السنة النبوية بين أهل الفقه و أهل الحديث !
السنة النبوية بين أهل الفقه و أهل الحديث !
قرأت هذا الكتاب للمرة الأولى منذ عشرين عاما و أدركت أنه سوف يجلب المتاعب للشيخ محمد الغزالى طيب الله ثراه ، و قد صح حدسى فلقد أثار هذا الكتاب جدلا كبيرا فى أوساط علماء الحديث و المشتغلين بالسنة النبوية ، كما صدر حوالى اثنى عشر كتابا لمعارضته و الرد عليه .
تأتى أهمية الكتاب فى أنه تناول قضيتين محورتين و هما :
١. إن أحاديث الأحاد ظنية الثبوت ، و أنه لا حجة للحديث النبوى إذا تعارض مع القرآن الكريم ، أو تنافى مع العقل و المنطق .
سوف أنقل لكم بعضا مما ذكره الشيخ الغزالى فى مقدمة كتابه حتى يتضح لكم لماذا خلص الى الأمرين السابقين :
قال الغزالى "وضع علماء السنة خمسة شروط لقبول الأحاديث النبوية ثلاثة منها فى السند أى رواة الحديث و اثنان فى المتن أى نص الحديث :
١. لا بد فى السند من راو واع يضبط ما يسمعه و يحكيه طبق الأصل .
٢. لا بد للراو من خلق متين و ضمير يتقى الله .
٣. يجب أن تتوفر هاتان الصفتان فى سلسلة الرواة ، فإذا إختلافا فى راو أو اضطربت احداهما فإن الحديث يسقط عن درجة الصحة .
و بخصوص المتن :
١. يجب ألا يكون شاذا ، أى أن يخالف الراوى الثقة من هو أوثق منه .
٢. يجب ألا تكون به علة قادحة ، أى عيب يبصره المحققون فى الحديث فيردونه .
كانت غربلة علماء الحديث للأسانيد مثار للثناء و الإعجاب ، ثم انضم إليهم الفقهاء فى ملاحظة المتون ، و استبعاد الشاذ و المعلول ، ذلك أن الحكم بسلامة المتن يتطلب علما بالقرآن الكريم ، و علما آخر بشتى المرويات المنقولة لإمكان الموازنة و الترجيح بين بعضها .
قد يصح الحديث سندا و يضعف متنا بعد اكتشاف الفقهاء لعلة كامنة فيه ، و اكتشاف الشذوذ و العلة فى متن الحديث ليس حكرا على علماء السنة ، فعلماء التفسير و الفقه مسئولون عن ذلك أيضا .
قوى ابن حجر شارح صحيح البخاري حديث الغرانيق و أعطاه إشارة خضراء فمر بين الناس يفسد الدين و الدنيا ، و الحديث المذكور من وضع الزنادقة ، و قد انخدع الشيخ محمد عبد الوهاب بهذا الحديث فضمنه سيرة الرسول التى كتبها ، ثم جاء الوغد سلمان رشدى فاعتمد على هذا الحديث المكذوب فى تسمية روايته " آيات شيطانية " ، أليس من حق علماء الكلام و الفقه و التفسير أن يحاربوا هذا القذى ؟
أنظر موقف السيدة عائشة رضى الله عنها عندما سمعت حديث " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " ، لقد أنكرته ، و حلفت أن الرسول ما قاله ، و قالت " أين منكم من قول الله " لا تزر وازرة وزر أخرى" ؟
لقد ردت السيدة عائشة ما خالف القرآن بجراة و ثقة و مع ذلك فإن الحديث المرفوض من عائشة ما يزال مثبتا فى الصحاح ، بل إن ابن سعد كرره فى كتاب الطبقات الكبرى فى بضعة أسانيد !
ما أكثر الأحاديث المنتشرة بين الشباب إن قبلنا سندها فإن متنها لا يصح قبوله ، و قد قرأت للمنذرى رحمه الله فى كتابه " الترغيب و الترهيب " ستة عشر حديثا فى سكنى الشام و ما جاء فى فضلها و من بينها " طوبى للشام ، إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه "
لقد ضقت ذرعا بأناس قليلى الفقه فى القرآن كثيرى النظر فى الأحاديث ، يصدرون الأحكام و يصدرون الفتاوى فيزيدون الأمة بلبلة و حيرة ، و لا زلت احذر الأمة من أقوام بصرهم بالقرآن كليل ، و اعتمادهم كله على مرويات لا يعرفون مكانها من الكيان الإسلامى .
يستصعب بعض المشتغلين بالحديث تدبر القرآن و دراسة دلالاته و يستسهل سماع حديث ثم يخطف الحكم منه فيشقى البلاد و العباد ."
كل ما سبق كان بعضا مما ذكره الشيخ الغزالى فى مقدمة الكتاب
أما الفصل الأخير فلقد ختمه بقوله " إن حديث الآحاد يتأخر أمام النص القرآنى و الحقيقة العلمية و الواقع التاريخى
أو يتأخر كما يقول المالكية أمام عمل أهل المدينة ، و أمام القياس القطعى كما يقول الأحناف ، ذاك ما هديت إليه، فإن كان حقا فمن الله ، و إن كان خطأ فمنى ، و أستغفر الله أولا و آخرا " .
رحم الله الشيخ محمد الغزالى و طيب مرقده و جزاه أجر المجتهد الذى قصد وجه الله تعالى و هو يكتب هذا الكتاب نصرة لدين الإسلام و حبا للرسول الكريم صلى الله عليه و سلم .
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية