الأربعاء، 10 يناير 2024

حكاية الكتاب في حياتي

 

تواردت الخواطر في ذهني وأنا أقرأ بنهم وشغف مقالة  صديقي العزيز الأصغر مني سنا والأكبر مني قدرا وفضلا (عبدالله بن عمر)  ( عن التخلي )  والتي تحدث فيها عن بعض ما عاشه في حياته في عالم  الكتب  هواية وقراءة  وجمعا وتركا

ورجعت بي الذكرى الى عشرات السنين  الى ما ظل عالقا في الوجدان  لم تمحه تقلبات الأيام وتبدلات الأحوال .

كان لوالدي رحمه الله مكتبة كبيرة مليئة بأنواع الكتب  وكان له ولع شديد بالكتب والحفاظ عليها  فقد كان يغلف بعضها بأغلفة إضافية  من الورق الشفاف  وكان له دراية كبيرة  بصيانة الكتب وخياطتها وصناعة أغلفة لها وتجليدها  وغير ذلك من المهارات التي نفتقد كثيرا منها اليوم  ولا تكاد تجدها إلا عند المتخصصين في ترميم الكتب وصيانتها في المكتبات أو المتاحف .

وكنا إذا غادر الوالد المنزل دخلنا الى عالم دواليب الكتب الساحر  وكان الوالد يحرص على إغلاقها بالمفتاح  صيانة لها من عبثنا  وكان يوم سعدنا إذا ترك أحدها سهوا مفتوحا  أو نسي  المفتاح على أحدها  وكان في الغالب يفتح عددا لا بأس به من الدواليب  الأخرى  فكنا نخرج الكتب ونتأملها ونتفحصها ونتصفحها  ثم نحرص على إعادتها كما كانت  ولم يكن فيها مايستهوينا  كثيرا ونحن في عالم الطفولة .

قراءة الفتيان

ثم في مرحلة تالية تعلقت بالقصص المصورة التي انتشرت تلك الأيام  مثل سوبرمان والوطواط والبرق وميكي وتان تان ، والمغامرون الخمسة والشياطين ال13 وغيرها مما كنت انتظره في مكتبة ضياء بفارغ الصبر أو استعيره من الأصدقاء مقابل ماعندي من قصص .

قراءة المراهقة المبكرة

ثم في مرحلة تالية بدأت بالقصص المكتوبة وخاصة روايات الأدب العالمي  وقصص أجاثا كريستي ومغامرات اللص الظريف أرسين لوبين وغيرها .

قراءة مرحلة الشباب

ثم بدأت المرحلة الجامعية والتحول الفكري والثقافي الكبير في حياتي  فبدأت بتكوين مكتبة خاصة بي وأخذت تزداد شيئا فشيئا  والفضل في ذلك إلى من درسوني في كلية التربية -التي تحولت إلى جامعة طيبة فيما بعد - من الكرام الأفاضل وحثوني على تكوين مكتبة خاصة بي  بالإضافة إلى القائمين على الكلية الذين حرصوا على توفير الكتب للطالب بأسعار زهيدة  حتى أنني من فرحي كنت أشتري كتبا ليست من تخصصي لإنخفاض أسعارها  ولا زلت محتفظا ببعض الكتب من مقررات قسم التربية الفنية  لما فيها من زخارف ورسوم  قل أن تجدها في المكتبات .

قراءة مرحلة المتزوجين

ثم بدأت مرحلة أخرى مع الكتب عند الزواج ووجود منزل خاص ، ونظرا لأنني وقتها من المستأجرين لم أتنبه في البداية لمعضلة نقل المكتبة التي واجهتها بعد بضع سنوات عندما اضطررت لنقل عفش البيت من منزل لآخر  فقد وجدت أن جميع أغراض المنزل يمكن نقلها مرة واحدة   ماعدا المكتبة يحتاج نقلها مرتين على أقل تقدير .

ومثل ماذكر أخي الكريم عبدالله بن عمر في مقالته ( عن التخلي ) ( حين تتضح الأولويات يسهل التخلي عما عداها، ويتخذ المرء قرارات صعبة في العادة، حين يخرج المرء من ضيق الشتات إلى سعة التركيز، يصبح التخلي عن المحبوبات ممكناً، وأقل صعوبة من المعتاد. ) .

عندها قررت أن المكتبة  يجب أن تكون في الرأس والعقل بشكل أساسي  وأن أمثالي من المستأجرين يجب أن يتنبهوا ويحتاطوا لمثل هذه المعاناة مع الكتب .

وكان لي صديق فاضل لديه مكتبة كبيرة جدا ويزودها باستمرار بأحدث الكتب  وكان مثل من يحبس الماء لينتفع بع الناس  فأخذت استعير الكتب منه بالعشرات  أقرؤها ثم أعيدها واستعير غيرها وهكذا .

وكان لديه سجل للإعارات  فملأت السجل باسمي ، وأذكر أنني زرته بعد 30 عاما تقريبا بعد أن تبدلت الأحوال والأفكار وذهب الشباب ومعه القوة والجلد  ودخلنا الى المكتبة  ورأيت السجل  واسمي لا زال فيه   ثم قال لي : مع مرور هذه السنوات  لازال اسمك يتصدر قائمة المستعيرين من مكتبتي ولم يتجاوزه أحد.

وأذكر أنني عملت جردا لمكتبتي فاحتفظت بأمهات الكتب فقط  والباقي وضعته في غرفة الضيوف  وكلما زارني  أحد  قلت له ) احمل ماشئت منها هدية مني لك) .

قراءة مرحلة الإعلام الالكتروني

ثم في مرحلة لاحقة بدأت الكتب الالكترونية في الدخول الى الساحة  وكنت من أوائل المهتمين بالكمبيوتر والنت وبدأت بتكوين مكتبة الكترونية  حيث يمكن تخزين آلاف الكتب على قرص مدمج واحد .

ولست الآن بصدد المقارنة بين الكتاب العادي والالكتروني  فذلك حديث آخر ولكني أتحدث عن باب معرفة هائل وكبير فتح للباحثين والراغبين في المعرفة والاطلاع .

وأذكر أنني أصبحت مهووسا بالبحث عن الكتب الممنوعة  في الأسواق ، وكلما قرأت عن كتاب ممنوع  في كتاب أو مقال أو مقابلة  أسجل اسمه على الفور وأظل أبحث عن نسخة الكترونية منه حتى أجدها ،  وهذا الأمر لم يكن متاحا قبل انهيار الحواجز عبر الإعلام الالكتروني .

ثم ظهرت الموسوعات الضخمة مثل برنامج المحدث وغيره مما حوى مئات الالآف من الكتب القديمة والحديثة في مختلف الفنون مما يملأ عشرات الشاحنات لو كان مطبوعا ، مع خدمات البحث  ونسخ النص وغيرها مما جعل البحث والاطلاع سهلا ميسورا  وقوة ثقافية بحثية ضاربة ، فقررت  التخلص من باقي المكتبة مع الاحتفاظ ببعض الكتب المهمة فقط  وقد كان.

قراءة الشوط الأخير ومرحلة التقاعد

وانتهى بي الحال أن علاقتي بالكتب أضحت الكترونية بشكل كبير لظروف الزمان والمكان والعمر والحال ، كما أنني أصبحت انتقائيا  فلا أقرأ إلا ما أقرر أنه يستحق القراءة  فما بقي من العمر يجب التعامل معه بحرص فلا مجال للخطأ والتبديد في غير طائل

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية