الأربعاء، 17 يناير 2024

تأملات معاصرة في قيادة السيارة

 مقال قديم قبل ظهور نظام ساهر والكاميرات أنشره دون تغيير فلم يتغير الوضع كثيرا 

 


خلال تجوالي في مواقع الإنترنت  استوقفني مقال جميل للدكتور الفاضل: محمد الأحمري  في مجلة العصر بعنوان  الفشل عشر مرات  ومن أكثر ما أثار شجوني  وشد انتباهي كلامه عن قيادة السيارات  وقد نقلته بنصه فيما يلي :

 8) ـ فشلت في حب قيادة السيارة، بالرغم من كثرة حركتي في شبابي المبكر بها إلى حد سخرية زملائي من كثرة حركتي وأسفاري، وقد شعرت بأن قيادة السيارة مشكلة منذ تخرجي من الجامعة، لأنها تلزمني بالتفكير في الطريق والناس، وأكون أحيانا أفكر في شيء آخر، ولم تحدث لي حوادث مرورية كبيرة ولله الحمد، ولكني لم أحبها منذ زمن، وقد نصحني زميل بإحضار سائق أعجبتني فكرته، وقد جد علي سبب آخر وهو إن قيادة السيارة في بعض المدن عمل مدمر للمروءة وفاضح للأنانية ومفسدة للأخلاق يصاحبها احتقار الناس بطريقة يندر أن يكون لها مثيل!(

وقد وجدت كلامه ينطبق في كثير من مفرداته مع ما أشعر به تجاه قيادة السيارة ، ولم يكن يدور في خلدي أن أحدا سيكتب عن هذا الجانب المؤلم والمظلم في واقعنا المعاصر ، وشجعني كلامه على كتابة مقال موسع عن هذا الموضوع وإليكم  نقاطه :

  • لي تاريخ طويل مع قيادة السيارات  يقارب الأربعين عاما  حيث  تعلمت قيادة السيارة أوائل المرحلة الثانوية  ولم أكن قد حصلت على رخصة قيادة نظامية وقتها وقد مررت بتجارب  كثيرة متنوعة منها حوادث السير  ولم يكن منها والحمدلله حوادث كبيرة تتلف الأرواح أو السيارات  كما أنني في  القليل الذي وقع لي  في أغلبه لم أكن الطرف  المخطيء  وفي بعضها نعم  كنت الطرف المخطيء ونلت عقوبتي  عليه ولم يكن منها التوقيف والحمدلله  بل الغرامات المالية فقط .
  •   ولطالما وجدت نفسي رغما عني أتفاعل خلال قيادتي للسيارة مع السائرين من حولي كما ذكر الدكتور الأحمري(لأنها تلزمني بالتفكير في الطريق والناس) وأستاء كثيرا من طريقة قيادة الناس للسيارات  حتى لكأن سائقي السيارات حيوانات تقبع خلف المقود وليسوا من أبناء آدم الذين ميزهم الله بالعقل  ولطالما وجدت نفسي مستفزا بسبب تصرف أرعن فأنطلق شاتما بعضهم ( ياحيوان  يابهيم  ياهمجي ) ثم  انطلق مستغفرا الله عزوجل على هذه الزلة التي وقعت فيها وأندم على مافعلت  وأعزم على عدم العودة لمثلها  وأستمر على ذلك فترة  حتى يستفزني  جاهل أرعن بخطأ أقوى مما أحتمل فأعود للخطأ   ....لذلك  كرهت قيادة السيارات كرها شديدا ولكنني أجد نفسي مضطرا لقيادتها مقهورا على التعامل معها إذ أصبحت من أساسيات الحياة المعاصرة ولطالما  رددت ( قياة السيارات من أعظم الكفارات والابتلاءات ) بالنسبة لي على الأقل .
  •   وكل من يقود في الطرق سيرى ألوانا من المخالفات والتجاوزات بل وحتى الجرائم والجنايات  فترى المتجاوزين للسرعة القانونية  وهم يأتونك من الخلف  ويمارسون كل ما استطاعوا لإزاحتك عن الطريق  .......أو ترى  المتباطئين الذين يسيرون في وسط الطريق  فيعرقلون سير الناس  وترى المستهترين بأرواح الناس ( ولا أقول أرواحهم لأنهم لا يقيمون لأنفسهم وزنا في حقيقة الأمر  بأفعالهم هذه )  وهم يمارسون قبائح أفعالهم  على عباد الله  .......وترى المتكبرين  والباغين ممن طمس الله بصائرهم  وهم يسيرون في  مساري الطريق  ويجعلون الخط الأبيض في  منتصف سياراتهم  لئلا  يتمكن أحد من تجاوزهم مع أن الطريق والنظام يسمح   ............وترى القاطعين للاشارات والمعاكسين للطرقات والسير وتصل الوقاحة بأحدهم  أن يطلب منك أن تبتعد عن طريقك وتفسح له المسار ليعكس السير  .............وترى الذين يوقفون سيارتهم في وسط الطريق (مع وجود مكان على طرف الطريق للوقوف) في الشوراع العامة أو أمام البقالات والمخابز وكأن الطريق ملك لآبائهم وأمهاتهم  لا حق للناس فيه  وأحيانا  تقف سيارتين في وسط الطريق تماما وتسده بالكامل ليتبادل السائقان أطراف الكلام والحديث على حساب أذية الخلق  .........وترى السرعات الجنونية والتفحيط المتهور والأرواح التي تزهق  والسيارات والممتلكات  ........  وغير ذلك من مشاهد مؤذية ومقرفة  وجهالات وحقارات يتفنن شياطين الانس في الاتيان بها  ومكره أخاك على المرور بها
  • أما صغار السن وقيادتهم للسيارات فحدث ولا حرج  حيث ترى ألوانا من التصرفات الطفولية  لأن أغلب هؤلاء يظن نفسه يقود سيارة من سيارات مدن الملاهي  حيث يفعل بسيارته ماشاء من السرعة والالتفاف يمنة أو يسرة وقتما شاء أو التوقف أو أي تصرف يحلو له ، ويبوء بإثم هؤلاء أولياء أمورهم الذين سلموهم هذه السيارات وأطلقوهم في الشوارع  يعيثون في الأرض فسادا  دون رقابة ولا محاسبة .
  •   وفي هذا الخضم المتعفن ربما حاول البعض أن يتصرف بنوع من العقلانية  والمنطق  ويلتزم بالنظام أو الذوق والأخلاق  ....كأن ترى  تقاطعا  مسدودا بالزحام  حتى آخره  أو دوارا ممتلأ بالسيارات   ...فتتوقف لتتيح للمسار  الآخر أن يظل سالكا  ولا داعي لإغلاق المسارين  أو تنتظر ريثما يفرغ الدوار أو تعبر السيارات التي فيه فتفاجأ بالسائق الذي خلفك  وهو  يطلق منبه سيارته  غاضبا عليك  وربما شتمك  ويدعوك لدفع سيارتك  وإغلاق الطريق  و كأنه يجبرك على ممارسة  الجهل والحقارة وإيذاء الناس  .
  •   وتساءلت ما الذي يجعل هؤلاء الناس ينحدرون إلى هذا الدرك الاخلاقي الحقير  ولماذا  يقودون  بهذه الطريقة التي لا تمت للإنسانية والعقل بصلة  ؟ 

فوجدت أن هؤلاء  لم يزيدوا على أن  أظهروا أنفسهم على حقيقتها الأصلية وليست الأقنعة التي يختبؤن وراءها  من  مظاهر لشخصيات توحي بالاحترام  وهي منه براء   ووجدت أن ذلك يعد مقياسا مهما وحقيقيا وذا مصداقية عالية  للمستوى الأخلاقي  والتربوي للمجتمع  .

إن النفوس التي تشربت حب المخالفة وتجاوز القوانين والإنفلات والفوضى في حياتها العامة  ستمارس بعض ذلك أو كله لا إراديا أثناء قيادتها للسيارة .

  •   كما أنني وجدت هذا الجهل والحقارة يمارسه جميع السائقين بمختلف ألوانهم  وأشكالهم  ولكنه يكثر في بعض الفئات مثل الشباب الطائش والسائقين الأجانب  وقد رأيت بأم عيني رجال أمن بالزي الرسمي وهم يرتكبون  المخالفات  ورأيت كبار السن شياب  ورأيت مطاوعة أصحاب لحى  ورأيت  ورأيت  ورأيت  ......من كل ماهو موجود ومن كل الفئات  مما يدل على أن البلوى ليست محصورة في فئة أو شريحة بعينها  
  •    ويظن البعض أن العلاج يكمن  في تشديد العقوبات  وكثرة  وجود رجال المرور  ولكن المسألة ليست كذلك  ، فهذه الرعونات التي تتجلى في قيادة السيارات هي إنعكاس لرعونات النفس وتدل على خلل فكري وأخلاقي عميق في فئات المجتمع المتلبسة بها 
  •    والعقوبات مفيدة إن وجدت  ولكن بشرط أن تكون هناك عدالة في إيقاعها وتنفيذها  وهذا ما نفتقده بشدة  في العقوبات  وهذا ما يجعلها  لا تعالج شيئا على شدتها  لأنك إن كنت من أصحاب الواسطات  ولديك معارف  في المرور أو الشرطة  فيمكنهم أن يرحلوا عنك المخالفة إلى غيرك من المواطنين الأبرياء عن طريق تغيير بعض أرقام  الهوية  وهذا الأمر أصبح معروفا عند الجميع ولا يمكن إنكاره  وبالتالي  إذا أمنت العقوبة فابشر بسوء الأدب
  • كما أن العقوبات  أصبحت نوع من الاستثمار والتربح من كثرة المخالفات لزيادة الأموال والدخل  ولو صرفت بعض هذه المبالغ على تحسين الطرق  وتسهيل حركة  المرور عليها  واصلاح الأخطاء الموجودة  فيها والتي تكون أحيانا سبب الزحام  وتجبر الناس على مخالفة قوانين السير  لو صرفت  بعض هذه المبالغ  لانخفضت  معدلات  المخالفات بشكل ملحوظ
  • وفي الختام  يتساءل البعض ما الحل وما المخرج ؟  والجواب ليس عسيرا  هناك دول  تعتبر أمثلة وقدوة  في احترام أنظمة السير والمرور  وعندما نسافر إليها  نطبق الأنظمة ونتقيد بها  فإذا عدنا  إلى بلادنا  عدنا للرعونة والجهل  ، فيجب علينا أن ننظر  كيف استطاعت تلك الدول أن تجعل الناس  يحترمون أنظمة السير والمرور  ونصنع مثلها .

هذا مالدي  فإن أصبت فمن الله  وحده 

وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان واستغفر الله منه

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية