مقالات أعجبتني كثيرا ( ماهو أهم من التخطيط الشحصي )
كتبه عبدالله بن عمر 2019
“قبل أن تتحرك، يجب أن تخطط جيداً”.
“التخطيط الجيد يوفر لك الكثير من الوقت أثناء التنفيذ”.
“ليكن هدفك في الحياة واضحاً”.
“من لا يملك هدفاً.. أعمى!”
وعبارات من هذا القبيل، كثيرةٌ جداً، لا أقف منها اليوم موقف التقويم والنقد، ولكن أقف لأحكي ما فهمته منها، في بدايات الشباب، وما فعلته، أقصد، ما لم أفعله! بناءً على فهمي لهذه الوصايا والتقريرات وما يشبهها.
فهمتُ أن على المرء أن يكتشف هدفه في الحياة، وأن يخطط لحياته بصورة محكمة، وأن يشرع بعد التخطيط في التنفيذ، وأن يكون “واثق الخطوة يمشي ملكاً” وفي رواية “يمشي نمرا”.
وفهمت أن المرء لو لم يفعل هذا فهو مجرم في حق نفسه، ومفرط في جنب الله، وخاذل للأمة، ومقصر في حق الإسلام والمسلمين.
ولأسبابٍ أتحمل وزر بعضها، ولا أتحمل وزر الآخر، لم أصل كثيراً إلى هدف وضعته لنفسي.. رغم الكثير من الخطط التي وضعتها، باستخدام كل ما وصلت إليه قواي الذهنية من آليات التخطيط الشخصي..
جربت التخطيط طويل الأمد، ومتوسط الأمد، وقصير الأمد، وضعت خططاً عشرينية وعشرية وخمسية وسنوية، وعلى الدوام كانت الأمور تتجه في اتجاه مختلف.. استشرت الكثير من الناس، من يعرف، ومن لا يعرف ولا يعرف أنه لا يعرف.. كانت هناك نجاحات جزئية، وانتكاسات شاملة. وأظن أن تلك الانتكاسات كانت ستكون أكثر وأشمل لولا وجود التخطيط، فالأهداف المستقبلية الواضحة تضغط على الحاضر فتحفظه من التفلت والضياع.
الخلاصة: لم أفلح تقريباً ولا مرةً مع التخطيط، ولا أزعم أن حياتي كانت خالية من الإنجازات، فهذا كفر بالنعمة، وغلو في التواضع، لكني أزعم بثقة بالغة..
أنه معظم ما أنجزته لم أخطط له، وأن معظم ما خططت له لم أنجزه.أنه ربما كنتُ أنا السبب، ربما كنت أبالغ كثيراً في تقدير ما يمكنني فعله، ربما كنتُ عاجزاً عن قراءة المستقبل القريب، ربما كنتُ طموحاً أكثر من اللازم، ربما كانت المتغيرات قادرة دوماً على تقويض كل خططي وأحلامي، وربما كان هناك غير ما ذكر من الأسباب!
وفي معظم ما أنجزته لم أحقق أهدافاً جميلة، ولكن وصلت إلى نتائج جميلة، والنتيجة ليست الهدف الذي تسعى إليه، ولكنها ما تحصل بالفعل عليه. وقد يكون ما تحصل عليه في سبيلك إلى الهدف أثمن بكثير من الهدف الذي تود الوصول إليه!
رغم هذا، لم أتخلّ عن التخطيط، ولن أتخلى عنه على الأرجح، ولكن هناك -من وجهة نظر شخصية، وبناء على تجربة شخصية كذلك- أشياء أهم من التخطيط، يحسُن أن يلتفت المرء إليها إن أراد الوصول إلى شيء مما يريد في رحلته القصيرة على هذا الكوكب:
التخلي عن العادات المكبّلة
بوسع بعض العادات أن يدمّر أكبر الخطط وأكثرها إحكاماً.. هل تريد أمثلة؟! خذ..
١. الكسل: أن تنهض ذات يوم، فتجد نفسك متثاقلاً عن إنجاز خطوة ما، ستؤدي بك إلى هدف من أهدافك.. وتستلم لتثاقلك.
٢. التسويف: أن تقول لنفسك.. إن هذا المشروع مهم، ولكن لماذا لا أتصفح الإنترنت قليلا ثم… ثم لا تصنع شيئاً.
٣. المزيد من التفكير والاستعداد: أن تقول: سأنجز هذه الخطوة، إنها مهمة جداً، ولكن يجب أن أستعد لها جيداً، ويضيع الوقت في الاستعداد والتجهيز والتحضير و، و، و…
٤. العمل في اللحظات الأخيرة: عادة قبيحة، تجعل معظم أعمالك خداجاً.. مؤداة على عجل، وبالحد الأدنى من الإتقان.. بمرور الوقت تقتلك هذه العادة، لأن هناك الكثير من الأمور المهمة التي ليست لها مواعيد نهائية واضحة..
٥. اختلاق الأعذار للنفس.. وهذا شيء فظيع للغاية، فهو يجعلك تبدو محقاً أمام نفسك كلما وقعت في تقصير ما.
٦. إدمان الشتات الرقمي: العادة القبيحة جداً، التي تشوش عليك نومك وذاكرتك وتفكيرك وتركيزك وتفسد استمتاعك بالحياة.
والحبل على الجرّار..
هذه الجرائم الستّ كفيلةٌ بإفساد أروع الخطط! والله العظيم. وأتصور أن من يعود نفسه على الحيوية في إنجاز أشغاله، ويتخلص من طاعون التسويف، ويكتسب الحس التنفيذي، ولا يؤجل عمل اليوم إلي الغد، ولا يستعبده هاتفه الذكي الذي يحيّد ذكاء البشر، سيكون أكثر إنجازاً في حياته من إنسان آخر يمتلك خطة رائعة، وهو غير مؤهل لإنجازها!
البدء في رحلة اكتشاف الذات
يحسب البعض أن بوسعه معرفة نفسه بمجرد قراءة كتاب “كيف تخطط لحياتك” أو مشاهدته لمحاضرة “رتب حياتك” أو إجرائه لاختبار تحديد الشخصية في موقع جاسم الهارون. والحقيقة أن هذا هراء، فكل ما سبق من الأدوات لا يمكنه -رغم جدواه- أن يوصل المرء إلى درجة من المعرفة الكافية لنفسه..
ليست النفس بالكيان الذي يسمح لك أن تعرفه بسهولة، أو بسرعة، أو دفعة واحدة. النفس كيانٌ عميقٌ، عميق لدرجة انقطاع النفَس قبل اكتمال مهمة الغوص، لا يمكنك التعرف عليها دفعة واحدة، باستثناء أن تكون نبياً.. خذ وقتك في التعرف إليك، واستعن على ذلك بالله عز وجل، ثم بكل ما يمكنك من ذلك: بالسؤال، والتأمل، والتجربة، والمحاولة، والخلوة، والامتحانات، وتجربة نفسك، ومقارنة ذاتك بذاتك، وتحليل ماضيك، والتأمل في مواقفك اليومية، كي تعرف ما تحب وما لا تحب، وما يروقك ولا يروقك، وما يبارك لك فيه وما لا يفتح عليك فيه.. هي رحلةٌ، لا لوم عليك إذا لم تصل، لكن اللوم كل اللوم يصبح من حقك إذا لم تبدأ.
الدوافع أهم من الأهداف
الخطة الناجحة خطة قائمة على معلومات كافية، وتوقعات صائبة، وللأسف فإن معرفتنا بالمستقبل ومتغيراته تظل محدودة، خاصة في أيامنا هذه التي يتسارع فيها التغيير إلى حد مدهش.. وتنبت من تحت الأرض فرص جديدة، لا يُلام من تخلب عينه أحيانا، كما تنبت عوائق جديدة، ومشكلات طارذة، وصوارف غير متوقعة، لم تكن موضوعة بالحسبان أثناء التخطيط.. خاصة التخطيط الشخصي، الذي يظل حظه من الإحكام النضج وصدق التخمين أقل من حظ تخطيط المنظمات والفرق المحترفة.. وبذا يظل التخطيط هشاً. وهي هشاشةٌ لا تعني أبداً أن على المرء ألا يخطط لحياته!
ما هو الأقل هشاشة من التخطيط؟؟ والأكثر صلابة ومتانة؟؟ أظن أنه الدوافع الداخلية، والبواعث الذاتية.. إنه ما يدفعك إلى العمل، ما تحب أن تمضي فيه وقتك، ما تفعله وأنت سعيد، ما تلتمتع عيناك حين يعرض لك!
الهدف يسحبك، لكن البواعث تدفعك، الهدف يضغط على حاضرك فلا يضيع، والبواعث تملأ عليك حاضرك فلا يضيع.. قد تتكلف بعض العناء حين تنوي السير إلى الهدف، لكنك تنغمس في العمل من أجل تلبية نداءات بواعثك الداخلية.
تخطيط العبد وإرادة الرب
لستُ جبرياً، ولستُ من الذين يهونون من شأن ما يمكن للمرء أن يفعله بإرادته الحرّة، ولكني مؤمن بالآية الآخيرة من سورة التكوير: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ).
إن على المرء أن يخطط لمستقبله بما يستطيع من طاقة: تخطيطاً يستعين عليه بالتعرف على نفسه وما تحب وما تطيق وتستطيع، وعلى السياق الاجتماعي الذي يعيش فيه، وعلى السنن الربانية في الناس، وعلى الفرص التي يتيحها العصر.
ولكن عليه أن يعلم أن الذي يسيّر الحياةَ ليسَ تخطيطُه، ولكنها إرادة الله عز وجل. وذلك قد لا يصنع فارقاً لدى أصحاب البصائر الكليلة، لكنه يصنع الكثير من الفوارق لدى المؤمن..
فهو يستعين بالله على معرفة خطوات النجاح، يدعوه، ويرجوه، ويتقرب إليه، ويستهدي به، ويتضرع إليه، ويتوكل عليه، تسعى قدمه في طلب النجاح، ويظل قلبه معلقاً بالفتاح جل في علاه.
وهو يستخير الله كلما همّ بخطوة مهمة من خطوات سعيه في هذه الحياة.. والاستخارة ليست مجرد طقس مكون من ركعتين ودعاء مأثور، إنها قلبٌ يفوض الأمور إلى الله، الذي يعلم ما لا نعلم، ويقدر على ما لا نقدر عليه.
وهو يرضى عن الله كلما صرف عنه شيئاً كان يريده، أو أغلق عنه باباً أطال طرقَه، مسلماً بحكمة الله في التيسير والتعسير.
وهو يلتقط الإشارات الربانية: المتمثلة في تسلسل التيسير الذي يجده المرء في باب من أبواب حياته أكثر مما يجده في غيره.. وقد قال الفاروق رضي الله عنه: من بورك له في شيء فليلزمه..
والبركةُ هي النماء والزيادة، والبركات هي السعادة، ومن المعاني التي تحوم حول مفردة البركة: الخير الكثير، والمواظبة، “يقال: باركتُ على التجارة، أي واظبت عليها”..
يحدثُ أن يخطو المرء خطوة واحدة في مشروع ما، فتتفتح له أبواب من النتائج السريعة، أو يفاجئه تيسر بعض الأمور على نحو غير مألوف في العادة، ويهوله انضمام المساعدين والمعينين من المهتمين، ويسعى في أمر ما فيفتح له من التسهيل فيه شيء لم يكن في الخيال.. ألا يحق للمرء أن يعدّ هذا الخير الكثير إشارة ربانيةً تقول له: “كل ميسر لما خلق له”؟ أقول: بلى، يحق!
في الظروف فرص لا ننتبه لها
على المرء أن يكتسب عادة استكشاف الممكنات والفرص، لا أتحدث عن الفرص السانحة والمعترضة، فأكثر ما يعرض من الفرص الجديدة سرابٌ محض، ولكن أتحدث عن تلك الفرص المقيمة التي عاش الإنسان معها حتى لم يعد يراها من كثرة المساس! وعن تلك الفرص المغطاة بغطاء من الجهد والتعب
حين يجد المرء نفسه طالباً في جامعة تتيح له مكتبة ثرية، وأساتذة حكماء، وزملاء طيبين، ويجد نفسه في عائلة ينعم فيها بوالدين داعمين، وأقرب متكاتفين، ويلقى نفسه في سياق اجتماعي فيه الكثير من الأحباب، والمعارف، والمستشارين، ويجد في حوزته جواز سفر يتيح له دخول عدد من البلدان، فإنه أمام فرص كبيرة جداً.. ومعرفة الإنسان لما يمكن أن ندعوه -أوراق القوة التي في يده- شرطٌ أساس للنجاح في الحياة.. كما أن معرفة لاعب “البلوت” لأوراقه وما يمكنه فعله بها، شرط أساسي للفوز في لعبة البلوت سيئة الذكر!
ويتذكر المرء وصية الله لبني إسرائيل، وهي وصية لنا، ولم يأخذ بها بنو إسرائيل، ولم نأخذ بها أيضاً، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب: (خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون)
وأنى للمرء أن يأخذ شيئاً لا يعرف ما هو؟!
وكيف لا يخجل المرء من نفسه وهو يرفل في نعم لم يحاول أن يكترث بها، وينعم بأوراق قوة لم يجرب مرةً في حياته أن يستكشف مدى قوتها؟
الهدف ليس أكثر من ذريعة للنتيجة
النتيجة أهم من الهدف..
والهدف الذي يضعه المرء لنفسه، ثم يسعى نحوه بكل ما أوتي من قوة؛ ليس أكثر من ذريعة توصل إلى النتيجة.. النتيجة المقدورة والمسطورة من نصيب الساعي!
الهدف هو ما نريد الحصول عليه، والنتيجة هي ما نحصل عليه بالفعل
الهدف تقرره أنت، والنتيجة يقررها الله عز وجل! قد تكون النتيجة هي الهدف ذاته، وقد تكون الهدف وغنائم أخرى، وقد تكون شيئا مغايراً تماماً..
هل أخبرك بمثال ما؟ عملتُ في مشروع تعظيم البلد الحرام منذ عام ٢٠٠٦ حتى ٢٠١١، كان الهدف هو جني المال لإعالة أسرتي. كانت النتيجة: جني المال، علاقات وصداقات ثرية، مهارات وخبرات لم أخطط لاكتسابها قط، ثم بعد تركي للعمل بخمس سنوات، حصلت نتيجةٌ لم أتوقعها قط، دعيتُ للمشاركة في برنامج تلفزيوني ضخمٍ، لم أكن لأدعى إليه غالباً لولا أن القائمين على البرنامج عرفوني أيام عملي في مشروع تعظيم البلد الحرام.
خذ هذا المثال لرجل آخر، ليس صديقي، ولا يعرفني.. بوب بيتمان، كان هدفه.. أن يصبح طياراً، وكانت النتيجة: أن صار واحداً من صناع الإعلام، وأن يكون رئيس شبكة MTV التلفزيونية الأمريكية.
كل الوظائف التي تقدم إليها بوب لم يُقبل فيها لسبب أو لآخر، ثم حدث أن قُبل بوب في إذاعة من الإذاعات، وهناك اكتشف شغفه بالإذاعة! وكان حينها شاباً صغيراً في العقد الثاني من عمره.. وترقى بوب في العمل الإذاعي، ثم التلفزيوني، حتى صار رئيساً مؤسسا لشبكة MTV.. والشغف يا سادة شيء يظهر بعد العمل، وليس قبله كما يروج مهرجو التنمية البشرية.
الخطة الأولى هراء:
يقول ستيفن كوفي في مقدمة “العادة الثامنة” بعد حديثه عن المسودة الأولى لذلك الكتاب:
كانت تلك اللحظة التي عرفنا فيها ما يكتشفه المتسلقون غالباً حين يبدؤون بالفعل تسلق الجبال، لم نكن قد قاربنا القمة على الإطلاق، فقط وصلنا قمة أول هضبة، ومن خلال هذا الموقع الذي اكتسبناه بجهد كبير، أصبحنا قادرين على رؤية أشياء لم نرها من قبل على الإطلاق، أشياء لم يكن ممكناً رؤيتها إلا من قمة هذا التل، ومن ثم وضعنا رؤيتنا عن الجبل الحقيقي وبدأنا الصعود من جديد.
بالضبط! الخطة المثالية لا تأتي قبل البدء بالعمل، لأن معرفة المرء لحدود إمكانياته لا تكتمل إلا بعد خوض التجربة، أليس القول السائر يزعم أن التجربة خير برهان؟!
أنت حين تعمل على تنفيذ هدف ما، تصل من خلال التجربة والممارسة والسعي إلى مفاهيم وحقائق جديدة.. يزيد معها إدراكك للأمور على نحو يجعل الخطة المرسومة غير صالحة للاستخدام، لأنها وُضِعت بناءً على مستوى من الرؤية والبصيرة أقل بكثير من المستوى الذي أنت عليه الآن، التخطيط المثالي لا يتم إلا بعد تجربة ومراس!! إلا بعد صعود التلة الأولى! كما فعل المتسلقون، وكما فعل ستيفن كوفي وفريقه! والتخطيط الحق إذن شيء متغير، يتغير شيئاً فشيئاً مع كل درجة يصعدها المرء في مراقي الوعي والفهم..
وبالله المستعان
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية