الأربعاء، 10 يناير 2024

مقالات أعجبتني ( تفاصيل كل شيء )

 الكاتب عبدالله ابن عمر

عبثاً تحاول أن ترضى عنك فلا تجد إلى الرضى سبيلاً

 عبثاً تحاول أن تسخط عليك فلا تجد إلى السخط سبيلاً

 كل شيء على ما لا يرام، لا داعي لأن تروم شيئاً أو تطمح إلى شيء، الماضي فات، المستقبل لم يأت، والحاضر لا يهم! 

على الرغم من ذلك، ثمة وجومٌ يسيطر عليك، وحزن يسيل من عينيك ومنافذ العرق في رأسك ووجهك

 أسى مجهول العلة يحتويك، يغلفك، يبدو لكل ناظر كلما تعبت عضلات وجهك وتراخت عن حمل الأقنعة

 أقنعة السعادة والابتسامة والاحتمال وتمشية الحال، وأقنعة الاكتراث والاهتمام والسرور باللقاء والحزن على الفراق

 وأقنعة الشكوى من المؤذيات والتأفف من المكدرات. الأشياء تحدث، وما يحدث لا يهم، ومحاولة الفهم عبء زائد، والتفكير ترف، دع كل شيء يمضي، دع كل شيء يمر.

كذا كنت، لوقت ليس بالطويل وليس بالقصير، في فترة من حياتك ليست بالحسنة وليست بالسيئة، المعايير فقدت مفعولها

 والسكون يلف كل شيء. هل هذا هو ما يدعونه بالاكتئاب؟ 

لستَ تدري، ولا تنفي، ولا تؤكد، ولا تعترض، أنت في تلك الأثناء لا شيء، لا وقت لديك لتقرر، أو تفكر، أو تحلم.

لحسن حظك، أو لسوء حظك، لا فرق، سوف تتجاوز هذه المرحلة سريعاً، وتنهض من نومةٍ عميقة قصيرة

 تستيقظ تعِباً، النوم الذي حصلت عليه مصادفة جاء متقطعاً بارداً ثم سئم فانصرف عنك، مثل عملية جراحية سئم الطبيب فانصرف عنها في منتصفها، لم تكتمل العافية، ولم يشف المريض.


تنهض من النوم والعبث إلى واقعك الحافل بالفوضى، وقائمة أعمالك الحافلة بالكثير من الأشياء العاجلة المهمة في نظرك وحدك

 والكثير من المهمات العاجلة المهمة في نظر والدك وحده، والكثير من اللقاءات العاجلة المهمة في نظر صديقك الأناني وحده الذي يعبر عن حبه لك بالضغط على جدول أعمالك المزدحم واقتطاع قسط ثمين من ساعاتك المحدودة من أجل لقاء قبل المغادرة، ويلقي على رأسك بأطنانٍ من العتب كلما عرف أنك لقيت فلاناً أو شربت كوب قهوة -ولو مسمومة- مع علاّن.

الأمر ليس سهلاً بالمرة، لكن من يبحث عن السهولة؟ 

من يعبأ بأن يكون الأمر سهلا؟ 

أنت في طريق ذي اتجاه واحد، لا مجال للتراجع، وفي الطريق عقباتٌ جديدة، ومشكلات غير معهودة، وأوجاع مبتكرة، ومفاجآت غير سارة، ولا سبيل أمامك إلا أن تستمر في الطريق، أن تدوس القوارير المكسورة، والألغام الأرضية، وكتل البراز والبلغم والحصى المسنون بقدميك الحافيتين، فالوقت لا يرحم

 وموعد سفرك يقترب بلؤم شديد تتقنه الساعة كلما ازدحمت عليك الأشغال.

يمر الوقت سريعاً حين تريد له أن يبطئ

 ويراوح بين قدميه بطيئاً حين تريد منه أن يسرع

 يشاكسك، حين تنتظر يخيل إليك أن عقارب الساعة تعود إلى الوراء، تلدغك كل ثانية تمر بطيئة مثل دهر

  وحين تكون في حاجة إلى الوقت لتدرك موعداً ما؛ يتآمر عليك كل شيء: عقارب الساعة، إشارات المرور، خاصة تلك الخضراء التي تنقلب حمراء في اللحظة الأخيرة قبل وقوعك في مرمى الرصد الآلي المشؤوم

 وذلك الزحام المفاجئ في طريق جرت العادة أن يخلو من السيارات خلو صلعة الأقرع من الشعر. 

يهون عليك الأمر حين تعلم أن الوقت هكذا على الدوام

 لكن الذي لا يهون ولا طب له هو أنك لا تدري هل تسعد ببطء الوقت أم تشقى؟

 وهل يضحكك إسراعه في التقضي أم يبكيك! 

أنت تريد سعة من الوقت لتنجز كل شيء، لتملأ عينيك من وجوه من تحب، لتكمل إجراءات قص جذورك، لتتملى من رؤية الكعبة وتقضي نهمتك من التقلب في رخام الحرم، لتعيد الودائع، وتعد العدة كما ينبغي. 

وأنت تريد في الوقت نفسه أن تنقضي الأيام سريعاً لتتخلص من كل هذا النصَب، وتستقر على حال معقول من توتر المشاعر بعدما غرقت في بحر موار لا قعر له من القلق، الترقب، السرور، الألم، اللهفة، الندم، الحسرة، العذاب، السعادة، الرضى، الغضب، الصدمة، الثقة، الخوف، الاكتراث، عدم الاكتراث، الشجاعة، الإحجام، التهور، التبلد، الانتباه، التشتت، التركيز، الهم، الاستبشار، التشاؤم. 

وفوق ذلك إجهاد يضرب بدنك ضرب غرائب الإبل

 ونومٌ يأبى أن يزورك كما يجب

 ومزاجٌ يتقلب ويعاني معانة الأسير في غوانتانامو.

 تكتشف ذات يوم أن اليوم الذي تظنه الثلاثاء هو الاثنين! فتسعد وتشقى معاً، تسعد بسعةٍ من الوقت تضاف إليك، وتشقى بأربع وعشرين ساعة مضافة من العناء الذي ظننت أنك قد نجوت منه، أو تجاوزته.

كل ما تعانيه ليس بشيء أمام ما سيأتي. ما سيأتي هو ما لم تعهده، ما لم تفهمه، ما لم تجربه، وما لم تكُنه.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية