افضل
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
بقيت لاءٌ أخيرة تُضاف إلى تلك اللاءات التسعة المذكورة والتي وردت جميعها في سورة الكهف ؛ ألا وهي اللاء العاشرة وهي خاتمة هذه اللاءات ومِسْكُها ؛ ورقمها العاشرة بعد المئة وفي آخر آية من آيات سورة الكهف ؛
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) } .
فإن كانت اللاءات التسعة تلك والتي وردت في سورة الكهف معظمها تعتني بتربية المؤمن وتوجيهاته الإيمانية مع من حوله ؛ فإن اللاء العاشرة جاءت خُصت علاقة عمل المؤمن بمدى إخلاصه لربه ؛ لتشترط قبول العمل الصالح بألا يراد به إلا لوجه الله وحده لا شريك له
راقب نيتك
تقبل الله أعمالكم ورزقنا وإياكم حسن التدبر في آيات القرآن والعمل به.
 
منقول من خالد اندجاني

محمد الغزالي _ _كيف نفهم الاسلام _

 

إن شعوب أوربا وأمريكا تعرف عن البترول العربى أكثر مما تعرف عن القرآن العربى !!.

والبترول العربى ثروة ٬ يجهلها أصحابها٬ ويعجزون عن استخراجها٬ ولما كان الغرب بحاجة إلى هذه الثروة فهو يرسل الأخصائيين من رجاله بآلاتهم الهائلة٬ وعلومهم الدقيقة٬ لاستيراد هذا الخير الدافق٬ وإعطاء ثمنه للشعوب التي تنظر مسحورة إلى هذه الكنوز بأرضها٬ دون أن تقدر عليها٬ أو تحسن استغلالها لنفسها.

أكان المسلمون العرب ينتظرون الوفود تجئ لطلب الوحي العربي كما جاءت لطلب البترول لها!

وإنها لجديرة أن تسئ الظن بهذا الوحى وأن تحسبه مسلاة صبية أو مواريث أمة عاطلة عاجزة!

فلأقرر إذن أن اهتدائي للإسلام كان من الأقدار الحسنة. أو هو ـ في نظري ـ من النعم التي يختص الله بها من يشاء من عباده. 

ولأسرع ببيان ما أقصد من هذا الكلام : فأنا لم أرث الدين عن والدي٬ كما ورثت قصر القامة٬ وبياض البشرة بل لقد مرت على أيام فرغت نفسي من كل اعتقاد٬ وتركت لعقلي أن يوازن ويختار

 

 والذي أعانني على إيثار الإسلام: أن لغتي هي لغة القرآن٬ وأن الدراسة الناقدة له ولغيره كانت ميسرة لي : أي أن ظروف البيئة التي احتوتني هي التي جعلتني مسلما على حين حرم غيري هذه المنحة الطيبة لأن ظروف بيئته باعدت بينه وبين الاهتداء.

 

 بل لعلها زينت له الأخذ بضده٬ وملأت نفسه ثقة ورضا بما عنده٬ وليس ما عنده إلا الضلال الخادع... وآثار البيئة في الخلق والسلوك ونوع الدين لا يمكن نكرانها : ألا ترى الحديث الكريم يرد شرود الطفل عن الفطرة السليمة إلى أسرته : ` فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ` ثم ألا ترى إلى تتذيل الذي أعقب النهى إلالهي: ” ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ”

إنه يقول ” كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ”

وانطلاق الأفراد أو الجماعات في سبل تخالف الحق ٬ ثم هي ترى ـ وفق تفكيرها الخاص ـ إنها على الحق ٬ أمر له اعتباره صحيح أنه يقلب الباطل حقا ٬ والغواية رشدا 

 

 إلا انه يوجب على أصحاب الإيمان النقي ٬ أن يرسموا لدعواتهم أسلوبا يقوم على الأناة و الإقناع و التلطف ٬ وان يتبينوا السدود التي وضعتها الأيام أمامهم فلا يحاولوا نسفها بالمتفجرات وان يقدروا الأحوال التي أحاطت بخصومهم في العقيدة أو الرأي ٬ وصاغت عواطفهم وأحكامهم على نحو معين ٬ ذاكرين أن الأحوال نفسها لو أحاطت بهم ٬ لكان لهم هذا الموقف المنكور نفسه. ولعل هذا الملحظ بعض ما عنته الآية : ”..كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا ”.

 

قد تقول : كأنك تعتذر عن ضلال الكافرين !! والجواب لا ٬ بل أصف الدواء الناجع لشفاء عللهم أن الكفر الجدير بالاستئصال رد الحق بعدما تبين ٬ والذين ينقل إليهم هذا الحق بحاجة إلى مهله لفقهه وارتضائه رد الحق بعد ما تبين ٬ و الذين لم ينقل إليهم يحاسبون على ضوء من أصوله التي ذرأها الله في فطرتهم..

 

 والأمر بين الحالين لا يجدي فيه عجله ٬ ولا يقبل فيه الحكم العابر السريع! إن تفتيح البصائر على الحقائق الكونية الكبيرة ليس شيئا سهلا ٬ فأغلب الناس يوجد معه حجب الغفلة ويحيا وبالقرب منه مزالق قلما تقفه على الصراط المستقيم إلا قليلا . 

 

وقد شاء الله ـ تبارك اسمه ـ أن يضع كل هذا في سياسة التعريف به والدعوة إليه. فلم ينتظر من الجماهير أن تستجيب لرسوله فور سماعها له. ومن ثم أوجب عليه أن يبذر ٬ وأن يترك النضج لزمان لا يعرف مداه 

 

 زمان يصحو فيه الغافل على مهل ٬ زمان يعطي المخطئ فرصا كثيرة للعودة إلى الصواب ٬ زمان تنحل فيه العقد المنحدرة مع الوراثة ٬ أو الواقدة مع البيئة ٬ زمان تمحى فيه الأعذار التي أقامتها الحياة الفاسدة ٬ وسيطرت بها على المشاعر والأهواء. 

 

وذلك سر الوصايا الرقيقة التي حفل بها القرآن الكريم صدر الدعوة الأولى : ”فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر“ ”وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل“ ”فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون“ ”واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا“ هذه الآيات التي نزلت في عبدة الأصنام بمكة ٬ جاء مثلها في أهل الكتاب بالمدينة : ”فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا“ ”ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين“ 

 

وهي كلها تدور على محور واحد : التراخى مع الجهال والضلال ٬ حتى تنفك عنهم القيود التي غلت حريتهم العقلية ٬ وتنجاب الغيوم التي جعلت أذهانهم لا تلتقط للحقائق صوراصحية ٬ وعندما يبلغ المدعوون هذه المرحلة ويرفضون مع ذلك الانقياد للحق ٬ فإن إمكان القسوة في معاملتهم يصح التفكير فيه ٬ وهم عندما يعاقبون لا يقوم لهم .

 

عند الله ولا عند أنفسهم عذر ونحن نلاحظ أن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاض أول معركة في الإسلام وسط ظروف تستحق التنويه. لقد ظل خمس عشرة سنة يدعو أهل مكة إلى دينه بالأسلوب الذي رأيت ٬ أسلوب التذكير والإعراض ٬ والتعليم الذي يلقى الصدود بالهجر الجميل ٬ فلما أ خر ج هو وأصحابه من مكة ٬ وصودرت أموالهم بعد ما صودرت حرياتهم ٬ فرض الحصار على تجارة خصومه. وأحس أهل مكة أن قافلة لهم مهددة بالوقوع في أيدي المسلمين ٬ فخرجوا لاستنقاذها وحالف القافلة حسن الحظ فنجت.. 

 

وإلى هنا كان في وسع المشركين. أن يعودوا إلى بلدهم ليكفروا فيه ما شاءوا.. بيد أن الغرور الذي لا عذر معه ٬ والإصرار الذي يجانبه التوفيق ٬ كانا قد نسجا غطاء سميكا على عيون القوم. وبدا أن النذر الكثيرة التي سيقت إليهم لم تنجح في إيقاظ غافل ٬ ولا تبصير جاهل.

 

 وإذن.. فقد حل دور القسوة بعد ما فات أوان النصح. ويريد الله ـ لحكمة عليا ـ أن تدور هذه المعركة على غير إعداد من المسلمين ولا توثب ٬ وأن تدور بعد ما انقطع كل تطلع إلى مغنم دنيوى عاجل ٬ وأن تدور وليس للمشركين عذر قريب أو بعيد فى إشعال هذه الحرب ٬ وأن تدور بعدما استنفدت جميع وسائل الإقناع التى تصح بها العقول والقلوب المعتلة ٬ أجل ٬ دارت المعركة بين كفر خالص وإيمان خالص ٬ لأن الأمر كما قال ربك :

”ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون“.

_محمد الغزالي _

_كيف نفهم الاسلام _