السبت، 14 يوليو 2012

التفوق الفكري عند الدعاة بين المد والجزر
(عندما يتفوق العوام)

من الأمور الهامة في استمرارية كل التيارات الفكرية والاجتماعية والسياسية والدعوية وغيرها أن يكون لديها خلفية واضحة عن تطور المجتمعات التي تعيش فيها في كل النواحي الفكرية والاجتماعية والثقافية وغيرها ومقدار التقدم أو التأخر في كل جانب ، وتأتي هذه الاهمية لسبب بسيط وبدهي وهو أن المجتمع عموما هو مجال عمل كل التيارات وأي متغير في حياة المجتمع سينعكس سلبا أو ايجابا على المجتمع ويدخل سريعا أو بعد فترة قد تطول وقد تقصر إلى حيز التطبيق الفعلي في سلوك المجتمع اليومي ، فمن كان على اطلاع واضح عن أسباب وخلفيات هذا المتغير في حياة المجتمع أمكنه أن يتعامل أو يتفاعل مع هذا المتغير وأن يستخدمه لصالحه أو يستغله في تسويق أفكاره وبرامجه أو يعد العدة لاحتوائه وما شابه ذلك ، أما من فاجأه المتغير بالظهور دون أن يكون على رصد واطلاع صحيح و واضح له من قبل فإنه سيضرب أخماسا وأسداسا وسيرتبك وتتناثر أوراقه وتتعثر خطواته وتضيع جهوده ويتخلف عن الركب شاء أم أبى .

إزدياد المد الثقافي والفكري في المجتمعات

ومن المتغيرات المهمة التي تتفاعل اليوم في مجتمعاتنا أن عامة الناس والتي تمثل الطبقة الأكثر عددا في كل مجتمع أصبح لديها وعي ثقافي وفكري متنامي بسبب ما أحدثته ثورة الاتصالات والاعلام المفتوح وأطباق الاستقبال والانترنت وغيرها من تغيير جذري كما ونوعا في حجم ونوع البرامج والاخبار والتحليلات السياسية والتغطيات المباشرة للأحداث والطرح الفكري والحواري المتنوع  وغيرها مما أعطى زخما هائلا في حياة المجتمعات الفكرية والثقافية والاعلامية ، وهذا الزخم الفكري والثقافي المتنامي سيكون له تأثير واضح على المجتمعات عموما ولا بد عندئذ من تغيير في نوع الخطاب والدعوة إلى الأفكار بمايتناسب مع هذا المتغير الجديد .

وقد بدأ هذا الزخم ينعكس على حياة العامة فأصبحوا على وجه العموم أكثر وعيا والتصاقا ومعايشة للأحداث وبدأ الميزان يميل لصالحهم وبدأ بعض العوام – حاليا- يتفوق على بعض المثقفين والمفكرين في وعيه وإدراكه وحسن فهمه للأحداث والتطورات التي نعيشها اليوم ، والسبب في ذلك أن بعض التيارات الثقافية والفكرية انعزلت طوعا أو كرها عن هذه الثورة الثقافية والاعلامية التي يشهدها العالم أو تعاملت معها في أضيق الحدود أو بشكل ساذج لايعكس اهتماما أو تقديرا واعيا ومنصفا لحجم التأثير الذي يمكن أن تصنعه هذه الثورة الاعلامية  في حياة الناس وسلوكهم كما أن البعض الآخر أهمل الاستفادة من هذه الثورة الثقافية والاعلامية ولم يعد العدة لاستغلالها في مجال توضيح المباديء ونشر الأفكار وتصحيحها أو استغلها بشكل ضعيف لايمثل 10% من الاستغلال الفعلي والامكانات الحقيقية المتوفرة في ثناياها

موطن الداء والخلل

ومن هنا جاء الخلل ، فالعامي لديها بحر هائل من البرامج والأخبار والتحليلات والحوارات والتغطيات المباشرة للأحداث - سواء عن طريق الانترنت أو الفضائيات أو غيرها مما جد وسيجد على الساحة - يغرف منها كما يشاء باختياره أو تقتحم عليه عالمه وبيته وفكره ، أما المثقف الجامد فلا زال يظن أن الأمور كما هي وأن التفوق القديم الذي أحرزه لايزال ساري المفعول وأن سلم التفوق لازال في صالحه ...بينما الأمور على ارض الواقع تتحدث بغير ذلك .

واذا استمرت الأمور على ماهي عليه سيأتي اليوم الذي يصبح فيه عوام الناس متفوقون بفارق ليس بالقليل على المثقفين والمفكرين الذين أهملوا فهم هذه المتغيرات الجديدة ولم يقدروها قدرها ولم يحسنوا الاستفادة منها ولا التعامل معها ولا استغلوها الاستغلال الأمثل .

وتفوق العوام لن يكون بأن يصبح العوام أساتذة ومفكرين يلقون محاضرات أو يكتبون مقالات أو ماشابه ذلك كما قد يتصور بعض السذج ، ولكن تفوقهم سيأخذ شكلا غاية في البساطة وهو أنهم سيكونون أدرى بالحقائق والوقائع  وبشكل صحيح أكثر من غيرهم وسيكون فهمهم للأحداث والحياة عموما أكثر صدقا وواقعية ممن سيأتي ليحدثهم عن أخبار قديمة أو أحداث منتهية أو يقدم لهم تحليلات تفتقد للواقعية وللمصداقية قبل ذلك ، وعندها يفقد المثقف والمفكر الجامد عاملا مهما من عوامل تفوقه إن لم يكن أهمها على الاطلاق .

هذا فإن أصبت فمن الله وله الحمد والامتنان وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان وأستغفر الله منه


والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية